آراء حرة

عندما يضع الجغرافيون أقدامهم في أحذية ليست لهم

الشعب نيوز/ رأي - بعد استراحة قصيرة، عاد صديقنا الاستاذ إلياس بلاغة للكتابة في شأن نراه مهما وهو التخطيط المكاني  حيث يحاول رسم خط متواز بين بين ما يتطلبه لزوم مايلزم وبين ما يمارسه سياسيون غير أكفاء.

المقدمة 

في تونس، الإبداع والتخطيط المكاني يسكنان عوالم متباعدة. لا يوجد سياسي – وأقسم بذلك – قادر على ترتيب أراضي البلاد بذكاء أو رؤية مستقبلية. ومع ذلك، يدعي هؤلاء إدارة شؤون الوطن، كما لو سلّمنا لمراهق مهمة ترتيب غرفة فوضوية: لا هو قادر على الحكم، ولا السياسي التونسي قادر على التفكير بعيد المدى.

المتن

السياسيون- المراهقون يتعاملون مع الواقع بالإجراءات العشوائية بدل المشاريع، يتنقلون بين القرارات المباشرة بلا تخطيط، ويعيشون اللحظة بدل النظر إلى الغد. الإبداع، الذي يخلق مدنًا نابضة وحياة حضرية ذكية، محصور في أدمغة قليلة، غالبًا ما تُطرد من النظام الذي يفضل الرداءة على الابتكار.

في هذا البلد الجميل، مجرد التظاهر بالإبداع يكلفك غالياً: إما أن تصبح مادة للسخرية، أو تُلقى في عزلة مُهينة. الجغرافيون، المفترض أن يرسموا خارطة الطريق، يرتدون أحذية ليست لهم: خرائط جامدة، نماذج قديمة، لغة معقدة لا يفهمها أحد. النتيجة: يفقد البلد بعده الإبداعي الضروري، وتظل سياساته المكانيّة عاجزة عن مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.

تخيلوا بلدًا مُنظّمًا: سيكون أكثر قدرة على الإدارة والفهم والكفاءة. لكن – هناك دائمًا لكن – الأشرار، وهم كثر، يجدون مجالهم في الفوضى والصخب. المضاربون والفاسدون يسبحون في مستنقع فساد، بينما يتحول السياسيون المتنفّعون إلى ستار يحمي هؤلاء الطامعين الحقيرين.

الجمع بين مهندسين معماريين معدومي الأفكار والوسائل، وإدارة عاجزة – لا تتعلم من الأمس ولا ترى الغد – يجعل الأراضي أعمى، معرضة للفوضى، وعاجزة عن تلبية حاجات المجتمع الحقيقية.

الفساد، العمل المرتجل، والرغبة في التحكم منفردًا أو إحاطة النفس بالأكثر رداءة لتحقيق عقد النفس يكشف غياب ثقافة جمهورية حقيقية.  نعيش في بلد يمكن فيه لمشرف مجموعة على فيسبوك أن يظن نفسه مكلفًا بمهمة رسمية، بينما يصفق النظام كله!

أما السياسة المعلنة كـ«إقليمية»؟ كيف يمكنها أن تكون عادلة أو فعالة في هذه الجلبة؟ السؤال الذي لم يجرؤ هاملت على إنهائه: «أن تكون أو لا تكون»؛ هنا نعيد صياغته: «أن نطوّر أو أن نتوقف»؟

وأمنية صافية: إعادة الجغرافيين إلى موقعهم الصحيح، تثقيف المسؤولين العنيدين، وإعادة تشغيل المهندسين والمخططين على الطريق الصحيح تبدو وكأنها معجزة… أو ثورة شاملة ضد الرداءة والحقارة.

الخاتمة

التخطيط المكاني ليس لعبة جمالية أو رفاهية فكرية. إنه أداة للتماسك الاجتماعي، والذكاء الحضري، والتنمية المستدامة. طالما ظل سياسيونا يتصرفون كمراهقين يبحثون عن أشيائهم في غرفة فوضوية، وخبراؤنا يمشون في أحذية ليست لهم، ستظل تونس عمياء عن مستقبلها. حان الوقت لفتح أبواب الإبداع والتخطيط، لكي تتنفس أراضينا وتعبّر عن مجتمعنا بصدق وحيوية، بعيدًا عن الغرور والوساطة والفساد.

* الصورة المرافقة للشرح والتبيين فقط.