ثقافي

دعوة إلى حلّ اتحاد الكتاب التونسيين .. ما القصة ؟

الشعب نيوز / أبو جرير - تمّ، الأحد 21 ديسمبر 2025، عقد مؤتمر اتحاد الكتاب التونسيين في مدينة القيروان، وكان التخوّف كبيرا من عدم حضور أغلبية أعضاء الاتحاد، لأنّ المؤتمر سيتمّ في مدة يوم واحد، ولن تتولى الهيئة تأمين سفر الأعضاء من مختلف الجهات، ولا تعويض المتنقلين على حسابهم الخاص، فضلا عن انعقاد المؤتمر في دار شباب لا في فضاء ثقافي على غرار دور الثقافة أو مراكز الفنون الدرامية والركحية، وهو ما وقع فعليا.

من يومها والدعوات تتعاظم من مثقفي تونس وكتابها لمقاطعة مخرجات هذا المؤتمر “الصوري”، وفق توصيفهم، مندّدين بتلاعب أعضاء هيئته المديرة بمشروعيته.

فريد العليبي: مقاطعة واسعة للمؤتمر “الصوري” لاتحاد الكتاب التونسيين

وفي هذا الخصوص كتب فريد العليبي الباحث التونسي وعضو الجمعية التونسية للدراسات الفلسفيّة على صفحته الرسمية بفيسوبك تدوينة تحت عنوان “مقاطعة واسعة للمؤتمر الصوري لاتحاد الكتاب التونسيين”، قال فيها: “حسب مترشّح للهيئة المديرة حضر حوالي 60 عضوا من بين 600 عضو، مشيرا إلى حيلة قانونية تقول أنه إذا لم يتوفّر النصاب يتأجّل المؤتمر ساعتين ثم ينعقد بمن حضر”.

ويُشدّد صاحب كتاب “ابن رشد يحاكم الغزالي”: “من الواضح أننا أمام مؤتمر صوري بحضور 10% ومعه يبلغ العبث مداه الأقصى.. ولا بد من وقفة بإرادة الكاتبات والكتاب في الأيام القادمة، وإحداث الفراغ حول الهيئة اللاشرعية القادمة، ودعوة من فيها إلى الاستقالة لفتح الباب أمام مؤتمر فعلي تتوفّر فيه القانونية والشرعية والاستقلالية، وقبل ذلك كله الديمقراطية”.

محمد المي: تلاعب أعضاء الهيئة المديرة بمؤتمر اتحاد الكتاب التونسيين

بالتوازي دوّن الباحث والكاتب الصحفي التونسي محمد المي: “رغم دعوات المقاطعة والتشكيك في تلاعب أعضاء الهيئة المديرة التي يقودها عادل خضر، فإننا آثرنا المشاركة والحضور والترشّح قصد إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خصوصا وأنّ الاتحاد فقد جميع مواقعه في تمثيل الكتاب في لجان تظاهرات وزارة الثقافة (معرض تونس الدولي للكتاب والمعرض الوطني للكتاب ولجان دعم الكتاب.. إلخ)! وسحب رخصة دار الكاتب، ولم يبق له سوى مقر شبه مفتوح، ولا مجلة فصليّة تصدر، ولا كتب تطبع، بل مجرد ناد للشعر، وآخر للسرد وهذا هو كل الاتحاد”.

ويُضيف المي: “عدد المنخرطين في اتحاد الكتاب بات 261 عضوا بعد أن كان عدد الأعضاء يصل إلى 500 عضوا، وعليه فإنّ النصاب القانوني لن يتوفّر إلّا بنصف الحاضرين زائد واحد، أي 132 عضوا”.

ويسترسل: “في المؤتمر لم يحضر سوى 79 عضوا، حينها خرجت علينا 53 نيابة (فالقانون الأساسي للاتحاد يخوّل للأعضاء حمل نيابات للتصويت نيابة عن زملائهم الغائبين على أن تكون نيابة واحدة لكل عضو)، فوجئنا بهذه الـ50 زائد واحد تماما، ولولا ال53 نيابة لتمّ تأجيل المؤتمر”.

ويسرد الباحث والمؤرّخ التونسي كرونولوجية (التدرّج الزمني) للمؤتمر وحيثياته، قائلا: “انطلقت العملية الانتخابية في كنف الهدوء رغم عدم توزيع التقرير المادي، ولا التقرير المالي، بحجة عدم توفّر الإمكانيات المالية للنسخ (لنعرف الحالة التي أوصلوا إليها الاتحاد)”.

ويُتابع: “بعد النقاش تمّ الشروع في التصويت للمترشّحين، وقد لاحظت أنّ كل عضو تقريبا يحمل معه نيابة، وهو ما زرع الشك في طبيعة النيابات، فطالبت بالتثبّت في النيابات، وعندها اكتشفت أنّ 36 نيابة غير معرفة بالإمضاء في البلديات، كما ينصّ على ذلك القانون الأساسي”.

ووفق المي دائما: “قمنا باستدعاء عدل منفذ لمعاينة هذا الخرق الأساسي الذي من شأنه إبطال أعمال المؤتمر، وعدم الاعتراف بنتائجه، ولا شرعية الهيئة المنبثقة عنه”، مؤكّدا في المقابل إصرار رئيس المؤتمر على مواصلة أشغال المؤتمر بعد خروج عدل التنفيذ، وأسفرت نتائج واضحة يفترض أن تحذف منها عدد النيابات المشبوهة والتي تتعارض والقانون الأساسي، أي أنّ سعد برغل المتحصل على 93 صوتا هو في الحقيقة متحصل على 57 صوتا فقط، وقس على ذلك باقي قائمته المشبوهة”.

وشدّد المي، تبعا لهذه الخروقات، على أنه سيتمّ أولا مراسلة رئاسة الجمهورية، ثم رئاسة الحكومة، علاوة على وزارة الداخلية، فوزارة الثقافة، وأخيرا مراسلة ولاية تونس، وذلك لمطالبتهم بعدم الاعتراف بهذا الهيكل بهذه الهيئة المشبوهة.

كما أعلن نيّته رفع قضية استعجالية للمحكمة الإدارية، مطالبا فيها بوضع الاتحاد تحت مراقبة متصرف قضائي إلى حين إعادة انتخابات شفافة ونزيهة، تستجيب لطموحات كتاب تونس، وتليق بهم وباتحادهم المؤسّس منذ سنة 1971، مع مراسلة اتحاد الأدباء العرب لإعلامه بعدم شرعية الهيئة الحالية.

ودعا محمد المي في ختام تدوينته كل الشرفاء إلى مساندة تحركه لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

فطين حفصية: اتحاد الكتاب.. مؤتمر بالتقسيط الزمني

أما الصحفي والإعلامي فطين حفصية، فكتب: “عقد اتحاد الكتاب التونسيين، الأحد، في مدينة القيروان مؤتمره الوطني الانتخابي لمدة يوم قد يقسط إلى نصف يوم، بالنظر إلى حجم الحضور الباهت من المنخرطين، و”صفر” حضور رسمي، ولو كان في أدنى درجاته، وتراكم حالة السبات التي يعيشها هذا الهيكل الثقافي المؤسّس منذ بداية السبعينات”.

ويسترسل حفصية: “يوم واحد للمؤتمر الـ22 يختصر زمن “الشدة” الذي يعيشه الاتحاد منذ سنوات في الحقيقة بعد أن تآكلت صفوفه وانقسمت فروعه وتذبذبت محصلة عمله، وأخيرا ضاقت سبله المالية بعد أن رفعت الدولة دعمها وآخرها خوضه لمعركة مقره التاريخي بعد أن كادت “الدولة الراعية للثقافة” أن ترمي به في الشوارع كهيكل ثقافي مشرّد”.

ويشدّد: “في مرور سريع بصفحته الرسمية على فيسبوك (يقصد الصفحة الرسمية للاتحاد) بدت هذه الصفحة تشبه القبور المتجاورة بإعلانها أخبار الموت وإصدار بيانات النعي، مع فواصل مقتضبة لأنشطة ثقافية للمكتب المتخلي أو فروعه القليلة، ما يؤكّد حالة العطالة التي بلغها تنظيميا وماليا حدّ تنظيمه لأول مرة مؤتمرا وطنيا بالتقسيط الزمني”.

وعن هذه العطالة يقول الصحفي التونسي: “لا يمكن فهم حالة “السبات” التي عاشها الاتحاد خارج السياق الحالي، وحتى بما قبله فعلاقاته بالسلطة -أي سلطة- منذ زمن بورقيبة وصولا إلى اليوم ظلت موصوفة بالشراكة الملتبسة أو التبعية الصامتة وفي أغلب الأحيان بحب عذري أعمى معها كجزء من “الجبهة الوطنية الثقافية” التي ينخرط فيها عدد من الكتاب في خيارات السلطة، رغم ضمّه وجوها مسيّسة ومتحزبة ومعارضة”.

ويختم فطين حفصية تدوينته بتأكيد أنّ طل ما سبق “دفع بالعديد من “الأقلام التي لا تروّض” إلى الاستقالة منه، وأخرى إلى الذهاب في تأسيس هيئات مستقلة بعيدة عنها، كرابطة الكتاب الأحرار برئاسة تأسيسية سنة 2001 لجلول عزونة وسليم دولة وعبد الحفيظ المختومي، ونقابة الكتاب والأدباء والشعراء تحت يافطة الاتحاد العام التونسي للشغل سنة 2010 عبر الأسعد بن حسين وعادل المعيزي وكتاب وشعراء آخرين، لكن حالة الصمت التي طالت منذ سنوات هذا الصرح الثقافي التاريخي ظلّت تطرح أكثر من سؤال في محاكم التاريخ: هل هو صمت الخنوع والخضوع أم الصمت المصلحي الذي لا يدوم أم هو صمت إدارة وإرادة؟”.

بوبكر العموري: هيأة اتحاد الكتاب التونسيين أشبه بأبدية فرانكو

أما الناشط السياسي بوبكر العموري، فكتب: “يُقال أنّ الديكتاتور الإسباني فرانكو لما جاءه الموت فرض العسكريون مراسم توديعه على الشعب الإسباني، وهو يحتضر كان يغفو طويلا ثم يفيق وكان يسأل من هؤلاء ويجيبه أحد العسكريين: إنّ الشعب جاء ليودعك أيها الجنرال، فيسألهم: وأين سيذهب الشعب؟، فهو يتصوّر أنه أبدي والشعب من سيرحل!”.

ويشبّه العموري حال الجنرال فرانكو بحال هيأة اتحاد الكتاب التونسيين غير الشرعية، وفق توصيفه، مضيفا: “وبكل التجاوزات القانونية ترحب بالضيوف الكرام، يعني أنّ المنتسبين إلى هذه المنظمة ضيوف لدى هذا المؤتمر عليهم أن ينضبطوا لواجب الضيافة لهيأة خسرت إشعاعها المحلي والعربي والدولي، وباتت تتحايل على القانون وتهدّد منخرطي الاتحاد بالمقاضاة، وهي التي عليها أن تمثل متهمة أمام القضاء ليس للتجاوزات القانونية في ما يخصّ الانخراط والترشّح بل أكثر من ذلك”.

ويتساءل العموري: “ألم يصرّح رئيس الاتحاد الحالي بأنه وجد مشاكل مالية كبيرة متخلّدة بذمّة الهيأة السابقة التي كان عضوا فيها.. لم لم يرفع الأمر القضاء!؟”.

ويسترسل: “ألم يعلن في المؤتمر الصحفي اليتيم بتاريخ 26 سبتمبر 2024 بالمقر الرسمي 20 شارع باريس أنّ دور النشر تقترف جرائم كبيرة ضد الكتاب”.

ويُجيب عن أسئلته: “طبعا لعله يقصد الرئيس السابق الذي كان في تضارب مصالح واضح، لأنه يشغل منصب رئيس اتحاد وعضو دار نشر الاتحاد والمسار.. ولن نتحدّث عمّا قام به هذا الأخير من تجاوزات قانونية تجاه بعض الكتاب من بينهم هذا العبد الضعيف”.

ودعا العموري في تدوينته كتاب تونس إلى وحدة الصف، صادحا: “يا كتاب تونس لا تكونوا كمبارس لعناصر لا تعنيها الثقافة التونسية، ولا إشعاع الكاتب التونسي، ولا سفر الكتب التونسية إلى المعارض والترجمات في أصقاع الأرض”.

ويسترسل واصفا: “إنّ ما يحاك اليوم هو إتلاف للذاكرة الثقافية والعلمية والمعرفيه التونسية، وضرب لكل القيم والقوانين في صلف وعنجهية أمام وزارة منهكة ماليا وغير قادرة على التدخل لإيقاف هذه المهزلة”.

ويختم بوبكر العموري تدوينته بتأكيد أنّ “الحل الوحيد هو صوت الكاتب التونسي الذي يجب أن يقف سدا منيعا ضد تهميشه وتوظيفه وتبئيسه، وذلك بمقاطعة هذا المؤتمر غير القانوني دفاعا عمّا تبقى من إرث الدولة الوطنية والمدنية، والمطالبة بلجنة محايدة حقوقية تتكوّن من قضاة وعدول ومحامين، ويشرف عليها كتاب عرفوا بنزاهتهم ونظافتهم للتحقيق والتدقيق في مالية الاتحاد وممتلكاته منذ 2011 وإلى الآن، مع وجوب انجاز مؤتمر استثنائي في أقرب الآجال”.

شيماء المزوغي: الاتحاد بات هيكلا يعيش على اسمه أكثر ممّا يعيش على دوره

في المقابل لخّصت الصحفية شيماء المزوغي ما جرى في مؤتمر اتحاد الكتّاب التونسيين وما قدّمه من صورة صادمة عن مستوى الانحدار الذي بلغه هذا الهيكل.

وشدّدت بقولها: “ما حدث ويحدث كشف عن أزمة عميقة تتجاوز لحظة انتخابية إلى مسار كامل من التفريغ والتآكل.. المؤتمر انعقد في ظروف مرتبكة، بتمثيلية هزيلة، وفي فضاء رمزي فقير الدلالة، مع غياب التقارير الأدبية والمالية، ومع اعتماد كثيف على النيابات التي تحوّلت إلى أداة حسم سياسي أكثر منها إجراءً قانونيّا”.

مشهد، قالت عنه المزوغي: “يحمل ملامح إدارة تشتغل بمنطق الالتفاف العددي، وتراكم فيه الشك حول شرعية القرارات منذ اللحظة الأولى، اكتشاف عشرات النيابات المخالفة للقانون الأساسي، ثم مواصلة الأشغال بعد معاينة عدل منفّذ، عكس ثقافة استهانة بالقانون وبالكتّاب وبفكرة المحاسبة ذاتها”.

وتسترسل: “في الحقيقة هذا المشهد لا ينفصل عن حصيلة هيئات مديرة راكمت الإخفاقات، دوائر مغلقة، انعدام رؤية، غياب مواقف، غياب الدورات الفكرية والأدبية، شلل شبه كامل في النشاط الثقافي، مجلة الاتحاد التي كان يفترض أن تكون منبرًا حيًا للفكر والإبداع تحوّلت إلى عنوان معطّل أو حضور رمزي بلا انتظام ولا أثر، وانقطاع واضح عن كتّاب الجهات وعن المشهد الثقافي الوطني، هيكل يعيش على اسمه أكثر ممّا يعيش على دوره”، وفق توصيفها.

وترى شيماء المزوغي في تراكم هذه المؤاخذات ما يضع اتحاد الكتّاب أمام لحظة حرجة، حيث يتحوّل من فضاء تمثيلي ومختبر للأفكار إلى كيان إداري مغلق، تُدار فيه الثقافة بعقلية “التعكعيك” (الارتزاق) والتسيير الأدنى، ويُختزل فيه تاريخ تأسّس منذ 1971 في مؤتمر منزوع الروح، فاقد للمعنى، ومثقل بعجز لم يعد ممكنا تجاهله”.