مسرحية " مهاجران " بباب العسل

الشعب نيوز /حسني عبد الرحيم - بفضاء "مسارآت" بباب العسل وفي تقليد مستمر من سنوات يتم في النصف الثاني من شهر رمضان الكريم بسهرات فنية موسيقية ومسرحية يعقبها نقاشات مثمرة ومفيدة.
ويتميز هذا الفضاء بجمهوره من الشباب والصغار فالعديد من النشاطات مكرسة للصغار وهو يتوسط منطقة تشابك كلية الفنون الجميلة و"فرانس ڤيل" وسوق "سيدي عبد السلام " وتمثل التظاهرة السنوية لمسارات عيد شعبى للسكان المحيطين بإدارة مجموعة من الناشطين المثقفين بقيادة النقابي والمخرج المسرحي "صالح حمودة "
"مهاجران"تم عرضها هذا العام في مكان غير مسرحي- تحت الأرض- في جاراچ لبناية مجاورة للفضاء وهو إختيار موفق للتعبير عن المحتوى الدرامي للعرض المثير.
بؤس الهجرات المتنوعة بين هجرة إجتماعية وهجرة سياسية وجمعُهما في نطاق واحد ، غرفة مشتركة تعيسة اسفل مبنى يعيش بها سياسي مناضل مهاجر وعامل شق طرقات وتتواجه ثقافتهما وتتباعد بينما يتعايشان إضرارًا وبينهما مُشترك هو الوطن الغائب والغرفة الحاضرة.
للهجرة حكايات متشابهة ومأساوية في تشابهها ،العقود الأخيرة هي عقود الهجرة الجماعية والتي يذهب تعدادها لمئات الملايين لاسباب متعددة بعضها سياسي واقتصادي وبيئي .
الحروب الأهلية والغزوات الإستعمارية والديكتاتوريات السياسية والكوارث الطبيعية أهلكت الملايين وعلى الحدود يقف ملايين آخرين منتظرين العبور للمجهول .
الكاتب البولندي المسرحي ربما الأشهر "سلافيومير مورشك" هو نفسه كان مهاجرآ في بلاد عديدة..
كان مناصرا لحزب العمال البولندي (الشيوعي) ثم منسق معارض بعد غزو الجيوش السوفياتية لبلاده وإنتقل بين مهاجر عديدة ليعود لبلاده ثم يهاجر من جديد حيث لقى نحبه عن عمر مديد (84) فى نيس بفرنسا وأعيد جثمانه ليدفن بعد إداء الصلاة عليه في كاتدرائية " سان بول" (وهو الملحد) ويقود القداس الجنائزي أرشيدوق كنيسة كاراكوف مسقط رأسه .
هو تنقل بين الأحوال والمنافي وكتب عنها مسرحية "المهاجران" دون تحديد لأسماء الشخصيات أو أصلهم أو مكان الهجرة هى تجوز على كل مكان وزمان دون تحديد.
شخصان مهاجران بلا أسماء يسكنان معآ في غرفة بها سريران فرديان وتحت الفراش يحتفظ كليهما بأشيائه والملابس المغسولة معلقة على الحبال والأشياء الضرورية كلها على طولة صغيرة بمنتصف الرُكح وحوض المياة والسبالة الى اليسار ومواسير تخترق الحوائط
البؤس مجسد في غرفة يسكنها مهاجران أحدهما عامل فحفر المجاري والآخر مثقف يكتب كتاب !الأول يقوم بالعمل الشاق الذي يسبب العجز البدني بسبب إهتزازات الآلة المستعملة للتكسير والحفر..
والآخر لايعمل فقط يقرأ الكتب والمجلات ويحاول بمشقة تكملة كتابة الذي لن يكتمل أبدآ.
الأول أتى لجمع المال ويحلم ببناء منزلآ لأسرته التى تركها في البلاد والتي لن يعود لها أبدآ ويكره السياسه ويتخيل إحتفالات صاخبة بميلاده عندما يتواجد مع أهله ..
والآخر يبحث عن الحرية و هارب بسبب إنخراطه في النشاط السياسي في البلاد !
الأول بخيل ويأكل معلبات أكل الكلاب ويخفي أمواله في ماريونيت- لعبة أطفال -بهيئة كلب يحتفظ داخلها بكنزه والثاني لديه الأموال التي ينفقها على إحتياجاته من مأكل وشراب..
الأول الذي يكتنز مدخراته للعودة والتباهي بها في البلاد ..
لايجمعهم شئ سوى الهجرة وهذه الغرفة التعيسة يتبادلان الهواجس والشكوك والتهيؤات ويبقيان معآ للإشتراك في غرفة التعاسة المقررة والمستمرة لكليهما بلا أمل ولا احلام بل أوهام مستمرة .
الحدث هو ليلة رأس العام الذي يحتفل به المواطنون بتلك البلاد بالرقص والغناء ..
هما يقرران الإحتفال بتقليد أهل البلاد بواسطة زجاجة خمر أشتراها المثقف و يفتعلون حفل نهاية عام ويتبادلان التعنيق والتعنيف والإتهامات بالتعاون مع البوليس وحتى محاولة الإنتحار والقتل.
هذيان العزلة التى وصفها في حالة المهاجرين المغاربة "الطاهر بن جلون "في كتابه أقصى درجات العزلة.
الحوارات العبثية والوجود المشترك والمضني والبقاء معآ كقدر فرضته الأيام في المنافي وعندما يسود الظلام عند بداية يوم السنة الجديدة تنتهى معها الكلمات !فقط هى حياة ليست كالحياة معادة ومكررة عبر البلدان والحدود يُطلق عليها المنفى أو الهجرة لا تختلف من مكان لمكان ومن اشخاص لآخرين وتشترك جميعها في البؤس الروحي المعمم والقاتل بؤس المنافي بلا تسمية معينة والمنفيون دون تشخيص وهروبآ في الأرض وماعليها من حروب ونزاعات لاتنتهي .
النص المسرحي تُرجم للغات عديدة وتم إخراجه وتمثيله عشرات المرات في الشرق والغرب وترجماته العربية متعددة والإقتباس الحالي هو للكاتب والمترجم "لسعد بن حسين" أخرجه "حافظ خليفة "وتمثل القديرين "جلال الدين السعدي" و"صلاح مصدق" وتوضيب "آدم الجبالي" و"كمال زهيو" وملابس "مفيدة المرواني" العرض الأخير للمسرحية حدث في فضاء مسارآت بباب العسل في سهرة رمضانية وهو يأتى بعد عروض متعددة في العاصمة والأقاليم وهو عرض ناجع ومؤثر لمخرج كبير.