الذكاء الاصطناعي والتغيرات المناخية : حلّ تقني أم عبء بيئي و إجتماعي جديد ؟

الشعب نيوز / ضياء تقتق - تواصلت صباح اليوم الثاني من أشغال الندوة، أشغال الجلسة الثانية من الحصة الصباحية، التي خُصّصت لموضوع مركزي وراهن حمل عنوانًا إشكاليًا: «هل يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي حلًّا للآثار السلبية للتغيرات المناخية أم أنه قد يشكّل عبئًا إضافيًا؟»، وذلك في جلسة جمعت مقاربات علمية وتقنية ونقابية، وأدارت نقاشاتها الإعلامية خولة الكعبي.
ولم يُطرح الذكاء الاصطناعي في هذه الجلسة بوصفه مجرّد أداة تكنولوجية محايدة، بل كخيار مجتمعي وسياسي له كلفة بيئية واجتماعية، ويستدعي مساءلة جدّية حول من يستفيد منه، ومن يدفع ثمنه، وفي أي سياق اقتصادي وتنموي.
التغيرات المناخية واقع ضاغط… والتكنولوجيا ليست حلًا سحريًا
في مداخلته، أكّد الخبير البيئي خميس الزياني أن التغيرات المناخية أصبحت واقعًا يوميًا يهدّد الأمن الغذائي والمائي والطاقي، خاصة في بلدان الجنوب، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في التوقّع المناخي، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، ودعم الزراعة الذكية.
غير أنّه حذّر من الانزلاق نحو تقديم التكنولوجيا كحلّ جاهز، في ظل كلفة بيئية مرتفعة للبنية التحتية الرقمية، من مراكز بيانات واستهلاك مكثّف للطاقة والمياه، ما قد يعمّق الأزمة بدل معالجتها.
بين الإمكانات العلمية واختلالات المنظومة العالمية
من جهته، شدّد إلياس بن عمار على أن الذكاء الاصطناعي يفتح آفاقًا واسعة لتحليل المعطيات المناخية والتنبؤ بالكوارث، لكنه في المقابل يطرح إشكالًا حقيقيًا يتعلق بعدم تكافؤ الفرص بين الدول.
وبيّن أن دولًا قليلة تحتكر التكنولوجيا والمعطيات والبنية التحتية، في حين تتحوّل بقية الدول إلى مجرّد مستهلكة، ما يطرح مسألة السيادة الرقمية والعدالة المناخية في آن واحد.
الذكاء الاصطناعي والعمل: ضرورة إدماج الحوار الاجتماعي
بدوره، أكّد الاستاذ نعمان السلايمي أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساهم في تحسين ظروف العمل والتقليل من المخاطر المهنية، لكنه قد يتحوّل في غياب الضوابط إلى أداة إقصاء جديدة.
واعتبر أن الرهان الأساسي يكمن في ربط التحول الرقمي بالحوار الاجتماعي، وضمان دور المنظمات النقابية في صياغة السياسات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي والتغيرات المناخية.
الكلفة البيئية الخفية للتقدم الرقمي
أما الأستاذ منصف بن صميدة، فقد ركّز على البعد الأقل تداولًا في النقاش العمومي، والمتعلق بالبصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي.
وأشار إلى أن مراكز البيانات العملاقة تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء والمياه، داعيًا إلى عدم الفصل بين التحول الرقمي والانتقال البيئي، وإلى ضرورة إخضاع السياسات الرقمية لمعايير بيئية صارمة، حتى لا تتحوّل التكنولوجيا إلى عامل استنزاف جديد للموارد.
من الحل التقني إلى القرار السياسي
وفي مداخلة تقنية، أوضح الخبير ياسين حشايشي أن قياس البصمة الكربونية للذكاء الاصطناعي أصبح ممكنًا، وأن المعطيات الدولية تؤكد تصاعد استهلاك الطاقة المرتبط بهذه التقنيات.
وبيّن أن الحلول التقنية موجودة، من خوارزميات أقل استهلاكًا للطاقة إلى تحسين أنظمة التبريد، لكن الإشكال الحقيقي يظل سياسيًا وتنظيميًا، مرتبطًا بقدرة الدول على فرض ضوابط بيئية على الشركات التكنولوجية الكبرى.
البعد الاجتماعي: من يتحمّل كلفة التحولات؟
من جانبه، شدّد الأستاذ أحمد الذويبي منسق قسم العلاقات العربية والدولية بالاتحاد المختص في التصرف في البيانات، على أن النقاش حول الذكاء الاصطناعي لا يمكن فصله عن العدالة الاجتماعية.
فالعمال، خاصة في القطاعات الهشّة والفلاحية، هم أول من يتضرر من التغيرات المناخية، وقد يكونون أيضًا أول من يدفع ثمن التحولات التكنولوجية إذا لم تُرفق بسياسات حماية اجتماعية، وتكوين، وإعادة تأهيل مهني.
أسئلة العدالة والسيادة والبدائل
وقد فتح النقاش المجال أمام جملة من التساؤلات النقدية، ركّزت أساسًا على الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب، وحول قدرة الدول النامية، ومنها تونس، على مواكبة هذا التحول دون الارتهان للشركات الكبرى.
كما طُرحت أسئلة تتعلّق بحماية المعطيات الشخصية، وبمستقبل العمل في ظل الأتمتة، وبمدى جاهزية الإطار التشريعي لمرافقة هذه التحولات.
وشدّد عدد من المتدخلين على أن القضية البيئية هي في جوهرها قضية طبقية، إذ تتحمّل الطبقات الشعبية والعمال كلفة التلوث والتغيرات المناخية، في حين تجني أقلية عالمية أرباح الثورة التكنولوجية.
كما دُعي إلى التفكير في بدائل حقيقية، من بينها الطاقات المتجددة، والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، وربط الذكاء الاصطناعي بخيارات تنموية وطنية لا بمنطق السوق فقط.
وأجمع المتدخلون على أن الذكاء الاصطناعي ليس حلًّا سحريًا للتغيرات المناخية، ولا عبئًا محتومًا، بل أداة مزدوجة الوجه. فهو قد يكون جزءًا من الحل إذا أُدرج ضمن سياسات عمومية عادلة ومستدامة، تقوم على الحوكمة، والشفافية، والحوار الاجتماعي.
وقد يتحوّل إلى عبء إضافي إذا تُرك لمنطق الربح والاحتكار، بعيدًا عن أي مساءلة بيئية أو اجتماعية.
وهو ما جعل الجلسة الثانية من الحصة الصباحية محطة فكرية ونقاشية عميقة، نقلت السؤال من «ماذا تستطيع التكنولوجيا أن تفعل؟» إلى «أي خيارات نريد، ولصالح من؟».