آراء حرة

لقاء رئيس الجمهورية بالأمين العام للاتحاد: انفتاح رئاسي على الاتحاد أو مقدمة لبلورة مبادرة جديدة لحل الأزمة الراهنة في البلاد ؟

بقلم خليفة شوشان

بين التفاجؤ والتفاؤل والانتقاد اختلفت ردود فعل الفاعلين السياسيين ومنظمات المجتمع المدني التونسيّة حول اللقاء الأخير بين رئيس الجمهورية قيس سعيد والأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل الأخ نور الدين الطبوبي السبت 15 جانفي 2022 بقصر قرطاج، لقاء جاء بعد انقطاع دام لأشهر وذهب المحللون في توصيفة مذاهب شتى بين من عدّه انكفاء من الرئيس لترتيب وضع أولوياته وبين من اعتباره جفاء وتباعدا وثمة من ذهب أبعد من ذلك باعلانها قطيعة ومقدمة لصدام حتمي. اللقاء كان مطولا وتناول الوضع العام في البلاد على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

 

رئيس الجمهورية: لا جفاء مع الاتحاد

رئيس الجمهوريّة استهل كلمة استقبال الأمين العام المنشورة على الصفحة الرسميّة لرئاسة الجمهوريّة لنفيه “وجود جفاء بين اتحاد الشغل والرئاسة" مؤكدا على "مكانة اتحاد الشغل ودوره في الجانب النقابي والوطني في كثير من المناسبات على الصعيد الداخلي والعربي وكل الأصعدة" وذكر بمواقف المنظمة "من كل قضايا الحق مثل قضايا التحرر من الاحتلال والاستعمار وخاصة موقفه من القضية الفلسطينية، وبدوره الوطني الذي يتجاوز الدور النقابي" معتبرا أن الاتحاد يمثّل "قوة اقتراح" مقدما أمثله على اسهاماته في برنامج اصلاح التعليم والبرنامج الاقتصادي والاجتماعي خلال الخمسينيات وبرنامج ومشاركته في معركة التحرير والتأثير الدولي" كما أكد رئيس الجمهورية في كلمته على أهميّة التشاركية والحوار مع المنظمة.

 

الامين العام: مرحلة حرجة يجب أن تدار بالهدوء والحكمة والتشاركية

بدوره أكّد الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في كلمته التي أعقبت اللقاء انه تم التأكيد بين الطرفين على ان هذه المرحلة لا يمكن ان تبنى الا في اطار تضامن وطني حقيقي، ولا يمكن بناؤها بالفعل وردة الفعل، بل لا بد من الكثير من الهدوء والحكمة والتعقل والتشاركية.

مضيفا ان المعركة الحقيقية اليوم هي بالاساس اقتصادية واجتماعية وهي أيضا سياسية، موضحا ان اهل السياسة هم من يؤطرون المجتمع. كما جدد التأكيد على أن حرية التعبير والاعلام و التظاهر السلمي والمدني مضمونة ولا يمكن المساس بها. وأشار الأخ الأمين العام على ان الفترة القادمة ستكون فترة وعي حقيقي وكل ما تتطلبه تونس لبناء وحدة وطنية حقيقية على قاعدة روح المسؤولية والوطنية ورسم الخيارات حسب الأهداف والاولويات التي تخدم الطبقات المفقرة والمهمشة والطبقات العاملة وكل المؤسسات العمومية والخاصة".

كما تطرّق اللقاء المطور للوضع السياسي حيث عبّر الأخ الامين العام عن خشية الاتحاد من طريقة وضع الدستور والقانون الانتخابي وجدد موقفه من الاستشارة الالكترونية وعبر عن رؤية المنظمة للحلول السياسية التي تراها كفيلة بتجاوز التعقيدات. أما على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي فعبّر الأمين العام عن قلق الاتحاد من الارتفاع الكبير للاسعار وتفشي ظاهر الاحتكار التي أثرت على القدرة الشرائية للمواطنين وعن انزعاجه من الطبيعة الانفرادية التي اختارتها  الحكومة في وضع ميزانية 2022 وغياب الاجراءات الاجتماعية الى جانب قرار وقف الانتدابات، ووانتقد برنامج الحكومة في التفاوض مع صندوق النقد الدولي. وأكذ على تفاعل الرئيس مع جملة التحفظات التي قدمها الاتحاد.

 

لقاء ايجابي في انتظار التجسيد العملي وانسجام التعاطي الحكومي

اللقاء مثّل فاتحة ايجابية لاذابة الجليد واسترجاع الثقة في انتظار استتباعاته العملية وتحسيدها على ارض الواقع بما يخلق انسجاما بين مبادرة الرئيس وطريقة تعاطي الحكومة مع المنظمة في عديد الملفات المعلقة والعودة الى الحوار الاجتماعي الحقيقي والبناء بعيدا عن المنشور 20 الذي طالب الاتحاد بالغائها واستئناف التفاوض حول الزيادة في الأجور والشروع الجدّي في فتح الملفات الاقتصادية وعلى رأسها مشروع انقاذ المؤسسات العمومية واصلاح منظومات التعليم والصحة والنقل غيرها من القطاعات الاستراتيجيّة.

 

الحلول ممكنة بمزيد الانفتاح الرئاسي وعقلانية القوى السياسيّة

أهمية اللقاء تجاوزت العلاقة بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل لتمثل نقطة مفصلية في سياق سياسي واقتصادي واجتماعي اتسم بالاحتقان والغموض وانعدام الثقة بين الجميع لذلك مثل لعموم التونسيين بارقة أمل في حلحلة الوضع الوطني العام، والعودة الى التشاركية والحوار لانقاذ البلاد وجسر الهوّة وتخفيف الاحتقان بين الفاعلين السياسيين والاجتماعيين،في حين اعتبره آخرون مجرد محاولة من رئيس الجمهورية لكسر عزلته السياسية مع الداخل والخارج خاصة وهو يأتي اثر الأحداث التي عرفتها البلاد يوم 14 جانفي والانتقادات الموجهة للحكومة وخاصة وزارة الداخلية في تعاطيها مع المحتجين. هل يؤسس هذا اللقاء لمبادرة جديدة لحل الأزمة الراهنة في البلاد؟ الاجابة عن هذا السؤال مرهونة بحسب الامين العام للاتحاد الاخ نور اليدن الطبوبي بالتطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الأيام القليلة القادمة، ومشروط بتواصل انفتاح رئيس الجمهورية على القوى السياسية والمنظمات الوطنية وقوة إنصاته وايمانه بأنه لابد من صياغة رؤية تشاركية لمصير ومستقبل البلاد من جهة وابتعاد الأطراف المتدخلة في الشأن العام وخاصة منها السياسية عن منطق "الفعل وردة الفعل" والتشنج واقتناعها بضرورة "التقدم الى الامام".