دولي

"الجمعة الدامي" ومجازر القتل على الهويّة في سوريا، متى يستفيد الفاشلون من دروس الماضي؟

الشعب نيوز / خليفة شوشان - طالما ذكّرناهم بضرورة الاستفادة من دروس التاريخ والتعلّم من التجارب، ونحن نستذكر الدرس العراقي والليبي واليمني والسوداني وقبلها جميعا الصومالي واللبناني.

وطالما حذرناهم من المراهنة على الثورات الكاذبة والمخادعة المفتقدة للحاضنة الشعبيّة وللبرنامج وعلى الثوريين الكَذَبة من الميليشيات التكفيريّة والعصابات الإجراميّة المسلّحة المرتهنة لمن يصنعها وبخصبها طائفيا ويموّلها ويدرّبها ثمّ يملي عليها خياراته خدمة لمصالحه.  فمن الحماقة اتخاذها أدوات لمصارعة الأنظمة واستباحة الدول مهما كانت هذه الأنظمة تسلطيّة وقمعيّة، لأن العنف لا يولّد سوى مزيد من العنف ويخدم مصلحة الأنظمة القمعيّة والجماعات الارهابيّة والاجراميّة ويلغي أي دور للفاعلين السياسيين وللقوى المدنية والشعبيّة، وينشر حالة من الخوف والرعب تعطّل كل ممكنات التفكير والتعبير والتغيير العقلاني. وطالما جادلناهم وأكّدنا لهم أن النضال الوطني المدني والسلمي هو أقصر الطرق وأسلمها مهما كانت التضحيات والاستنزاف للوصول إلى الدولة الوطنيّة الديمقراطيّة الاجتماعيّة السياديّة، وأن ركوب مرْكب الميليشيّات الإرهابية التكفيرية والعصابات الإجراميّة لمحاربة الجيوش وقوى الأمن مهما بطشت والاستقواء بالأجنبي ووضع النفس على ذمته وخدمة أجنداته لن يجلب إلا مزيدا من التسلّط والأحقاد والدمويّة ويغذّي مناخات الفوضى والتخريب والارهاب والفتن بكل أشكالها الدينية والطائفية والعرقية والجهوية والعشائرية القبلية، الأمر الذي ينتهي عادة وفي كل التجارب بالتشريع للتدخّل الأجنبي وخسارة الدول وإضعافها وتفكيك مؤسساتها وخلق حالة من العزوف الجماهيري عن الممارسة السياسيّة وخلق فراغ فكري وسياسي تملؤه العقائد التكفيرية والتسلطيّة. لكنّهم أبوا واستكبروا وأصرّوا على استنساخ التجارب الفاشلة نفسها رغم يقينهم باستحالة أن تعطي نتائج مختلفة. كانوا يعلمون ولكنهم أصرّوا على الإنكار، فقط خدمة لمصالحهم الضيقة والشخصيّة ومراهنة على الاستفادة من حالة الفراغ أو لمجرّد إرضاء غرائز الحقد والانتقام والتشفّي داخلهم ولو على حساب الأوطان وساكنتها من البشر المستضعفين الذين أعلنوا أنفسهم مدافعين عن مصالحهم.

ما يحدث في سوريا منذ سقوط النظام وتفكيك مؤسسات الدولة وعلى رأسها العسكرية والأمنية وخلق فراغ دستوري، وتسليم البلاد للميليشيات الإرهابية الداعشية ومنح الحكم لزعيمهم الجولاني بتخطيط تركي/قطري وأمريكي/صهيوني وبتواطؤ عربي ودولي، كان من الطبيعي أن يصل قمّة تعفّنه ليلة "الجمعة الدامية" بكل ما حملته الصور التي رافقتها من بشاعة التطهير الطائفي والقتل على الهويّة بما لم يترك مجالا للتبرير والتزييف، باستثناء ما مارسته المكاتب الاستخباراتية التركية والقطرية وأذرعها الإعلاميّة وبالأخص "قناة الجزيرة" مسنودة بمنصات البروباغندا الإخوانيّة "الفايسبوكيّة" من محاولات توجيه للرأي العام وتزييف للوعي وتحريف للحقائق والوقائع سرعان ما انكشفت للجميع أمام هول الجرائم التي سارع الجولاني وميليشياته العسكرية والأمنية أمام افتضاحها إلى التبرؤ منها واتهام الميليشيات الإخوانية من "الحمزات والعمشات" المدعومة من تركيا وقطر بارتكابها والمطالبة بمحاسبتهم. لم يكن ما حدث مفاجئا ولا مستغربا إلا لضعاف العقول ولمن  أعمتهم الأحقاد الطائفية فأعاروا عقولهم وضمائرهم لمشغّليهم ولمن يدفع لهم.

لقد كانت مشاهد المجازر البشعة في حقّ الأطفال والنساء والشيوخ من المكونات العلوية والطائفية والمسيحية وشطب عائلات كاملة من السجل المدني بجريرة طائفية والتي ترافقت لحملات من التحريض والتشويه الاعلامي وعلى شبكات التواصل الاجتماعي المرتبطة بمنظومة الحكم الجولانيّة وحلفائها من الجماعات التكفيرية والاخوانيّة مجرّد استعادة أكثر دراميّة وتكثيفا ومأساة لما سبق ووقع بنفس الأدوات الإرهابية والإجرامية وإن اختلفت أسماؤها وألوان راياتها وخلفياتها الدينية والطائفية والعرقية سواء في العراق أو اليمن أو ليببا والسودان وقبلها صومال التسعينات ولبنان السبعينات، لان غرفة العمليات الاستخباراتية التي هندستها واحدة والغاية واحدة تقسيم المقسم وتفتيت المفتت، وما مارسته من تخريب وتقسيم للدولة ونشر للأحقاد بين صفوف أبنائها لطالما كان المقدمة الكلاسيكية الأكثر تبريرا للتدخل الخارجي من كلّ الطامعين، وفتح أبواب الجحيم على مصراعيها لكلّ أشكال الإجرام الهمجي وغرائز القتل البدائيّة والثارات الطائفية والعصبيّات العرقيّة.

الدرس المستفاد لمن يهمه ايقاف هذه "الفوضى الهدامة" التي لن تخلق يوما أملا للشعوب العربيّة كما بشّرت "كونداليزا رايس باسم "الفوضى الخلاقة" لهندسة شرق أوسط جديد، أنه لم يعد من طريق للتغيير غير النضال السلمي المدني، تمارسه وتتبناه بوجوه مكشوفة قوى سياسيّة ومدنية من هلال فعل معارض وطني ديمقراطي سيادي على قاعدة الحدّ الأدنى الوطني الديمقراطي المشترك. وتحت سقف السيادة الوطنيّة واعلان القطيعة والتصدّي دون تردد أو مجاملة لكلّ أشكال التدخلات والأجندات التّخريبية الخارجية الخشِنة والناعمة العربيّة منها والإقليميّة والدولية، والحسم النهائي في الإرهاب والإرهابيين بكلّ خلفياتهم وتعبيراتهم المسلحة والدعوية والسياسيّة فهم المعادل الموضوعي للحركة الصهيونية وأذرعها الأقوى في تفكيك الدول وتخريب الأوطان وتحويلها الى كنتونات طائفية فاشلة، وباعتباره أقصر الطرق لكسب معركة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي وإنضاج بدائل وطنيّة حقيقية متجذرة في بيئتها وحاضنتها الشعبيّة ومقنعة وفاعلة في التغيير. واعتبار كلّ ما هو خلاف ذاك ومهما كانت الشعارات المعلنة والمرفوعة باسمه الوطنية أو الهوية الدينية أو الديمقراطية أو الحقوق والحريات لا يمكن إدراجه إلا في خانة الخداع والعمالة والدخول في مغامرة ثبتت كارثيتها وتبيّن بالتجربة أنّ نهاياتها خراب البلدان ومزيد استباحة إنسانيّة الإنسان ووأْد كلّ ممكنات التغيير المدني السلمي وفتح أفق حضاري جديد للمنطقة العربيّة والفضاء الاسلامي وشعوب ودول الجنوب.