" هريسة لاند " السهل الممتنع

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - قبل مشاهدة السلسة التلڤزية "هريسة لاند" تبدأ في الضحك فألعنوان ذاته" ساركازم" تهكمي ويحيلك مباشرة على "ديزني لاند"…وهو ليس كوميديا سوداء بل تهكم على حالة واقعية تهكم كاريكاتوري ليس فقط للإضحاك بل لمواجهة حقيقة إجتماعية بائسة ويدعو للتفكير في تناقضاتها ربما يؤدي ذلك للتغير أو حتى في أضعف الإيمان المراجعة النقدية! إنها شخصيات إعتيادية نقابلها ونعرف طبيعتها وفي الأماكن المعتادة التى يرتادها المواطنون ! وهي انماط إجتماعية معتادة وربما عادية ومألوفة لدينا نتعايش معها ونحبها ونسخط منها أحيانآ كثيرة دون أن تتغير فهي مكون من ثقافة العمل البيروفراطي!
بين موقعين هما مركزين رئيسيين في الحياة الإجتماعية تدور حوادث مضحكة بين شخصيات إعتيادية مألوفة .
المكان الأول هو "وكالة الخدمات" التى تشبه معظم الوكالات الحكومية وهي تقدم بألطبع خدمات إدارية يرتادها المواطنون من مختلف الطبقات لإستخراج وثائق شخصية و هي ككل الوكالات بها موظفين من مختلف الأعمار والطبائع المتناقضة بينهم عِشرة وتضامن وحسد وغيرة وكذلك صراعات على المراكز القيادية وحتى تشارك في حكايات أحوالهم المعيشية !كلٌ منهم ومنهن يذهب للعمل بإعتباد لكي يتحصل على شهريته وينهي يومه وفي الأثناء يتناولون فطورهم ويتبادلون أثناءها مع زملاءهم بالوكالة متاعبهم الشخصية ويتنافسون .
في "وكالة الخدمات" يجتمع "عم بشير" (جمال المداني) "القابض" وأكثرهم خدمة وقنوع و صبر على الحال و"فتحية" (بيكا) و"سمير" (حمودة بن حسين) النقابي و رضا (حاتم القروي) و"مختار" (منير العماري) الساعي المرتشي و(أروى بن اسماعيل) أصغرهم وأجملهم وتنتظر العريس المناسب .. موظفون لكل منهم شخصيته المتناقضة المضحكة والمختلفة في التعامل مع المواطنين ولكن تجمعهم وكالة الخدمات . تتخطى الترقية "بشير"(الأقدم )الذي يرضى بذلك ولكن المدير الجديد المنتفخ يمارس السلطة بشراسه ويدعي تجديد كل الوسائل القديمة وإعادة تأهيل العاملين وهو كان مجرد يعمل بالأ رشيف وحتى يضيف الذكاء الصناعي في صورة "فتاة روبوت" يمارس وظيفته من مكتب آخر. ولايخلو السيناريو من وجود شخصية نقابية(سمير)غير ملتزمة بمواقيت العمل ولكن الشجاعة في المطالبات المهنية. شخصية الساعي المرتشي( والذي يتجسس على زملاؤه لصالح كل مدير جديد و أداها"" منير العياري !وعندما يتم فشل المدير فتعرض الإدارة على المٌستحق بشير فيرفض لإنه قنوع باداء واجبه الذي يجيده!
المكان الثاني التى تجري به الكوميديا هي دار" سي البشير "وزوجته ويسكن معهم شقيقها وأبنه ! منزل عم بشير يتحول لمصنع الهريسة ويحول المنزل لمخزن للفلفل الأحمر وتتحول سيدة الدار لعاملة في واغلب المشاهد ستجمع زوجته( جميلة الشيحي) ب"رياض حمدي" في الدار حيث سيفكران في مشروع ناجح ويحاولان البحث عن مصادر للتمويل وتكون "الهريسة" هي المنتج التونسي الشعبي الثقافي الأصيل!
" الهريسة" تفشل بإضافة السُكر بدلآ من الملح وهذا مافعله الأخ المستشار الأقتصادي الهِمام للمشروع بإهماله وتراخيه وليس عن قصد الإضرار بشقيقته،و يؤدي ذلك لشكايات قانونية من الحرفاء والتاجر المروج للسلعة الوطنية الأولى ويذهب ليقدم شكاية للسلطات ويطالب بتعويض! ويتم إنهاء المشروع الفاشل بسبب الإهمال لكن الإصرار ينقب الأحجار في النهاية ..يتحول معمل الهريسة لمعمل للعصائر التى ربما قد ينجح .
لايوجد أى مبالغات في الحوارات ولا الملابس والديكورات خاصة أن كل مافي الأمر مجرد شقتين عاديتين وملابس الممثلين هى نفسها التى يتجولون بها في حياتهم اليومية وبألتالي فالتكلفة محدودة والمفيد هو النقد الإجتماعي الذي يتعرف عليه المشاهدون وهم وهن يضحكون على تناقضات حياتهم اليومية وعلاقاتهم بالإدارة وتنافسهم على الصعود المرير وملابسات تمر بهم في احوالهم العادية دون ملاحظة !
السلسلة التلڤزية سهلة ومسلية و تتميز بخفتها وخاصة في شهر رمضان الكريم و عرضت خلال النصف الأول مباشرة بعد شق الفطر والناس مازالوا غير مستعدين لدراما معقدة وجرائم ومطارادات بوليسية.. بساطة السلسلة مما ساعد على إتساع مشاهدتها والضحك الفعال والمفيد على تناقضات يعرفونها .. هي كذلك تقوم بدور المُعالج بعد مشاهدة صور كاريكاتورية من الحياة اليومية وذلك بواسطة ممثلين مجيدين والمخرج "زياد ليتيم" موفق في إختياراته للأماكن والممثلين والحوارات ليقدم هذه الكوميديا المحتشمة من إنتاج القناة الوطنية الأولى .وندعو لعرضها مرات ومرات بعد العيد وفي مناسبات أخرى. ذلك لإن نقد الكثير من العادات الإجتماعية والسلوكيات الوظيفية مفيد وضروري.