آخر ساعة

المحيبس".. تقليد عراقي رمضاني يوحد البلاد بالبهجة والتراث"

بغداد / وكالات -   داخل أحد الملاعب في بغداد، تمتزج هتافات المشجعين بأصوات الطبول والأبواق.. إنه مشهد حماسي لا يتعلق بمباراة لكرة القدم، بل بمنافسة في لعبة "المحيبس"، وهو تقليد تراثي عمره قرون يضفي البهجة على أمسيات رمضان في العراق.

وتعد المحيبس، التي تستهوي خصوصًا سكان العاصمة بغداد منذ العهد العثماني، من أبرز التقاليد التراثية الشعبية خلال أيام شهر الصوم لدى المسلمين في العراق، وتتواجه فيها فرق من مختلف مدن البلاد ومناطقها.

- "المحيبس".. لعبة الخاتم والفراسة

اسم اللعبة هو تصغير لكلمة "المحبس"، أي الخاتم الذي تدور حوله تفاصيل المنافسات.

وتنص قواعد اللعبة على فوز الفريق الذي ينجح لأطول وقت في منع لاعبي الخصم من اكتشاف اللاعب الذي يخفي المحبس داخل يده، بالاعتماد خصوصا على الخبرة وقدرات الفراسة.

- توحيد العراقيين

يقول رئيس اتحاد المحيبس جاسم الأسود (71 عاماً)، وهو من أشهر اللاعبين منذ عقود: "إنها لعبة تراثية، لعبة أجدادنا التي توحد كل العراقيين".

- أجواء حماسية

خلال إحدى أمسيات شهر رمضان، يتجمهر حوالى 500 لاعب ومشجع على مقاعد ملعب رياضي مكشوف وسط بغداد يستضيف لعبتين، إحداهما بين فريق من الكاظمية ببغداد وآخر من مدينة الناصرية (جنوب)، والثانية بين البصرة (جنوب) وحي المشتل ببغداد.

وقبل انطلاق المنافسات، يتجمع أعضاء كل فريق، الذي يضم 45 لاعبًا، خلف ستارة لإخفاء خطوات اختيار اللاعب الذي سيحمل "المحبس". ثم يجلس اللاعبون في صفوف، أغلبهم على الأرض وآخرون على كراس، مغلقين قبضاتهم، ويراقبون بحرص شديد رئيس الفريق الخصم الذي يتقدم لتفقد اللاعبين الواحد تلو الآخر، في مهمة تهدف إلى تحديد حامل المحبس خلال عشر دقائق فقط. وإذا فشل في إيجاد المحبس، يحصل الفريق الآخر على نقطة.

وفي هذه الأثناء، تعلو أصوات قرع الطبول وإطلاق الأبواق لتختلط بهتافات المشجعين الآتين من البعيد لدعم فريقهم.

- "في دمنا"

من بين أبرز اللاعبين المشاركين في المنافسات، رئيس فريق الكاظمية باقر الكاظمي (51 عاماً) الذي تعلم اللعبة على يد والده منذ كان عمره 11 عاماً.

ويقول الكاظمي، الذي يرتدي دشداشة تقليدية سوداء: "العراقيون يحبون كرة القدم أكثر من أي شيء، لكن المحيبس تأتي في المرتبة الثانية"، مضيفا "إنها في دمنا".

- لعبة تتحدى الصعاب

في بلد أنهكته عقود من الصراعات، تراجعت ممارسة هذه اللعبة خلال سنين العنف الطائفي التي بلغت ذروتها بين عامي 2006 و2008 وتخللتها هجمات انتحارية وعمليات اختطاف. لكن اللعبة حافظت مع ذلك على وجودها، و"رغم العنف الطائفي، كنا نلعب في المقاهي"، وفق الكاظمي الذي يوضح أن جائحة كوفيد وحدها هي التي أجبرت لاعبي المحيبس على التوقف عن ممارسة هوايتهم.

ويستذكر الكاظمي مباراة خاضها فريقه الكاظمية، ذات الأغلبية الشيعية، مع الأعظمية، ذات الغالبية السنية، فوق جسر يربط المنطقتين اللتين فقدتا لحد كبير التواصل في ما بينها على مدى سنوات. ويقول بفخر "اجتمعنا سنة وشيعة ولعبنا فوق الجسر".

- لعبة تعود إلى العهد العثماني

يوضح الباحث في التراث الشعبي العراقي عادل العرداوي أن لعبة المحيبس الرمضانية يعود تاريخ ممارستها في العراق إلى منتصف القرن السادس عشر، خلال الاحتلال العثماني للعراق.

ويلفت العرداوي إلى "التقاليد الاجتماعية المهمة لهذه اللعبة كونها تساهم عند إقامتها بين منطقة وأخرى في طي أي خلافات أو نزاعات في حال وجودها".

- "سيخلدها التاريخ"

بدوره، يستذكر أحمد المعلا (30 عاماً) رئيس فريق البصرة، إحدى المنافسات مع أحد فرق بغداد، والتي استمرت طوال الليل. ويشير هذا الشاب إلى أنه تعلم اللعبة من خلال ممارستها "مع الأصدقاء والعائلة"، مضيفا "المحيبس سيخلدها التاريخ لجماهيرها الكبيرة من عموم العراق".

ويقول أبو الحسن الوجاني (27 عاماً)، وهو أقدم لاعب في فريق الناصرية ويلعب المحيبس منذ 15 عاماً، إن المحيبس "لعبتنا التراثية التي سنحافظ عليها".

ويبدي مدير قسم الأنشطة الرياضية في وزارة الشباب والرياضة نجم عبد مطشر طموحه بأن يتمكن العراق من نشر اللعبة "عربيا ثم عالميا".

وبسبب الولع الكبير بهذه اللعبة، تحدث أحيانا خلافات حادة تصل إلى حد الضرب. ويشارك نحو 400 فريق في عموم محافظات العراق في منافسات تسبق التصفيات النهائية التي يخوض منافستها النهائية 40 فريقا، عشرة من بغداد والبقية من سائر محافظات البلاد.

ويقول جاسم الأسود إنها لعبة "تُلعب منذ 300 أو 400" سنة، مؤكداً أنها عائدة للعهد العثماني و"تضم كلمات من (اللغة) التركية". ويعرب عن أمله بأن "ينقل العراقيون اللعبة إلى العالم كما نقلت البرازيل كرة القدم إلى العالم".