عبد المجيد الصحراوي حوادث النفيضة، منارة تُضيئ طريق المستقبل
مثّلت حوادث النفيضة، حلقة هامة على درب مسار النضال الوطني والاجتماعي، خطّتها "الطبقة الشغّيلة" التونسية بأرواحها ودمائها من أجل التحرّر الوطني والكرامة الانسانية. لقد واجه عمّال "هنشير النفيضة" المُضربين، في مثل هذا اليوم 21 نوفمبرم 1950، بسواعد عزلاء من كل سلاح، وبصدور عارية إحدى أعتى الآلات العسكرية الاستعمارية في العالم، وأجهزتها المدمّرة القمعية، ومازال إخوتنا النقابيون يتذكرون كيف كان عمّال "الهنشير" ينقضّون بشجاعة، وبكل روح فدائية على الجنود رغم مدافعهم وأسلحتهم.
لقد كانت ملحمة الدفاع على الوطن والكرامة والحقّ في العيش، ودفاعا ايضا على "الحق النقابي" ممثلا في حقّ الإضراب. في مثل هذا اليوم روّت دماء زكية تراب هذه الارض، تلبية لنداء الواجب ولنداء منظمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل، من أجل تحرير البلاد، حيث كانت هذه الوقائع اكبر دليل على تداخل النضال الاجتماعي بالنضال من أجل الاستقلال، لأن معركة تحرير الإنسان واحدة. كانت هذه الحوادث محطّة مفصلية ذات أهمية استراتيجية في مسيرة النضال الوطني والنقابي، حيث كان الإتحاد العام التونسي للشغل مكوّنا أصيلا في الحركة الوطنية التحرّرية ومساهما محوريا فيها.
وتواصل هذا الدور الوطني في تاريخ تونس الحديث، من خلال محطات كبيرة بعضها سبق أحداث النفيضة مثل أحداث 5 أوت 1947 في صفاقس بقيادة الزعيم الحبيب عاشور، الذي ظلت الرصاصة التي أصابته فيها في جسده حتى وفاته رحمه الله. ثم كانت محطة الخميس الأسود يوم 26 جانفي 1978، دفاعا على استقلالية القرار النقابي. عاشت المنظمة محطات نضالية كبيرة، صقلتها وكشفت دورها الوطني الاستثنائي.
ولقد كان الزعيم الشهيد فرحات حشاد شاهدا ومُشيدا بملحمة النفيضة. وهو الذي أبّن الشهداء وواسى الجرحى وفيها قال كلمته الخالدة "أحبك يا شعب". إذ أستُشهد في النفيضة 5 عمّال وامرأة حامل بتوأم، واعتقل أكثر من 200 آخرين من بينهم 50 إمرأة، وقال حشاد إثر هذه الحوادث في النفيضة " إن الكفاح الذي يخوضه الإتحاد العام التونسي للشغل على جميع الأصعدة، جعل من حركتنا النقابية سلاحا قويّا في خدمة تحرّرنا الوطني والاجتماعي". فلتكن حوادث النفيضة منارة تُنير لنا السبيل من أجل مزيد العمل والتضحية في سبيل تونس العزيزة وحقوق الشغالين فيها.
واليوم ونحن نحيي الذكرى ال 71 لحوادث النفيضة، لا يسعُنا الا ان نُكرّر من جديد أنّنا على العهد باقون، وسنظل أوفياء للشهداء، وذكرى المناضلين والزعماء من أجل مصلحة تونس وشغاليها وشعبها، وسيظل الاتحادالعام التونسي للشغل حصنا قويّا للدفاع على الاستقلال الوطني، والدولة الاجتماعية واقتصادها التضامني وعلى المكاسب الاجتماعية، في مناخ الحرية والديمقراطية التي فرضها التونسيون بقواهم النقابية والمدنية والسياسية.