نقابي

الانتقال العادل والتحولات الجيوسياسية : حقّ الإضراب و إتفاقية 87 في ميزان القانون الدولي

الشعب نيوز / ضياء تقتق - تواصلت أشغال الندوة الوطنية لقسم العلاقات العربية والدولية  في يومها الثاني من خلال جلسةٌ صباحية محورية خُصّصت لموضوع الانتقال العادل والتحولات الجيوسياسية من زاوية قانونية ونقابية، تحت عنوان: «حق الإضراب واتفاقية العمل الدولية عدد 87: تحليل الاستشارة المقدّمة إلى محكمة العدل الدولية».

وقد أدارت الجلسة الأخت هادية العرفاوي، التي قدّمت السياق العام للنقاش باعتباره يتجاوز حدود الجدل القانوني إلى رهانات سياسية واجتماعية عالمية: كيف يمكن حماية الحق النقابي في زمن تتسارع فيه التحولات الدولية، وتُستعمل فيه الأزمات الاقتصادية والبيئية كذرائع لتضييق المجال العام وإضعاف الحركة الاجتماعية ؟

لوك تريانقل: الإضراب خط الدفاع الأخير عن كرامة العمل

استُهلّت الجلسة بمداخلة افتتاحية للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات لوك تريانقل، قدّم خلالها تشخيصًا صارمًا لوضع حقوق العمال عالميًا، ودافع بقوة عن مركزية الحق في الإضراب باعتباره أحد أعمدة الحرية النقابية والديمقراطية الاجتماعية.

وفي مستهل كلمته، توجّه بالشكر إلى قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وقسم العلاقات العربية والدولية على الدعوة، مثمّنًا تخصيص ندوة وطنية للحق في الإضراب والاتفاقية عدد 87 لمنظمة العمل الدولية، ومؤكدًا أنّ النقاش ينعقد في لحظة دولية دقيقة تتعرّض فيها حقوق العمال لضغوط غير مسبوقة.

واستند تريانقل إلى مؤشر الحقوق العالمي الصادر في جوان 2025 ليؤكد أنّ العالم يواجه أزمة متفاقمة في مجال الحقوق الأساسية للعمل، مقدّمًا أرقامًا “صادمة”: الحق في الإضراب يُنتهك في 87% من بلدان العالم، والمفاوضة الجماعية مقيّدة في 80% منها، فيما يُحرم العمال من النفاذ الفعلي إلى العدالة في ثلاثة أرباع الدول.

وأضاف أنّ أوروبا والأمريكيتين سجّلتا أسوأ نتائجهما منذ إطلاق المؤشر، بينما تظلّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من أكثر المناطق قمعًا للعمال، مع تضييق متزايد على الفضاء المدني واستهداف مباشر للنقابات.

وشدّد الأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات على أنّ الإضراب ليس خيارًا اعتباطيًا، بل أداة جماعية أخيرة يلجأ إليها العمال عندما يُغلق باب الحوار الاجتماعي أو تُعطَّل المفاوضة عمدًا.

واعتبر أنّ الحق في الإضراب يمكّن العمال من إعادة التوازن إلى علاقات قوى غير متكافئة والدفاع عن كرامتهم، قبل أن يختزل الفكرة بعبارة لافتة: «من دون الحق في الإضراب نتحوّل إلى نمر بلا مخالب». كما توقف عند الجدل القانوني داخل منظمة العمل الدولية حول الاتفاقية 87، مذكّرًا بأنّ هيئات الرقابة دأبت لعقود على اعتبارها حامية للحق في الإضراب قبل أن يُطعن في هذا التفسير سنة 2012 من قبل مجموعة أصحاب العمل. وبيّن أنّ مجلس إدارة المنظمة قرّر في نوفمبر 2023 إحالة المسألة إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري، وأن جلسات الاستماع العلنية في أكتوبر 2025 أظهرت دعمًا واسعًا لحماية الإضراب، في انتظار رأي يُرتقب مطلع 2026 قد يحدّد ملامح المرحلة المقبلة.

توماس ليبي: التضامن لا يُلغي مؤشرات التضييق

في كلمة تداخل فيها التضامن بالتحذير، عبّر الرفيق توماس ليبي، الخبير القانوني لدى منظمة العمل الدولية، عن دعمه للاتحاد العام التونسي للشغل، متوقفًا عند الصعوبات اللوجستية والسياسية التي واجهت تنظيم أنشطتهم في تونس.

وأوضح أنّ قرار عدم تنظيم «مدرسة رأس السنة» (New Year School) في تونس جاء إثر رفض التأشيرات ومنع الدخول، وهو ما حوّل حدثًا نقابيًا كان يُفترض أن يُعقد في تونس إلى مؤشر جديد على تقلّص الفضاء المتاح للتبادل النقابي الدولي.

ورغم ذلك، وجّه الشكر إلى الاتحاد العام التونسي للشغل على مبادرته واستعداده، مؤكدًا أنّ مراسلات ستُوجّه إلى المدعوين لإعلامهم بالمكان الجديد قبل نهاية السنة.

جويل أوديج: معركة تونس تحتاج “وقائع موثّقة” وآليات ضغط

أما مداخلة الرفيق جويل أوديج، الأمين العام المساعد بالاتحاد الدولي للنقابات – إفريقيا، فقد حملت طابعًا عمليًا واستراتيجيًا.

دعا إلى تعزيز التواصل مع القواعد عبر منصات موثوقة وبصفة منتظمة، معتبرًا أنّ الوعي بالمواقف النقابية شرط تعبئة أقوى.

كما شدّد على ضرورة توسيع إطار المطالب وتقديمها كقضايا مجتمع لا كملفات مهنية ضيقة، بما يسمح بتعبئة المجتمع بأسره لا المنخرطين فقط.

وفي البعد الدولي، حثّ أوديج الاتحاد على مواصلة تقديم التقارير إلى آليات منظمة العمل الدولية، وعلى تفعيل مسارات أخرى على مستوى الاتحاد الإفريقي واللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وأعلن عن إطلاق حملة خاصة بتونس لحماية حقوق العمال، مؤكّدًا أن إعادة إدراج تونس ضمن قائمة الحالات ذات الأولوية يتطلّب “وقائع موثّقة” في مواجهة عرقلة متكررة من طرف منظمات الأعراف.

هادية العرفاوي: أسئلة “لاهاي” وحدود الإلزام

في تنشيطها للجلسة، توجّهت هادية العرفاوي بالشكر إلى جويل وقدّمت الخبير القانوني بابا كواسي دانكي، المدير القانوني للحريات النقابية بالاتحاد الدولي للنقابات، الذي تابع الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية.

وطرحت أسئلة دقيقة حول أبرز الحجج التي برزت في جلسات الاستماع، وحول وجود توجه دولي يعتبر الحق في الإضراب جزءًا من الاتفاقية 87، إضافة إلى سؤال مركزي بشأن التحفظات وحدود الإلزام العملي للرأي الاستشاري وانعكاساته على التشريعات الوطنية والممارسات النقابية.

بابا دانكي: الأغلبية الساحقة مع رؤية العمال

من أكرا، أوضح بابا دانكي أنّ أرباب العمل في لاهاي يتمسكون بحجة غياب التنصيص الصريح على الإضراب داخل الاتفاقية 87، ويطعنون في الأعمال التحضيرية وفي تفسير لجنة خبراء منظمة العمل الدولية لنطاق الاتفاقية.

غير أنه شدّد على أنّ المرافعات الكتابية والشفوية أثبتت أنّ الأغلبية الساحقة من الدول تتفق مع رؤية العمال، ما يجعل من هذا الملف محطة مفصلية لمستقبل الحرية النقابية ومعايير العمل الدولية.

وسيم الريفي وعبد السلام النصيري: قراءة عربية تونسية للمعيار الدولي

وفي إطار توسيع الزاوية، قدّم وسيم الريفي، مسؤول المنطقة العربية لحقوق الإنسان والحريات النقابية بالاتحاد الدولي للنقابات، فقرةً مركّزة حول القيمة الاستراتيجية للاتفاقيات الدولية كـ“سند عابر للحدود” يتيح للنقابات مواجهة القيود الوطنية واللجوء إلى آليات رقابة وضغط دولية.

أما الأستاذ والخبير القانوني بالاتحاد العام التونسي للشغل عبد السلام النصيري، فقد قدّم قراءة تاريخية وقانونية للاتفاقية 87، مبينًا أنّها نص مؤسس للحرية النقابية، وأن الجدل حول الإضراب يمكن فهمه عبر فرضيتين متكاملتين: إدراج الحق في الإضراب داخل الاتفاقية يعزّز الحريات النقابية، وتخصيصه بنص مستقل لا يحد منها بل يدعمها، لأن الحريات النقابية تقوم على المفاوضة الجماعية كضمانة للحقوق، وعلى الإضراب كوسيلة ضغط تكفل جدية التفاوض.

نقاشات: من “التسخير” إلى المنصات الرقمية

وأغنت النقاشات اللاحقة الجلسة بسلسلة من المداخلات التي لامست الواقع النقابي اليومي: من نجلة الدويري عضوة المكتب الوطني للمرأة العاملة التي شددت على جدلية النضال والقانون وخطر تجريم الحقوق الدستورية، إلى توفيق الذهبي النقابي بقطاع مستشاري التوجيه الجامعي والبيداغوجي الذي حذّر من “نزع الديمقراطية” عالميًا وسأل عن أثر رأي سلبي محتمل للمحكمة، وصولًا إلى من ندّد بالتسخير لكسر الإضرابات، و من ربط الإضراب بتحديات الانتقال الرقمي والمنصات، مع أصوات أخرى من التعليم والصحة والبنوك طالبت بتوازن بين الحق في الإضراب وضمان الخدمات الحيوية.

وهكذا اختُتمت الجلسة الصباحية على خلاصة واضحة: إن معركة الحق في الإضراب ليست ملفًا تقنيًا، بل رهان ديمقراطي في زمن الانتقال العادل والتحولات الجيوسياسية، حيث لا عدالة اجتماعية دون حرية نقابية، ولا مفاوضة جماعية دون “صمّام أمان” يُسمّى الإضراب.

تابعوا اخباركم و صوركم عبر الرابط التالي : https://https://tinyurl.com/achaab-naqaby