رؤية في الصراع السوداني: الأبعاد المحلية والإقليمية والدولية

الشعب نيوز/ رياض الشرايطي - يعد السودان من البلدان التي لطالما عانت من الأزمات والصراعات الداخلية، ويعيش الآن في خضم حرب أهلية تهدد بتقسيمه مرة أخرى، كما كان الحال مع الحرب الأهلية التي أفضت إلى انفصالجنوب السودان في 2011. في إطار هذه الحرب الجديدة، يتمثل الصراع الأساسي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ما يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وللصراع أبعاد عديدة تشمل القوى الداخلية المختلفة التي كانت في طليعة الثورة ضد نظام عمر البشير، بالإضافة إلى تأثيرات القوى الإقليمية والدولية التي تسعى لتحقيق مصالحها في المنطقة على حساب الشعب السوداني.
1. القوى اليسارية في الثورة السودانية: فاعلية وأزمات
منذ انطلاق الثورة السودانية في ديسمبر 2018، كانت القوى اليسارية من أبرز المشاركين في الحراك الشعبي ضد النظام العسكري، حيث ظهرت الأحزاب الشيوعية وحزب البعث والاشتراكيون الثوريون جنبًا إلى جنب مع الحركات النسوية و الحركات الشبابية و الحركات الطلابية، مؤكدين على مطالبهم في إسقاط النظام العسكري وبناء دولة مدنية ديمقراطية.
دور الحزب الشيوعي السوداني
الحزب الشيوعي السوداني كان من القوى الثورية التي لعبت دورًا أساسيًا في تنسيق الحركات الاحتجاجية وتنظيم المظاهرات ضد النظام البائد. الحزب كان يرفض أي تفاوض مع العسكريين ويطالب بحكم مدني كامل وتحول جذري في النظام السياسي والاقتصادي. كما دعا إلى تأسيس دولة اشتراكية تضمن العدالة الاجتماعية وتوزيع الثروات بشكل عادل على جميع المواطنين.
دور حزب البعث السوداني
حزب البعث السوداني كان أيضًا من القوى اليسارية التي نادت بضرورة التحول السياسي الجذري في البلاد. كان للحزب دور بارز في تبني مشروع الدولة الاشتراكية، مؤكدًا على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز دور الطبقات الشعبية في بناء الدولة. كما كان يطالب بإنهاء الهيمنة العسكرية على السلطة.
دور الاشتراكيين الثوريين
الاشتراكيون الثوريون في السودان كانوا يدعون إلى ثورة دائمة ضد الأنظمة العسكرية والرأسمالية. وفقًا لرؤيتهم، كان لابد من تفكيك النظام العسكري و إعادة تشكيل الجيش ليكون مؤسسة مهنية غير متورطة في السياسة. كما كانوا يرون أن الحرب الأهلية الدائرة تتطلب حلاً جذريًا يشمل إعادة توزيع الثروات بشكل عادل بين مختلف طبقات الشعب السوداني، حيث كان الاشتراكيون الثوريون يعتبرون أن أي حل دون المساس بالهيمنة الاقتصادية للرأسماليين والفاسدين هو مجرد مسكنات مؤقتة للأزمة.
دور الحركات النسوية والشبابية والطلاب
الحركات النسوية لعبت دورًا محوريًا في الحراك الثوري السوداني، حيث كانت النساء جزءًا أساسيًا في قيادة التظاهرات وتقديم مطالب تركز على المساواة الجندرية و الحقوق الإنسانية. لم يكن دورهن مقتصرًا على المشاركة في المظاهرات فقط، بل سعين إلى مأسسة الحركة النسائية في السياسة وتضمين قضايا المرأة في النظام السياسي الجديد. أما الحركات الطلابية و الشبابية فقد كانت القوة الفاعلة التي أطلقت الشرارة الأولى للاحتجاجات في 2018، وتظاهرت ضد قمع النظام مطالبين بتغيير سياسي شامل. هؤلاء الحركيون كانوا يدعون إلى دولة مدنية ديمقراطية تتعامل مع قضايا العدالة الاجتماعية و الحقوق الاقتصادية.
2. القوى الإقليمية والدولية وتأجيج الصراع السوداني
بعيدًا عن القوى المحلية، لعبت القوى الإقليمية والدولية دورًا مهمًا في التأثير على مسار الأحداث في السودان. تدخلت العديد من الدول لتحقيق مصالحها الخاصة، سواء عبر دعم أطراف معينة في الصراع أو عبر إمدادهم بالأسلحة والموارد المالية.
دور الإمارات والسعودية
تُظهر التقارير أن الإمارات و السعودية قد لعبتا دورًا في دعم قوات الدعم السريع، عبر تقديم مساعدات مالية وعسكرية، وهو ما جعل تلك القوات أكثر قدرة على الاستمرار في حربها ضد الجيش السوداني. السعودية والإمارات كانتا ترغبان في إبقاء السودان في فلكهما، وتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، سواء عبر التحكم في ثروات السودان من المعادن والذهب أو التأثير في السياسة السودانية بعيدًا عن القوى المدنية.
دور مصر
مصر، التي كانت دائمًا حريصة على بقاء السودان تحت هيمنة عسكرية، سعت إلى دعم الجيش السوداني في وجه قوات الدعم السريع. كان لمصر مخاوف حقيقية من تأثير الاستقرار السياسي في السودان على أمنها القومي، خاصة في ظل الأزمات في إثيوبيا و سد النهضة. لذلك كانت مصر حريصة على بقاء السودان ضمن محور عسكري موالي لها، بينما كانت تتوجس من أي تحولات ديمقراطية قد تهدد مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية.
دور الكيان الصهيوني
أدى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان في عام 2020 إلى تشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. إسرائيل كان لها دور غير مباشر في الدعم اللوجستي والدبلوماسي لقوى معينة، بما في ذلك دعم العسكريين في السودان من خلال التنسيق مع الدول الإقليمية التي تمثل مصالح إسرائيل في المنطقة.
3. ثروات السودان وتحديات الاستغلال: النفط والمعادن والزراعة
يعد السودان واحدًا من أغنى الدول في الموارد الطبيعية، بما في ذلك النفط، الذهب، و المعادن الأخرى. هذه الثروات كانت أحد الأسباب التي جعلت الصراع السوداني معقدًا، حيث كانت تتحكم فيها الدول الكبرى والعديد من الشركات الأجنبية التي استغلت الاقتصاد السوداني لصالحها على حساب الشعب.
النفط
يعد النفط من أكثر الموارد التي كانت محل نزاع في السودان، حيث تم اكتشافه في جنوب السودان في التسعينيات، ما جعل السودان ينغمس في صراع طويل مع جنوب السودان حول كيفية تقاسم هذه الثروات. على الرغم من أن معظم حقول النفط توجد في جنوب السودان، فإن شمال السودان لا يزال يلعب دورًا في تصدير النفط عبر الأنابيب الممتدة من الجنوب إلى البحر الأحمر، مما يجعل هذه الثروات بمثابة مصدر رئيسي للصراع بين الأطراف المختلفة.
المعادن
يمتلك السودان احتياطيات ضخمة من الذهب، ويعد من أكبر منتجي الذهب في العالم. لكن هذا المورد الثمين لم يكن سببًا في تحسين حياة المواطنين السودانيين، بل أصبح عاملًا رئيسيًا في استقطاب القوى الإقليمية والدولية التي تسعى إلى استغلال هذه الثروات. الميليشيات و الشركات الأجنبية كانت تتحكم في الذهب عبر عمليات تهريب ضخمة، بينما كانت الحكومة السودانية غارقة في فساد مستشري، مما أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية.
الزراعة
السودان يمتلك أراضٍ زراعية شاسعة تعتبر من أخصب الأراضي الزراعية في العالم، إلا أن عدم الاستقرار السياسي والحروب المستمرة أدت إلى تدهور قطاع الزراعة. كانت الأراضي الزراعية تستطيع أن تكون مصدرًا للثروة إذا تم استغلالها بشكل جيد، لكن الاستبداد العسكري و الفساد من جهة، والحروب الأهلية من جهة أخرى، جعلت هذا القطاع يعاني من تدهور مستمر.
4. تبعات الحرب الأهلية: دمار وفوضى
الحرب الأهلية التي تدور حاليًا في السودان تسببت في دمار واسع على جميع الأصعدة. المدن السودانية تعيش تحت رحمة القصف المستمر، حيث تأثر المدنيون بشكل غير مسبوق. ملايين السودانيين أصبحوا لاجئين في دول الجوار مثل مصر و إثيوبيا و تشاد، في وقت يعاني فيه السودان من تدمير واسع في بنيته التحتية.
5. رؤية اليسار السوداني لحل الأزمة السودانية
من وجهة نظر اليسار السودان ي ، يجب أن تكون الحلول القادمة شاملة. ففالجيش السوداني يجب أن يتم إعادة هيكلته ليصبح مؤسسة وطنية غير سياسية، بينما يجب تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال إعادة توزيع الثروات على جميع أبناء الشعب السوداني. يجب على السودان أن يتجه نحو دولة مدنية ديمقراطية بعيدًا عن الهيمنة العسكرية والتدخلات الأجنبية.
إن الطريق إلى السلام يتطلب توحيد الجهود من كافة الأطراف السودانية لبناء دولة حديثة، تعتمد على العدالة الاجتماعية و الاستقلالية الاقتصادية بعيدًا عن التبعية للأطراف الخارجية التي استغلت السودان طويلاً.