إجراءات حكومية تقشفية من اجل قرض النقد الدولي: إلغاء الدعم وخفض كتلة الأجور قد تعجل بالانفجار الاجتماعي
بهدف الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي تسعى الحكومة التونسية إلى خفض كلفة الأجور من 17.4 بالمائة إلى 15 بالمائة في غضون سنة. كما تخطط لخفض الدعم في الفترة المقبلة، وصولاً إلى إلغائه نهائياً في 2024، وستعوضه بمدفوعات نقدية للمحتاجين، حسب ما جاء في مقال صادر يوم الثلاثاء 04 ماي 2021 نشر في وكالة رويترز للأنباء. ومن المنتظر أن تكون لهذه الإجراءات التقشفية كلفة اجتماعية باهضة الثمن نظرا لانعكاساتها على مستويات البطالة من ناحية وعلى مستوى عيش التونسيين ومقدرتهم الشرائية المضروبة أصلا.
غضب شعبي
ومن وجهة نظر اقتصادية فان خفض الأجور إلى %15 في ظرف سنة وحيدة يعني نظريا إما تحقيق قفزة مهولة في نسبة النمو أو تسريح آلاف من الأعوان وحيث إن الظرف الموضوعي العام يؤكد استحالة تحقق نسبة نمو عالية فإن الحل المتبقي هو مواصلة وقف الانتداب وتسريح العمال والضغط على الأجور بكل الوسائل.
وقد لا تحتاج الأمور إلى الكثير من الاجتهاد لفهم أن مجمل هذه الإجراءات قد تشعل نار الغضب الشعبي لتقود حتما إلى انفجار اجتماعي مدوي طالما حذر منه الاتحاد العام التونسي للشغل. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن الاتحاد العام التونسي للشغل قد قاطع الاجتماعات الأخيرة في بيت الحكمة ورفض المشاركة في الوفد الذي توجّه للتفاوض مع صندوق النقد الدولي.
ويمثل التقاء البطالة والانعكاسات السلبية للجائحة وغلاء الأسعار نتيجة رفع الدعم خلطة لا تؤدي إلاّ إلى غضب الشارع التونسي وانفجاره على المتسببين في ما وصلت إليه الأوضاع، والحقيقة إن توقع الانفجار الاجتماعي ليس خاصا بالقوى المتمسكة بتصور مدني اقتصادي وبمضمون اجتماعي بل إن صندوق النقد الدولي نفسه يتوقع الأمر حيث قال "كريس غيراغيت" رئيس مهمة الصندوق إلى تونس، في نفس مقال وكالة رويترز "قبل أن نتبنى برنامجاً جديداً مع صندوق النقد الدولي، سيكون من المهم أن تبدأ السلطات في توضيح مدى خطورة الوضع، وهشاشته السكان"، مشدداً على أنَّه يجب على الحكومة إشراك جميع "أصحاب المصلحة" في المناقشات."
كل متناسق
وقد أفادنا مصدر نقابي أنّ الحاجة إلى إصلاحات اقتصادية كبرى أمر مفروغ منه غير أن الإصلاحات لا بد إن تمثل كلا متناسقا يمكّن من الخروج من الأزمة الاقتصادية من رفع مستوى عيش التونسيين. واضاف إنّ إنقاذ الاقتصاد على حساب الفئات الضعيفة والطبقة الوسطى لن يكون مقبولا خاصة إن الشعب التونسي لديه تجارب مريرة في هذا الشأن، انطلاقا من برنامج إصلاح سنة 1972 وصولا إلى برنامج التفويت في التسعينات مرورا برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 وأكّد أنّها كانت كلها مراحل ومحطات رفعت فيها شعارات ووعود الرخاء والازدهار ونُفّذت فيها إجراءات اعتصار الشعب التونسي الذي يكتشف بعد كل مرة انه كان ضحية الخداع كما يكتشف كل مرة انه أجبر على التضحية دون أن يكون لها انعكاس ايجابي على مستوى عيشه، نتيجة تفرّد أقليات محيطة بالسلطة بنتائج الثروة والنمو، ونتيجة احتكار حفنة المضاربين لوقت التونسيين.
ويستنتج من خلال ذلك أن قبول الشعب التونسي بأي تدابير تمس من مقدرته الشرائية أمرا عسيرا فضلا على أنّه يجب أن يكون مسبوقا بتوجه واضح وصريح من الدولة التونسية إلى جيوب المتهربين ومن راكموا الثروات واستفادوا من الامتيازات من المال العام.
طارق السعيدي