جورج عدة عنوان النضال المستمر ضد الاستعمار والاستيطان والاستغلال والاستغلال

الشعب نيوز/ أسامة الراعي* - من مواليد هذا اليوم 22 سبتمبر من سنة : 1916 - جورج عدّة، مناضل نقابي وسياسي تونسي - توفي في 28 سبتمبر 2008، (92 سنة). فمن هو جورج عدة؟
- ولد بحي سيدي البحري المجاور لحي «الترُنجَة» الذي كان يُعتبر يومئذ القلب النابض للعمل السياسي والنقابي بتونس العاصمة، الأمر الذي جعله ينخرط منذ شبابه الأول الى جانب أصدقائه «المْطاوَه» في تحركات وطنية لمناهضة الاستعمار في صلب «الحزب الشيوعي التونسي» والتصدي من جهة أخرى للدعايات الصهيو*نية التي كانت تستهدف يهو*د تونس يومئذ.
- وقد كلّفه هذا الحِسّ الوطني الإقصاء عن متابعة تعلمه بالمعهد العلوي حيث تم إيقافه ومحاكمته سنة 1930 صحبة مجموعة من زعماء الحركة الوطنية.
قضية مركزية
- كانت قضية النضال ضد الاستعمار في جبهة مع الحزب الحر الدستوري التونسي قضية مركزية في توجّهه السياسي، فقد حمله ذلك على التباين مع حزبه الذي ركّز في الثلاثينات برنامجه السياسي على مقاومة الفا*شية، وتعمّق هذا التباين بصفة واضحة سنة 1937 عندما قرّر الدستوريّون شن إضراب تضامني مع "حزب الشعب الجزائري" جراء ما تعرض له من قمع، واصطدمت إرادة جورج مع توجه رفاقه في الحزب الشيوعي التونسي، وتم طرده من الحزب سنة 1938.
- لقد دفعه انتصاره لقيم الحرية وسيادة الشعب ومقاومة الأنظمة الكليانية الى الالتحاق من فرنسا بصفوف الأولوية الدولية لمقاومة الفا*شية بإسبانيا، وتم القبض عليه وهو يستعد للسفر إليها وتمت إعادته الى تونس في إقامة جبرية بزغوان، ولكنه تسلل منها عبر الشمال التونسي الى الجزائر فلم يعد الى وطنه إلا بعد جلاء قوات المحور عنها سنة 1943.
- وبعد نهاية الحرب العالمية الثانية بانهزام النا*زية والفا*شية، أصبحت المسألة الوطنية في مقدمة اهتمامات الحزب الشيوعي التونسي، وعاد جورج من جديد الى توظيف تجربته السياسية والمهنية في تنظيم إدارة الحزب الشيوعي وجريدته، واستمر ذلك الى حد ايقافه سنة 1952 ضمن مجموعة من الوطنيين ستة منهم دستوريون وستة شيوعيون حيث تم سجنهم برمادة وبنقردان، ثم بسجن 9 أفريل بتونس، وهناك توثقت الصلة بينه وبين الزعيم النقابي أحمد التليلي ورفاقه من النقابيين.
تحمس لتأسيس الرابطة
- ولم تصرفه طيلة حياته، عنايته بعائلته وبعمله باعتباره خبيرا في تنظيم المؤسسة عن الاعتناء اللّصيق بالشأن العام وبما يخدم حق المواطن التونسي في الحرية والعدل الاجتماعي، فكان من المناصرين المتحمسين لتأسيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان" وقيامه بالواجب الذي يمليه عليه ضميره مهما كانت الظروف والملابسات، إذ لم يغب إطلاقا عن تظاهرات المنظمة ومحطات احتفالها بذكرى التأسيس رغم تقدم العمر... إنه الالتزام الذي لا يعرف حدودا حينما يتعلق الأمر بالمبادئ الانسانية وقيم التقدم والعدالة الاجتماعية.
- وظّف هذا الالتزامَ في خدمة الشغالين ومتابعة أوضاعهم عن كثب، فقد كان حريصا على متابعة المطالب التي رفعتها نقابة التعليم الثانوي الى وزارة الاشراف والتي انتهت إلى اعلان إضراب 28 جانفي 1975 بسبب رفض الوزارة طلب إرجاع الأساتذة الذين صدرت في شأنهم أحكام بسبب انتماءاتهم السياسية الى سالف عملهم، ضمن مبدإ «حق ضمان الشغل» وكان أيضا يتابع باهتمام شديد تحركات نقابات التعليم في بداية الثمانينيات حينما طرحت النهوض بالأوضاع المادية لمنظوريها تحت شعار "التنظير".
- لقد كان الخيط الفاصل عنده بين المطلب المهني والمسألة الحقوقية خيطا رفيعا ما دامت التحركات المهنية سبيل الشغالين الى مقاومة الحيف والتعبير المنظم عن حقهم في التموقع الاجتماعي.
مختص في الضمان الاجتماعي
- لقد كان جورج مُلِمّا بمنظومة الحماية الاجتماعية يتابع بعين متفحصة التقارير السنوية الصادرة عن ادارة الضمان الاجتماعي، وكل القوانين التي تصدر بالرائد الرسمي في الغرض، بل ذهب به حبه للتدقيق الى تتبّع نفس النص في الصيغة التي صدر بها في الرائد الرسمي باللسانين العربي والفرنسي، فضلا عن إلمامه بالفقه المقارن في مجال الحماية الاجتماعية.
- كان يحرص على وضع هذه التجربة على ذمّة الاتحاد العام التونسي للشغل، داعيا النقابيين الى ضرورة الاهتمام بهذا الجانب، واضعا مسألة الحفاظ على المكاسب في هذا الشأن وتطويرها أمانة في عنق الشغالين.
- صدرت له عدّة إسهامات في هذا الغرض بجريدة "الشعب"، وقد كان جورج يؤدي هذا العمل تطوّعا، حيث كان يتعفّف عن تسلّم المكافآت التي تُرصَد له كبقية الخبراء في ميزانية الندوات التي يُدعى الى إلقاء مداخلة فيها، وكان يطلب تحويلها الى صندوق التضامن النقابي.
- قدّم عدة دراسات لبيان تدهور المقدرة الشرائية جراء الغبن غير المنظور الناجم عن احتساب الأجور بالدينار الجاري، داعيا الى ضرورة تحيينها على ضوء الدينار القارّ إنصافا للأُجَراء وحفاظاً على مقدرتهم الشرائية.
فاضح للصهيونية
- ومن موقع التصدي للظلم والعدوان كتب عديد المقالات في جريدة "لومند" الفرنسية مشهِّرا باغتصاب أرض فلسطين داعيا الى زوال هذا الاستعمار وفاضحا طبيعة الصهيو*نية بل منخرطا بصفة نشيطة في حركة عالمية للغرض تضمّ عديد المفكرين الأوروبيين.
- عرف جورج عدّة، وهو أحد زعماء الحزب الشيوعي التونسي كما ذكرت في البداية، تعسّف السلطات الاستعمارية الفرنسية والسجون ومعسكرات الاعتقال حيث التقى بمعية رفاقه في قيادة حزبه، مع بورقيبة وقيادات الحزب الدستوري في برج لوباف وقبلي... ولكنه واجه أيضا تعسف الرئيس بورقيبة، ومع ذلك لم يحتمل رؤية هذا الزعيم الوطني الذي ضحّى من أجل تحرير وطنه، يُهان ويُجرّد من حريته وهو في خريف العمر... وتكلم جورج عدّة، عندما فضّل غيره الصمت إيثارا للسلامة وبعث برسالة إلى زين العابدين بن علي يناشده اطلاق سراحه.
- محمود بن رمضان الأستاذ الجامعي ووزير الشؤون الاجتماعية السابق الذي كانت تجمعه بجورج علاقة مهنية وشخصية منذ 1974 : “عندما تكون بمحضر جورج تكون بمحضر صورة حيّة عن تاريخ تونس منذ الثلاثينات. لأنّه عاشَ كل هذه المراحل.. ونظرته نظرة حية قريبة من الواقع ولم يسقط في القوالب التي سقط فيها الشيوعيون والدستوريون".
دفاعا عن بورقيبة
- كتب جورج عدة رسالة شهيرة وجهها للرئيس بن علي حول وضعية الرئيس الحبيب بورقيبة فيما يلي نصها:
تونس في 4 نوفمبر 1997
السيد الرئيس زين العابدين بن علي
سيدي الرئيس
لأنني متأكد من أنكم ستتقبلون عن طيب خاطر أن يطرح عليكم مباشرة مواطن عادي مثلي مسألة تشغل باله، أسمح لنفسي بأن أتوجه إليكم برسالتي.
أتوجه إليكم، بعد طول تردّد، لأنني مهتم بكل ما قد ينال من سمعة بلدنا الذي نتعلق به ونضعه فوق كل شيء وفوق الجميع.
وكي أدخل مباشرة، دون لف ولا دوران، في الموضوع الذي يشغل بالي كل يوم أكثر، أرجوكم سيدي الرئيس أن تعيدوا الحرية الكاملة والتامة في التنقل واستقبال الزوار لذاك الذي قاد شعبنا إلى الاستقلال الوطني، والذي كان طوال ثلاثين سنة أول رئيس لجمهوريتنا لمن أمضى بين سنتي 1934 و1955، عشر سنوات من حياته في السجن ومعسكر الاعتقال والمنفى، والذي يعيش حاليا، في هذه السنوات الأخيرة وهو على مشارف المائة سنة من العمر محروما من الحرية في تونس المستقلة، عقب تقلبات سياسية، يتحمل هو بالتأكيد مسؤولية كبيرة فيها.
أنتم تعلمون سيدي الرئيس أنني لم أنتمِ مطلقًا إلى حزب بوقيبة ولم أتمتع بكرمه ولم أسع إلى ذلك قطّ، بل انه عمد ظلما إلى حظر حزبي في جانفي 1963 وجعلني أقف على امتداد عدة أشهر امام حاكم التحقيق وكذلك كان الشأن بالنسبة الى العديد من قادة حزبي ومناضليه والفقيد طيب الذكر الدكتور سليمان بن سليمان.
ومنذ أواخر السبعينات، كنت أتمنى له رحيلا يحفظ كرامته وتقاعدا جديرا به يصحبه إرساء حرية كاملة وملموسة وديمقراطية حقيقية ودائما في بلدنا كان ينبغي ان يرحل مكرّما تاركا وراءه رغم أخطائه الكبيرة وبداية انحراف سلطته، صورة رجل دولة عظيم.
إنني أشعر الآن بالأسى لمّا أرى في بلدي واحدا من رفاقي القدامى في معسكر الاعتقال وقد غدا أكبر مسنّ محروم من حريته في العالم، ويحزنني أن أرى من كان زعيما كبيرا لا يعيش حرّا في تونس أو في ضواحيها، قرب أسرته وبين أحفاده وأبناء أحفاده.. أرجوكم سيدي الرئيس أن تعيدوا للحبيب بورقيبة حريته التامة والكاملة وهكذا سوف تقدمون خدمة جليلة لتونس التي سوف لن تتميز عندئذ بأنها البلد الذي يعيش فيه أكبر المحرومين من حريتهم سنّا.
وإنني لمقتنع سيدي الرئيس بانكم سوف تتفهمون دافعي المزدوج : طموحي إلى رؤية بلدي دون شائبة أو لائمة، من ناحية وأداء واجب التضامن مع ذاك الذي لا يمكن الاستنقاص من قيمته والذي اقتسمت معه (ڨاميلة) مساجين المحتل الأجنبي من جهة أخرى.
إنني مقتنع بانكم سوف تستجيبون لي أنا الرجل الذي يُنهي مشواره ويقترب من النهاية شاكرا إياكم بحرارة وإخلاص.
أرجو أن تتقبلوا، سيدي الرئيس فائق عبارات التقدير.
* جورج عدّة (نقلها إلى العربية محمد معالي).
* أسامة الراعي منقول من صفحته الشهيرة "حتى لا ننسى "