وطني

من أجل المصادقة على الاتفاقية الدولية رقم 155 للصحة والسلامة المهنية

 بقلم د. بدر السماوي
تناولت الندوة الافتراضية التي نظمها المركز الدولي للتدريب التابع  لمنظمة العمل الدولية خلال شهر اوت الماضي لفائدة النقابيين الناطقين باللغة العربية حول واقع الصحة والسلامة المهنية في البلدان العربية الاتفاقيات الدولية في مجال الصحة والسلامة المهنية حيث تم تسجيل تأخر كبير في المصادقة عليها ومن بينها الاتفاقية عدد 155 لسنة 1981 حول السلامة والصحة المهنيتين التي لم تصادق عليها إلى اليوم رغم أهميتها سوى الجزائر. وتدعو هذه الاتفاقية إلى رسم سياسة وطنية للخدمات الصحية المهنية لخلق بيئة عمل مناسبة لحماية العاملين من المخاطر وتلزم الحكومات بإصدار وتنفيذ التشريعات والقوانين المطابقة لبنود الاتفاقية بمختلف القطاعات. ومن بين الأسباب التي جعلت وتجعل بعض الدول تتعمد عدم المصادقة على هذه الاتفاقية محاولة تنصلها من مسؤولياتها القانونية والأخلاقية. كما قد يعود إلى ما تتضمنه من ضرورة إلزام الحكومات باشراك العمال عبر ممثليهم في رسم هذه السياسة. 
حق العامل في الانسحاب من العمل 
أما بالنسبة للبلدان العربية فإنها تبرر عدم مصادقتها على الاتفاقية بأنها تتعارض مع تشريعاتها الوطنية ورب عذر أقبح من ذنب. لكن الحقيقة أن السبب يعود إلى ما ورد في مادتها عدد 13 التي " تكفل الحماية للعامل الذي ينسحب من موقع عمل يعتقد لسبب معقول أنه يشكل تهديدا وشيكا وخطيرا لحياته أو صحته مما قد يرتبه انسحابه من عواقب". وهو ما يدعم أهمية هذه الاتفاقية التي تضمن للعامل حقه في توفير ظروف الصحة والسلامة سواء في معدات عمله أو في الطريقة التي ينفذ بها العمل أو في مكان العمل الذي يجب أن يكون مؤمنا ولا يشكل أي خطر على أي كان. وإلى جانب ذلك فإن أحد أسباب تهرب الحكومات العربية من المصادقة على الاتفاقية 155 عدم فسح المجال أمام المنظمات النقابية لأخذ دورها الحقيقي في فرض تطبيق مقتضيات الوقاية من الأخطار المهنية مثلما تنص عليه الاتفاقية. 

دور الاتحاد في المصادقة
وفي تونس وفي إطار العقد الاجتماعي تكونت سنة 2018 لجنة فنية للصحة والسلامة المهنية منبثقة عن اللجنة الفرعية للعلاقات المهنية والعمل اللائق ضمت ممثلين عن الشركاء الاجتماعيين وهم أولا الاتحاد العام التونسي للشغل وثانيا الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وثالثا الحكومة التي كان وفدها يضم مختصين من الإدارة العامة لتفقدية طب الشغل والصحة والسلامة المهنية ومعهد الصحة والسلامة المهنية. وقد ضبطت اللجنة منذ انطلاقها عدة مهام منها المساهمة في تحديد التوجهات الوطنية في مجال الصحة والسلامة المهنية وإبداء الرأي في مشاريع النصوص التشريعية المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية واقتراح التدابير التي من شأنها أن تدعم السياسة الوطنية للوقاية من الأخطار المهنية. وقد أعد الوفد الحكومي آنذاك وثيقة مرجعية هامة تحت عنوان " معطيات وإحصائيات حول الصحة والسلامة المهنية بالبلاد التونسية". ورغم التقدم الحاصل في أعمال اللجنة فقد توقفت عن الاجتماع سنة 2019 بسبب تركيز لجان المجلس الوطني للحوار الاجتماعي. ومنذ ذلك التاريخ دخل ملف الصحة والسلامة المهنية طي النسيان مما يطرح بكل إلحاح على الاتحاد العام التونسي للشغل يحكم دوره الوطني والاجتماعي الذي يميزه على غيره من التنظيمات النقابية العربية المبادرة بإعادة طرح الموضوع على أطر الحوار الاجتماعي في اتجاه العمل على المصادقة على الاتفاقية عدد 155 وما يترتب على ذلك من تكريس في التشريع الوطني دون أن يقلل ذلك من أهمية مصادقة تونس في ماي 2021 على الاتفاقية رقم 187  لمنظمة العمل الدولية حول الإطار الترويجي للصحة والسلامة المهنية علما وأن هذه الأخيرة أقل إلزامية للدولة ولأصحاب العمل ولا معنى للمصادقة عليها دون المصادقة على الاتفاقية التي سبقتها وهي الاتفاقية رقم 155.