لا رمادية ولا وسطى : إمّا أن تكون مع الاتّحاد ومع العمل النّقابيّ، وإمّا أن تكون مع السلّطة

الشعب نيوز/ بأقلام النقابيين - بالعودة إلى الأزمة الأخيرة بين السّلطة والاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل والّتي قيل حولها كلام كثير، أردت أن أوضّح بعض النّقاط الهامّة كي لا يختلط الحابل بالنّابل ويضيع العقل في واقع يتّسم بالتّزيّد والنفاق والمغالطات و يجب أن نوضح ان المواقف تبنى على ضوء تحليل علمي وعقلاني بناء على معطيات وأدلة لا على ردود أفعال متشنّجة تخاطب الغريزة فتضيع الحقيقة وسط زحام الجهل والعنتريّات الفارغة.
الحكومة هي المسؤولة
أوّلا : المسؤول عن تشغيل المعطّلين عن العمل هي الحكومة التي أغلقت باب الانتداب منذ سنوات تنفيذا لإملاءات المانحين من صناديق النهب الدولية وهي التي اختارت التشغيل الهشّ رغم رفض الاتحاد ومطالبته بتسوية أوضاع العاملين به وهو ما لا يختلف حوله عاقلان.
ثانيا : الاتّحاد، منظّمة وطنية، شارك أبناؤها وبناتها في معركة التّحرير الوطنيّ ودفعوا ضريبة الدّم باستشهاد خيرة أبنائه المؤسّسين، وساهم في بناء الدّولة. وقدّم أوّل برنامج اقتصاديّ للبلاد، وشارك أبناؤه وبناته في الثّورة وفي التّصدي للإرهاب، وهو ليس مجرّد منظّمة مهنيّة، بل له دوره الوطنيّ الذي اكتسبه بشرعيّة التّاريخ والنّضال، وهو ما أزعج كلّ الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال وجعلها تسعى لاحتوائه أو تدجينه أو السّعي للقضاء عليه.
سردية الابتزاز
ومن المهاترات الّتي تتردّد هذه الأيام عن عقد الاتحاد لندواته في النّزل يجدر بنا توضيح المسألة. إنّ الاتحاد ملك لمنخرطيه وهياكله وقواعده، والانخراط فيه طوعيّ وإراديّ لا إلزام فيه، وماليّة المنظّمة تخضع لمراقبة سنويّة من هياكل الدّولة ومراقية دوريّة من لجان المراقبة الماليّة لهياكل الاتّحاد وللمؤتمرات الجهويّة أو القطاعيّة أو الوطنيّة، ولو وجد تجاوز لما تردّدت الأجهزة الرّقابيّة على إحالته للقضاء. فكفى افتراء لأنّ هذه السردية إنّما غايتها الابتزاز والضّغط على المنظّمة لتحقيق أهداف سياسويّة.
نوازع شعبويّة غرائزيّة
ثمّ لماذا يعقد الاتّحاد ندواته في النّزل؟ أقول هو شأن داخليّ للنّقابيّين. وأتساءل هنا أين تعقد باقي المنظّمات اجتماعاتها؟ وأين تعقد الوزارات لقاءاتها؟ ومن يتحدّث عن التّقشّف، ليته يقدّم لنا المثال ويخفّض في أجور الوزراء والنّوّاب. وليقلّل من عدد السّيارات الإدارية والحرّاس وأساطيل المراسم والخدم والحشم وأصول البنزين كي لا يكون مجرّد شعارات لا تغني ولا تسمن من جوع، رغم أنّنا مع محاسبة كلّ الفاسدين، وذلك إنّما يتمّ عن طريق القضاء لا عبر محاكمات شعبيّة تغذّيها نوازع شعبويّة غرائزيّة.
تبرير، تشجيع وتحريض
ثالثا : أن يجتمع جماعة لا علاقة لهم لا من قريب ولا من بعيد بالاتّحاد، ويطالبون بحلّه وبتزكية من أنصار الرّئيس، وبتبنّ رسميّ من النّظام لتحرّكاتهم تبريرا وتشجيعا وتحريضا، وإن برّروا هذه الهجمة المسعورة متعلّلين بالمسألة الديموقراطيّة داخل المنظّمة، فما ذاك إلّا نزوع متغطرس إلى تصفية كلّ نفس حرّ يروم الذّود عن الشّغيلة ويرسّخ سلطة الاستغلال والاستبداد. وهل نصدّق أنّ قلب السلطة على الدّيموقراطيّة الداخليّة للاتّحاد؟ أَوَلَمْ يبرقوا مهنّئين بفوز المكتب التّنفيذيّ الحاليّ؟ أم إنّ الأمر يتعلّق بما هو أعمق؟ ثمّ ما علاقة الدّيموقراطيّة بغلق أبواب التّفاوض جميعا، والتّراجع عن كلّ الاتّفاقيّات ومع كلّ القطاعات؟
قميص عثمان
ألا يدلّل ذلك على أنّ السّبب الرّئيس هو الرّغبة في القضاء على العمل النّقابيّ مثلما قضى على الحياة السّياسيّة. وهنا أفتح قوسين لمن يبرّر هجمة السّلطة على المنظّمة بالمسألة الدّيموقراطيّة داخل المنظّمة : أولا، لستم وحدكم من تمسّكتم بعدم المساس بالفصل عشرين. الكثيرون تمسّكوا، ومنهم نحن، ورفعنا أصواتنا عاليا كتابة ومقاطعة للمجلس الوطنيّ والمؤتمر، وشاركنا في كلّ التّحرّكات. فلِمَ تريدون احتكار هذا الحقّ وجعله كقميص عثمان؟ نعم نحن كنّا وما زلنا ضدّ المساس بالفصل عشرين، لكنّنا نعتقد أنّ هذا تناقض ثانويّ، نخوضها داخل المنظّمة ونصارع من أجل فرض الدّيموقراطيّة داخل المنظّمة.
تناقضنا مع السّلطة
لكنّ تناقضنا كان وسيظل مع السّلطة السّياسيّة الّتي كشّرت عن أنيابها والّتي تحرّض وتغلق أبواب التّفاوض وتتراجع عن حقوق العمّال وهي تمرّ الآن إلى محاولة الإجهاز على المنظّمة كي تستطيع تمرير سياساتها اللّاشعبيّة المضادّة للطّبقة الشّغّيلة وهروبا من أزمتها المستفحلة. كما أنّ التّعلّل بإعادة النّظام السّابق الّذي واجهناه بوجوه مكشوفة طيلة العشريّة السّابقة ولم نَخْشَهُ حين كان من يدّعي اليوم ثوريّة يسبّح بحمد التّرويكا والشّاهد والغنّوشي، ويقتسمون معهم الغنائم. نحن لا نبني مواقفنا بناء على أحقاد، ولا نناصر هذا لأنّه يعادي ذاك. نحن نعارض السّلطة حين نراها تميل نحو الاستبداد، وتستغلّ العمّال. فبربّكم هل أقام النّظام الجديد دولة العمّال؟ وهل حقّق العدالة الاجتماعيّة؟ وهل حورب الفاسدون حقّا؟ لم نَرَ إلّا الفقر وهو يتمدّد كالثعبان، والأسعار وهي ترتفع في جنون. فهل يتوجّب علينا أن نطبّل للسلطة كي ترضوا عنّا؟؟!!!!!!!
في ضمير الشعب
أنصاف المواقف أخطر من المواقف المعلنة. فمن يقول انه مع المنظّمة، ثمّ يرقص فرحا لإلغاء التّفرّغ النّقابيّ، ويطالب السّلطة بإلغاء الاقتطاع، ومن يعتقد أنّه سيتمكّن بجرّة قلم من إلغاء الاتّحاد العامّ التّونسيّ للشّغل فهو واهم لم يقرإ التاريخ ولم يعرف أنّ الأزمات توحّد النّقابيّين وتزيدهم صلابة، ولا يغرّنّكم ما يحبّره بعض الحالمين بمنصب، فالاتّحاد يعيش في ضمير الشّعب التّونسيّ، والنّقابيّون لن يتركوا منظّمتهم. فمن جمّدهم عاشور، وعاقبهم، وحاصرهم هم من فتحوا صدورهم لمواجهة رصاص السّلطة دفاعا عن الاتّحاد.
ففي قلب المعركة الّتي هي معركة وجود المنظّمة لا وقت للتّفكير في الخلافات الداخليّة وصراعاتنا الّتي سنواصل خوضها دائما وأبدا، فتاريخ الاتّحاد لم يخلُ من الصّراعات، أمّا الآن فلا توجد منطقة رماديّة أو وسطى : فإمّا أن تكون مع الاتّحاد ومع العمل النّقابيّ، وإمّا أن تكون مع السلّطة.
حاتم هاني أبو رنا هاني