"التربية والتعليم" حق التلميذ المقدس وواجب الدولة المقدس

الشعب نيوز/ وسائط - على إثر حادثة معهد بوذينة بالحمّامات كتب الأستاذ عادل حدّاد متفقد متقاعد: المؤسسة التربوية معنية أولا وقبل كل شيء بتحقيق غايتها القصوى: تأمين تربية التلميذ وتمكينه من حقه في "تعليم ذي جودة عالية".
لذلك يعود على الدولة واحب توفير قاعات كافية وآمنة وحسنة التجهيز وقاعات اختصاص ومخابر مجهزة وفضاءات بيداغوجية وإدارية لائقة وقاعة مراجعة ومكتبات عصرية وقاعات للأنشطة الثقافية والعروض وقاعة رياضة متعددة الاختصاصات وملاعب رياضة ومسالك وفضاءات خاصة بذوي الاحتياجات الخصوصية ومركبات صحية ومطعم وقاعة أكل ومصحة صغيرة للطوارئ وأسوار تحميها والكهرباء والغاز والماء الصالح للشراب والانترنبت والدولة ملزمة بصيانة كل هذه البنية التحتية والتدخل وقت اللزوم لإصلاح أي عطب يصيبها.
وتحتاج الدولة في ذلك إلى توفير الموارد البشرية الكافية والقادرة على أداء وظائفها بإتقان وإلى موارد مادية ضخمة وكافية.
في المدرسة الحق المقدس الوحيد هو التعليم تماما كالعلاج حق المستشفى المقدس وسلامة الركاب حق الحافلة والطائرة المقدس والصلاة حق المسجد المقدس.
هذا من حيث المبدأ... أما من حيث الواقع فلا التلميذ نال حقه في تعليم جيد ولا الدولة قامت بواجبها في تأمين هذا الحق بالشروط الذي ذكرناها.
كلنا نعرف حال مدارسنا وما آل إليه وضعها وحجم الصعوبات التي تعيشها.. بنية تحتية مهترئة لمؤسسات هشة مات تحت جدرانها بعض أبنائنا وبعضهم الآخر اضطرهم الظرف إلى الدراسة في العراء دون خيمة تأويهم وتحميهم من حرارة الطقس وأشعة الشمس هذا زيادة على التفاوت بين الجهات وداخل الجهة الواحدة مما أدى إلى تحصيل هزيل نتائج ضعيفة ومستوى متردي وتفاقم ظاهرة تعليم لانظامي مكلف ينتشر خارج المدرسة في البيوت والمستوعات والدكاكين.
ويؤسفني أن تهب "نخبة" من المحامين لا لحل هذه الأزمة التي تعصف بالمدرسة العمومية التونسية والدفاع عن حق دستوري متأكد "حق التلميذ في تعليم جيد". كنت سأكون سعيدا لو هبوا من أجل صيانة البنايات ومقاومة التسرب المدرسي وفهم الظواهر المشينة لكنهم هبوا للدفاع بشراسة عن حق اخر لا صلة له بالمدرسة وهو "حق التلميذ في مصلى يمارس فيه شعائره الدينية في مواعيدها".
لقد نبهت في تدوينة سابقة إلى إمكانية المرور بسرعة من مطلب "صلاة التلاميذ داخل المؤسسة" إلى مطلب " أسلمة المؤسسة" واستثمار تحركات التلاميذ. في هذا الاتجاه وما حذرت منه حصل للأسف.
يخبرني حدسي أن ما حصل إنما حصل بتدبير لكن الحدوسات وإن تأسست على خبرة وتمرس لا تقوم من الحقيقة مقام الحجج والبراهين.. لا أستطيع أن أقطع بناء على تلك الحدوسات بأن هذه الجهة السياسية أو تلك قد رتبت الأمور ودفعت التلاميذ إلى التحرك بهذا الشكل الاستعراضي... تخبرني حدوساتي أن الأمر لا يمكن أن يكون عفويا وتلقائيا وبلا ترتيب سابق. لكن بعد صدور إعلان المحامين وغيرها من التدوينات أخبرني عقلي أن كل ما سيحصل بداية من الآن إنما سيحصل بتدبير وترتيب.. إن هذا الإعلان تحريض قاطع وصريح للتلاميذ على مواصلة التحرك وتوسيعه ليشمل كل المؤسسات أو أغلبها وقد أصبح وراءهم قلة من "كبار المحامين" مستعدة لحمايتهم والدفاع عنهم وحتى إرشادهم إن اقتضى الأمر (كما ورد في مهام اللجنة في الإعلان). إنها دعوة صريحة "لغزوات دينية" تستهدف "المعاهد والكليات" وأنا على يقين من قدرتهم على ضخ الأموال الكافية لبناء مصلى في كل مؤسسة رغم عجزهم الكامل (بمعنى عدم الرغبة) على الإسهام في ترميم جدار يهدد أرواح أبنائنا لأن غرض هذا التحريض الأول ليس الرقي بالمدرسة بل تدميره وليس حفظ هذا الجيل من كل سوء بل تدجينه وليس تمكينه من فرص حقيقية للتمرس على الحرية والإبداع بل ترويضه على الخضوع والاتباع.
أن هذا التوجه بتأبط شرا للتعليم ويتربص بالمدرسة وهو بذلك يقدم خدمة للإسلاميين بتمكينهم من فضاءات يربون فيها الناشئة على أفكارهم ومشاريعهم ويشكلون فيها أذهان من سيبقى في المدرسة من أبناء الفئات الضعيفة والهشة ويقدم، في ذات الوقت، خدمة للتعليم الخاص ليحتضن أبناء الفئات الغنية والميسورة القادرة على تحمل أعباء تعليم باهض الثمن. إنه مشروع تفقير ذهني وتفقير مؤسسات المجتمع العضوية. إن مثل هذا الهرج سيدفع الأولياء دفعا إلى التسريع بتهجير أبنائهم من العام إلى الخاص.
على كل القوى التي يعنيها مصير هذا الجيل ويعنيها مصير هذا الوطن أن تتحمل مسؤولياتها وتقف في وجه هذا التيار الجارف الذي سيأتي على ما بقي من خير في منظومة التعليم العمومي في بلادنا والتي أنهكتها السياسات السابقة وأغرقتها في متاهات.
على مؤسسات الدولة أن نقوم بواجباتها حتى يكون التعليم بالجودة العالية المطلوبة حق التلميذ المقدس.