" الاتحاد ينظم يوما إعلاميا حول التوجيه الجامعي : "خوارزمية إسناد الاختصاصات الجامعية لا تعترف إلا بمجاميع النقاط

الشعب نيوز / صبري الزغيدي - ينظم قسم التكوين النقابي والانشطة الثقافية بالتنسيق مع نقابة المستشارين في الاعلام والتوجيه المدرسي والجامعي يوما إعلاميا حول التوجيه الجامعي لفائدة الناجحات والناجحين في امتحان الباكالوريا وذلك يوم السبت 19 جويلية 2025 الجاري يدار الاتحاد بالعاصمة.
ويهدف هذا اليوم الإعلامي إلى مرافقة الناجحين ومساعدتهم والانصات والاستماع اليهم من أجل حسن اختيار التوجيه المناسب ومحاولة التوفيق بين ميولاتهم وقدراتهم الذاتية ونتائجهم وذلك دعامة للنجاح .
وفي هذا السياق كتبت المستشارة العامة والخبيرة في الحياة المدرسية الأستاذة حنان المناعي الصيد تدوينة على صفحتها الخاصة في فايسبوك حول مناظرة التوجيه الجامعي تحت عنوان "مناظرة التوجيه الجامعي : عندما تصطدم الأحلام والميولات بقوانين الخوارزميات !"، ونظرا لأهميتها ولتعميم الفائدة ننشر التدوينة كاملة.
مناظرة التوجيه الجامعي : عندما تصطدم الأحلام والميولات بقوانين الخوارزميات !
بقلم : حنان المناعي الصيد مستشارة عامة خبيرة في الحياة المدرسية
"حاول توفق بين ميولاتك وبين قدراتك (أي نتائجك) "... جملة سحرية صار يلوكها كل من اتخذ من "موسم التوجيه" الجامعي سوقا ومصدرا لتجارة مربحة تجلب له الشهرة من خلال اكتساح وسائل التواصل الاجتماعي والحضور في المنابر الإعلامية وتوفر له الربح المادي السهل والوفير من خلال "بيع خبرته" الوهمية للمقدمين على مناظرة التوجيه الجامعي ومن خلال الإشهار للمؤسسات الأجنبية وللمؤسسات الخاصة وللمنصات "التعليمية" الربحية. وهنا ليس مهما أن يكون "الخبير" خبيرا فعليا أو مختصا في المجال! ما يهم هو مدى إتقانه لخطاب التنمية البشرية وتحيزه على مهارات استقطاب "الجماهير «وتقنيات البيع والتسويق!.
1_ ) سوق التوجيه الجامعي سوق مفتوحة
لقد تحول موسم التوجيه الجامعي في السنوات الأخيرة إلى سوق مفتوحة يتنافس فيها "تجار التوجيه الجامعي" من شركات ومن شبه "خبراء" السواد الأعظم منهم لا علاقة له بالمجال على احتكار أكثر ما يمكن من "الجماهير" من ناجحين جدد في الباكالوريا وأوليائهم ...سوق مفتوحة يمكن لأي كان أن ينصب فيها نفسه "مختصا" في التوجيه الجامعي ويقدم الاستشارة والمرافقة والنصح والإرشاد ولعل ما يسهل هذا التداخل في الأدوار أو "انتحال الأدوار "هذا هو طبيعة المرحلة التي يمر بها الناجحون الجدد في الباكالوريا وهي مرحلة يغلب عليها طابع الحيرة والتردد ومن ثم هشاشة نفسية يمكن التسلل من خلالها إلى النفوس والعقول والجيوب .
طبعا تجدر الإشارة هنا إلى أن هناك تظاهرات و"صالونات" حول التوجيه الجامعي تقدم الإضافة وتصنع الفارق وتعتمد على خبرة المختصين كل في مجاله وتعطي الكلمة للطلبة كل في مجال اختصاصه لتقديم المعلومة واستعراض التجارب الذاتية story telling.
2_) خوازمية إسناد الإختصاصات الجامعية لا تعترف إلا بمجاميع النقاط !
لنعد لهذه المقولة المرهم إذن: حاول أن توفق بين ميولاتك وبين قدراتك"، يرددونها وكأنها وصفة سحرية ويشهرونها في "نفس" كل مقدم على مناظرة التوجيه الجامعي وهم لا يعلمون بأنهم يزيدون بذلك من حيرته ومن "تيهه"...يقول المترشح في نفسه وهو يحاول أن يطبق هذه القاعدة على وضعيته: كيف لي أن أوفق بين ميولاتي وقدراتي؟ فعمليا لا يمكنني التوفيق بينهما لأن مجموع نقاطي لا يسمح لي بذلك! كيف يمكنني تحقيق رغبتي في الحصول على الاختصاص الجامعي الذي طالما حلمت ومجموع نقاطي هو دون مجموع نقاط آخر موجه في الدورة السابقة بكثير؟
يغيب عنهم أن مناظرة التوجيه الجامعي هي مناظرة تقنية بحتة لا تعترف بالأحلام ولا بالميولات ولا بالملمح المستوجب في الدراسة ولا بالملف المهاري للمترشح باستثناء توجيه أصحاب المواهب. وهي آلية لا تشمل جميع الشعب وأغلبها يتعلق بالشعب الفنية التي لا تشهد بطبعها تنافسا كبيرا بين المترشحين الذين يقدمون ملفا مهاريا في الغرض ونسبتهم قليلة جدا في مجموع آلاف المترشحين للمناظرة ...كما توجد مناظرة إعادة التوجيه الجامعي دورة مارس من كل سنة وهي متنفس وفتحة أمل تسمح لبعض من "ضاعت" أحلامهم طي مجاميع نقاط جائرة بأن يحققوا هذه الأحلام ...
مناظرة التوجيه الجامعي هي إجمالا منظومة تعترف فقط بالعلامات الدراسية أي بمجاميع النقاط أو ما يعبر عنه ب «السكور" ...هي منظومة مجردة من المشاعر والأحاسيس تعتمد خوارزمية تسند الاختصاص حسب ترتيب المترشح، ترتيب يعتمد على مجموع النقاط لا غير! خوارزمية لا تهتم بميولات المترشح الدفينة أو بمشروعه الدراسي والمهني الذي طالما حلم به، هي فقط تعمل بدقة عالية ولا تفتح الباب إلا لمن "يدفع أكثر" من مجموع نقاطه ولمن "يقف قبل غيره في الترتيب" وعندما توصد الباب فهي توصده دون أن تأخذها بمن ظل في الخارج أدنى شفقة وكيف لها أن تشفق وهي من جنس الخوارزميات!
3_) المرافقة في التوجيه الجامعي لا يمكن أن تكون إلا "فارقية" !
إن مجموع نقاط كل مترشح في الاختصاص الذي يروم الدراسة فيه يقابله ترتيبه ضمن كل المترشحين الذين طلبوا هذا الاختصاص وهنا تأتي أهمية معطى طاقة استيعاب الاختصاص الجامعي المعني في :
- إذا كان ترتيب المترشح يساوي أو يقل عن رقم طاقة الاستيعاب فإن المترشح يتحصل على الاختصاص الجامعي ...مثال: ترتيبه 39 أو 40 ضمن جميع من طلبوا الاختصاص وطاقة استيعاب الاختصاص تساوي 40 مقعدا.
- إذا كان ترتيب المترشح يفوق رقم طاقة الاستيعاب فإن المترشح لا يتحصل على الاختصاص الجامعي ...مثال: ترتيبه 41 أو 560 ضمن كل من طلبوا الاختصاص وطاقة استيعاب الاختصاص تساوي 40 مقعدا.
فكيف إذن لمترشح يرغب في الاختصاص المضمن بالمثال أعلاه أن يوفق بين ميله إلى هذا الاختصاص أورغبته فيه وبين مجموع نقاطه الذي لم يمكنه من ترتيب يساوي أو يقل عن 40؟ ...غير ممكن طبعا ومن غير المهني أو "الأخلاقي" أن نقول له :"عند تعمير بطاقة الاختيارات حاول أن توفق بين ميولاتك وقدراتك " ...ففي هذه الحالة الأجدى أن نقول له : كن واقعيا و تنازل عن رغبتك أو حلمك (ولو مؤقتا) في الدراسة في هذا الاختصاص وانزل بمستوى رغباتك إلى اختصاصات ملائمة أكثر لنتائجك ...أو نقول لمترشح آخر حاول أن تختار ضمن ما هو متاح لك حتى وإن لم تفكر يوما في الاختصاصات المتاحة ...عليك الاشتغال على مهارة القبول بالأمر الواقع والتأقلم مع الممكن وابدأ بالبحث عن المعلومات حول الاختصاصات المتاحة ومن ثم تعديل رغباتك بشأنها ...أو نحذر بلطف مترشحا كان يذر نفسه ومستقبله لدراسة الطب مثلا ولكنه لم يتحصل على مجموع نقاط يخول له ذلك ، نحذره من مغبة التعنت في وجه "الخوارزمية" و تضمين بطاقة اختياراته اختصاص الطب فقط في الكليات الأربع ظنا منه أنه يمكنه "لي ذراع" الخوارزمية وهو في الحقيقة يوفر كل شروط عدم حصوله على توجيه في الدورة الرئيسية وإرجائه إلى الدورة النهائية للتوجيه الجامعي ...
لمن تصلح المقولة السحرية موضوع مقالنا إذن؟ في الحقيقة هي مقولة يمكن أن تنطبق على الناجحين المتميزين الذين يكون الاختيار الحر متاحا لهم من بين جميع الاختصاصات الجامعية المعروضة. أقول يمكن لأنه حتى هؤلاء فإن تجربتي الخاصة في مرافقتهم لما يقارب العشرين عاما بينت لي أنهم يعيشون الحيرة والقلق والتردد ذاته الذي يعيشه جميع المترشحين للمناظرة وأن ما نعتبره نحن اختيارا حرا وما يعتقدونه رغبتهم الشخصية يمكن أن تكون في الحقيقة رغبة "وهمية" أو رغبة "سطحية" أو رغبة "اجتماعية" مزيفة تشكلت عبر رغبات الوالدين أو عبر التصورات الاجتماعية لاختصاصات دراسية مرموقة وأخرى مسحوقة ولمهن "نبيلة" ومهن "غير نبيلة"!
من هنا تبرز الحاجة إلى مرافقة مهنية مختصة تساعد المترشح على فهم ذاته وتبين ميولاته ومن ثم الاشتغال عليها في اتجاه تعديلها أو تغييرها والتنازل عنها في علاقة بمشروعه الدراسي والمهني والحياتي...مرافقة لا يجيدها تجار التوجيه الجامعي و"الخبراء" اللاخبراء الذين يكتسحون السوق ...
4_) التوجيه الجامعي وغياب "التربية على التوجيه"
بالنظر إلى ارتباط التوجيه الجامعي ارتباطا متينا بالتوجيه المدرسي هل يمكننا الحديث هنا عن تشكل مشروع دراسي ومهني واضح المعالم للتلميذ وهو لم يحظ بالمرافقة المناسبة خلال مساره المدرسي؟ وهل يوجد لدى طيف كبير من المتعلمين مشروع دراسي فعلي؟ في واقعنا التربوي اليوم يمكن الإقرار بأن المنظومة لم تدرج بعد "التربية على التوجيه" و"التربية على الإختيارواتخاذ القرار " ضمن مناهجها ولم تفرد إلى اليوم حصص الإعلام والتوجيه والمرافقة بزمن مدرسي مخصص! إذ يظل كل ما هو متعلق بأنشطة الإعلام والتوجيه والمرافقة في المشروع الدراسي والمهني على هامش الزمن المدرسي وتظل أنشطة الإعلام والتوجيه محاولات من قبل مستشاري الإعلام والتوجيه والأساتذة المكلفين بالتوجيه لمد التلميذ ببعض معطيات حول الشعب والمسالك والاكتفاء بإثارة القادح حول التفكير في "المشروع" دون إمكانية إسداء المرافقة المستوجبة لبلورة المشروع ونضجه واستيفاء شروط تحقيقه!
من ناحية أخرى هناك تساؤلات تفرض نفسها : كيف يمكننا الحديث عن مشروع دراسي ومهني مستكمل الملامح وعن اختيار وجل الناجحين في الباكالوريا لا يحتكمون على معلومات وبيانات وإحصائيات واضحة المعالم يشأن "سوق الشغل" وبشأن "الإختصاصات الجامعية وآفاقها " !
وكيف يمكننا حث التلميذ على الحلم بمشروعه الدراسي والمهني وعلى مسائلة ميولاته ومعرفة ذاته أياما قليلة قبل تعمير بطاقة اختياراته ! نطلب منه هذا ثم نتركه يصطدم بمنظومة توجيه جامعي تقنية بحتة لا تعترف إلا بالعلامات الدراسية التي لا تعكس بالضرورة قدرات الناجح ومهاراته باعتبار أن الحصول على علامات جيدة في الامتحانات ليس متعلقا فقط بالمستوى المعرفي للتلميذ بل بمهارات أخرى كمهارة التحكم في الانفعالات ومهارة إدارة الوقت ومهارات التعامل مع ورقة الامتحانات ...إلخ .
ختاما يظل السؤال الملح هنا هو: هل يلتقي خطاب التنمية البشرية الذي يتبناه جميع الدخلاء والمتدخلين في "استقطاب " المترشحين لمناظرة التوجيه الجامعي مع منظومة توجيه جامعي تقنية بحتة لا تعترف سوى بالعلامات.