المغرب العربي حارسا للحدود الأوروبية: اتفاقيات الهجرة والابتزاز السياسي

الشعب نيوز/ رياض الشرايطي: 1.الهجرة بين الابتزاز الأوروبي والتواطؤ المغاربي.
لطالما كانت دول شمال إفريقيا منطقة عبور رئيسية للمهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء نحو أوروبا، لكن في العقود الأخيرة، لم تعد هذه الدول مجرد ممرات، بل تحولت إلى حراس حدود لصالح الاتحاد الأوروبي، بعد توقيع سلسلة من الاتفاقيات التي تفرض عليها وقف تدفقات المهاجرين مقابل منح مالية زهيدة لا تعوّض الأعباء الأمنية والاقتصادية المترتبة عليها.
هذا الوضع لا يخدم مصالح الدول المغاربية، بل يضعها في موقف المتواطئ مع سياسات أوروبا القمعية ضد المهاجرين، حيث يتم تشجيع بقاء المهاجرين في الشمال الإفريقي بدلًا من وصولهم إلى الضفة الشمالية، دون أي التزام أوروبي بترحيلهم إلى أوطانهم الأصلية. هذه المقاربة تكشف النفاق الأوروبي، الذي يطالب دول المغرب العربي بوقف الهجرة، بينما يواصل نهب ثروات إفريقيا واستقطاب نخبتها العلمية لصالح اقتصاده.
2.تونس: الحارس الحدودي لإيطاليا وفرنسا.
2.1. اتفاقية تونس وإيطاليا: المال مقابل وقف الهجرة.
في يوليو 2023، وقعت تونس اتفاقية مع الاتحاد الأوروبي بقيادة إيطاليا وفرنسا وألمانيا، حصلت بموجبها على منح مالية زهيدة لا تتجاوز بضع مئات الملايين من اليوروهات، مقابل:
-تشديد الرقابة على السواحل التونسية لمنع المهاجرين من الإبحار نحو إيطاليا.
-إستضافة المهاجرين غير النظاميين الذين يتم اعتراضهم أو إعادتهم من أوروبا.
-زيادة التعاون الأمني بين تونس والاتحاد الأوروبي فيما يخص تعقب شبكات التهريب.
هذه الاتفاقية وُجهت بانتقادات حادة من منظمات حقوقية اعتبرتها بيعًا للسيادة الوطنية، حيث أن الأموال الأوروبية لن تحل الأزمة الاقتصادية في تونس، بينما تتحول البلاد إلى معتقل مفتوح للمهاجرين الأفارقة الذين لا تستطيع إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية، بسبب رفض تلك الدول استقبالهم أو بسبب تعقيدات قانونية ودبلوماسية.
2.2. الوضع في صفاقس: أزمة متفجرة.
مدينة صفاقس، التي تحولت إلى نقطة انطلاق رئيسية للمهاجرين نحو جزيرة لامبيدوزا الإيطالية، أصبحت مركزا للتوترات بعد زيادة أعداد المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء العالقين فيها.
ازدادت الاحتجاجات المحلية بسبب الضغوط الاقتصادية والتوترات الاجتماعية الناتجة عن تواجد آلاف المهاجرين دون عمل أو مأوى.
قامت السلطات التونسية في مرحلة ما بترحيل المهاجرين قسريا نحو الحدود الليبية والجزائرية، مما أدى إلى وفيات مأساوية في الصحراء بسبب غياب الموارد والمساعدات.
تجاهل أوروبي للوضع الإنساني، حيث يركز الاتحاد الأوروبي فقط على منع الهجرة دون تقديم أي حلول حقيقية.
3.المغرب: شرطي الحدود الإسبانية مقابل الفتات
3.1. اتفاقيات مدريد والرباط: دعم مالي مقابل عسكرة الحدود
المغرب بدوره أبرم اتفاقيات مع إسبانيا والاتحاد الأوروبي، تنص على:
-تشديد المراقبة الأمنية على سواحل المغرب لمنع الهجرة نحو جزر الكناري وإسبانيا.
-منع المهاجرين من الوصول إلى سبتة ومليلية، حيث كانا يمثلان طريقًا رئيسيًا لدخول أوروبا.
-القبول بإعادة المهاجرين الذين يصلون إلى إسبانيا بطريقة غير شرعية، مما يعني تحميل المغرب أعباء إضافية في استيعاب هؤلاء المهاجرين.
3.2. القمع العنيف للمهاجرين.
في يونيو 2022، شهدت الحدود بين المغرب ومدينة مليلية الإسبانية حادثا مروعا عندما حاول مئات المهاجرين اجتياز السياج الحدودي، فواجهوا قمعا عنيفا من الشرطة المغربية أدى إلى وفاة أكثر من 20 مهاجرا.
الحادث كشف عن الوجه الحقيقي للتعاون الأوروبي المغاربي، حيث يُستخدم العنف المفرط لوقف الهجرة دون أي اعتبارات إنسانية.
رغم الأموال الأوروبية التي تتلقاها المغرب، لا تزال الظروف الاقتصادية تدفع مئات الشباب المغاربة إلى "الحرڨة" نحو أوروبا، مما يُظهر فشل المقاربة الأمنية وحدها.
4.الجزائر وليبيا: من نقاط عبور إلى معتقلات مفتوحة.
4.1. الجزائر: رفض الاتفاقيات الأوروبية لكن القمع مستمر.
رغم أن الجزائر لم توقّع اتفاقيات مماثلة لما قامت به تونس والمغرب، فإنها تتعامل بصرامة مع المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تقوم بترحيلهم نحو الحدود مع النيجر ومالي.
تقارير حقوقية أكدت أن الجزائر تستخدم العنف والترحيل الجماعي دون مراعاة حقوق الإنسان.
في المقابل، يستمر الشباب الجزائري في الهجرة غير الشرعية نحو أوروبا، خاصة عبر سردينيا وإسبانيا.
4.2. ليبيا: سجن المهاجرين لصالح أوروبا.
أما ليبيا، فقد تحولت إلى نقطة رئيسية للاتجار بالبشر واحتجاز المهاجرين، حيث تدير الميليشيات المحلية مراكز احتجاز بدعم أوروبي مباشر، حيث يتعرض المهاجرون للتعذيب والابتزاز والاغتصاب.
أوروبا تمول حرس السواحل الليبي لاعتراض القوارب وإعادة المهاجرين إلى ليبيا، رغم أن البلاد لا تملك حكومة مستقرة ولا قوانين لحماية المهاجرين.
النفاق الأوروبي واضح: يرفضون استقبال المهاجرين لكنهم لا يهتمون لمصيرهم في ليبيا.
الشباب المغاربي: من القمع الداخلي إلى قوارب الموت
المفارقة الكبرى أن دول المغرب العربي التي تمنع الهجرة الإفريقية إلى أوروبا، هي نفسها دول تُصدّر شبابها نحو الضفة الشمالية.
5.لماذا يهاجر شباب المغرب العربي؟.
-البطالة وانعدام الفرص، حيث لا توفر الأنظمة الفاسدة أي آفاق مستقبلية للشباب.
-القمع السياسي، حيث يشعر الشباب بالعجز أمام أنظمة مغلقة تقمع أي حراك اجتماعي.
-انعدام العدالة الاجتماعية، حيث تتكدس الثروات بيد الاغنياء، بينما يعاني المواطنون من الفقر.
●الهجرة كتصويت ضد الأنظمة.
الهجرة غير النظامية أصبحت تصويتا غير مباشر ضد هذه الأنظمة، حيث يفضل الشباب الموت في البحر بدلا من العيش في أنظمة لا تمنحهم أي كرامة.
موجات الهجرة الجماعية باتت تفضح زيف النموذج التنموي المغاربي، الذي لا يوفر إلا الفقر والفساد والاستبداد.
6.التصاعد العنصري في أوروبا وأمريكا تجاه المهاجرين.
6.1. أوروبا: صعود اليمين وتكثيف الحملات العنصرية.
في السنوات الأخيرة، شهدت العديد من دول أوروبا تصاعدا واضحا لتيارات اليمين المتطرف التي تعادي المهاجرين، سواء كانوا من إفريقيا أو من الشرق الأوسط. هذه الحركات تعزز خطاب العنصرية والكراهية تجاه المهاجرين وتطالب بإغلاق الحدود ووقف برامج اللجوء.
-قوانين أكثر صرامة: تم تبني قوانين صارمة في عدة دول أوروبية لرفض المهاجرين، مثل منع دخول المهاجرين غير النظاميين، وعزلهم في معسكرات خاصة، وفرض رقابة مشددة على الحدود.
-الخطاب العنصري: صارت بعض السياسات الحكومية، مثل بناء الجدران على الحدود، جزءا من الخطاب العام الذي يروج له اليمين المتطرف، وهو ما يؤدي إلى تزايد العنصرية ضد المهاجرين.
-التمييز الممنهج: هناك حملات دعائية في وسائل الإعلام الأوروبية تستهدف المهاجرين باعتبارهم عبئا اقتصاديا وأمنيا، مما يعزز الكراهية في المجتمعات المحلية.
6.2. أمريكا: العنصرية والمهاجرين.
في أمريكا، يعكس خطاب اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة مواقف مشابهة تجاه المهاجرين، حيث يتم تصويرهم كتهديد للأمن الوطني والاقتصاد، رغم أن الولايات المتحدة نفسها تأسست على الهجرة. سياسة الرئيس دونالد ترامب من أبرز الأمثلة على تصعيد العنصرية ضد المهاجرين، حيث:
-تم بناء جدار مكسيكي على الحدود لوقف الهجرة غير الشرعية.
-قامت إدارة ترامب بتقليص أعداد اللاجئين الذين يتم قبولهم.
كثّف التمييز العنصري ضد المهاجرين المكسيكيين والأفارقة، بما في ذلك ممارسات الفصل العنصري في بعض المناطق.
7.العنصرية في دول المغرب العربي تجاه المهاجرين الأفارقة.
في نفس الوقت الذي تتبنى فيه أوروبا سياسات عنصرية ضد المهاجرين، نشهد أيضا تصاعدا للعنصرية غير مسبوق في دول المغرب العربي تجاه المهاجرين الأفارقة.
-التمييز الاجتماعي: يعاني المهاجرون الأفارقة في دول المغرب العربي من التمييز الاجتماعي والفقر، حيث يُنظر إليهم باعتبارهم غرباء أو تهديدا للهوية الوطنية.
-الاتجار بالبشر: انتعش الاتجار بالبشر في دول المغرب العربي بشكل غير مسبوق، حيث يتم استغلال المهاجرين الأفارقة في العمل القسري والاتجار بهم عبر شبكات غير قانونية.
-تواطؤ الحكومات: الحكومات المغاربية لا تقوم بردع هذه الظاهرة، بل تتواطأ في العديد من الأحيان مع العصابات التي تمتهن الاتجار بالبشر، مما يزيد من معاناة المهاجرين.
8.نحو مقاربة عادلة: وقف استغلال المغرب العربي كحارس حدود لأوروبا
الحلول الممكنة:
-وقف الاتفاقيات المجحفة التي تحول المغرب العربي إلى سجن للمهاجرين دون أي حلول حقيقية.
-الضغط على أوروبا لتحمل مسؤولياتها في استقبال اللاجئين بدلًا من تمويل القمع في شمال إفريقيا.
-تحقيق تنمية حقيقية في المغرب العربي لمنع الشباب من المخاطرة بحياتهم في قوارب الموت.
▪︎التفاوض من موقع قوة: تهديد بفتح الحدود البحرية.
دول المغرب العربي بحاجة إلى أن تتفاوض مع أوروبا من موقع قوة بدلا من الموقف التابع الذي تتبعه حاليا. على هذه الدول أن تكون قادرة على استخدام أوراق ضغط حقيقية، وأحد أقوى هذه الأوراق هو فتح الحدود البحرية للمهاجرين بشكل مؤقت، كما فعلت تركيا في عام 2015 عندما هددت بفتح حدودها أمام المهاجرين السوريين، مما أجبر الاتحاد الأوروبي على تقديم تنازلات كبيرة، خاصة فيما يتعلق بمساعدات مالية ضخمة واتفاقيات تضمن تحسين وضع المهاجرين في تركيا.
تستطيع دول المغرب العربي أن تهدد باستخدام هذه الورقة، مع التأكيد على أن أوروبا إذا استمرت في تجاهل واقع الهجرة وتوزيعها غير العادل، فسيكون أمامها خيار فتح الطريق أمام المهاجرين عبر البحر بشكل واسع النطاق، مما يعرّض الأمن الأوروبي بشكل أكبر ويزيد من التحديات التي تواجه القارة العجوز.
البحر الأبيض المتوسط مقبرة مفتوحة.
إذا كانت أوروبا تريد حل مشكلة الهجرة، فيجب عليها أن تدعم الدول المغاربية في تحقيق تقدم اقتصادي وإصلاحات سياسية حقيقية، تتيح لأبناء هذه الشعوب بناء مستقبلهم داخل أوطانهم بدلاً من إجبارهم على المغامرة في البحر على متن قوارب الموت بحثا عن حياة أفضل.
في الختام، يبقى البحر الأبيض المتوسط رمزا للانقسام العالمي، بين الثراء والفقر، الحقوق والسياسات العنصرية، والمستقبل المظلم للشعوب. وإذا استمرت السياسات الحالية، فإن مستقبل الهجرة سيكون مأساويا ولا يلوح فيه أي أمل.