ثقافي

رحيل زياد الرحباني

الشعب نيوز / حسني عبد الرحيم - كان رحيل الفنانين الذين ساهموا في تشكيل وجدان ومشاعر أجيال مختلفة علامة على رحيل زمن معين والمشاعر المتدفقة حول هذا الرحيل هي المشاعر الجماعية الخاصة بتقدير هذا الفنان أو ذاك وقدرته على تكثيف أماني وإخفاقات جيل معين هكذا كان رحيل "سيد درويش " في الإسكندرية أثناء ثورة 1919 بعد أن كتب نشيدها وكان رحيل" عبد الحليم حافظ" الذى ودعنا به عصر الزهو الوطنى( عدا النهار والمغربية جت)ورحيل أم كلثوم التى بتوديعها ودعنا عدة عصور (أصبح عندي الآن بندقية) .

رحيل "زياد الرحباني" -الذى عرفته- حمل شجنآ خاصآ !إذ أنه أبن الفنانين عاصي الرحباني " والسيدة فيروز" وهذا بذاته يحمل معاني ضخمة على الصعيد الفني والثقافي فأبن أبويه لم يكن فقيرآ بل ولد في فمه ملعقة من ذهب ولكنه أختار أن يذهب وحيدآ لمعسكر الفقراء والمعدمين ليغنى ويكتب ويلحن من أجلهم فهو كان مناضلآ لم يتزعزع في الحركة اليسارية اللبنانية،وفي لبنان الذي شهد فيه حروب أهلية وطائفية وحصار بيروت من قبل الجيش الصهيوني بقى لكى يسجل بمسرحياته وأغانيه مأساة جيل مابعد النكبة وتشكل المقاومات ،كان يستطيع آن يبقى هانئآ في باريس-حيث ذهب كثيرون- ليكتب ويلحن ويغني لكنه أرتضي أن يعيش مأساة شعبه معه في بيروت التى ينخرها التعصب الطائفي ، الغزو الإسرائيلي ثم السوري و الإنتقامات المرعبة(صبرا وشاتيلا) فالاغتيالات المتبادلة بين خصوم وحلفاء شكلوا المشهد البغيض لهستيريا نهاية السبعينات!

كان وفيآ لشئ أساسي التعبير عن ذلك ضمن مشروع فني تجاوز مشروع عائلته وكان إيمانه بألحق الفلسطيني أحد روافده وهو أمر لم يكن سهلآ لفنان لبناني مناصر لقضايا ليست على الدوام شعبية في بلاده في ظروف ذلك الصراع !كانت بوصلته التى أعلنها مرارآ هي حالة "سيد درويش" وكان يسير كتفآ بكتف مع من أختاروا هذا الطريق الصعب في وقت كانت الثقافة الرسمية تحتفل بألعكس تمامآ وترفعة إلى مقامات السيطرة على وجدان الجيل الذي عاصر حصار بيروت ورحيل ماتبقى من المقاومة الفلسطينية في السُفنُ من لبنان للمنافي الجديدة .

لايمكن الآن عشية هذا الرحيل المٌر تثمين إضافات هامة لهذا المُناضل بألغناء ،في عجالة سريعة مشحونة بألفقد ..فهذا بتطلب مرور سنوات وسنوات كما كانت حالة" الشيخ سيد درويش".

هذا ليس تأبينآ للراحل الذي عرفته في الحمامات " بعد ليلة غناء بهيجة وقهوة سريعة مع السكندري "حازم شاهين" بمهرجان الحمامات الصيفي بتونس ولكن أتذكر دهشتي بسماع آراءه السياسية الشجاعة التي قالها من القلب وكنا نتجنب الحديث في الفن!الآن هناك الشعور الغريب -بينما تستمر المجزرة في غزة- بأننا نواجه إنتهاء مرحلة بمعانيها المعقدة و برحيل أحد ممثليها المخلصين والكبار ينتابني مع آخرين مشوا في جنازته وتابعوها على الميديا الإجتماعية والأخبار وهم يبكون بمرارة .. شعور غريب بألفقد !