دولي

على ضوء النزاع الروسي الاوكراني: المعاهدات الثنائية حول حماية الأقليات وعدم التشجيع على الانفصال

[ في جانب من جوانب النزاع الروسي الاوكراني، حديث عن الأقليات هنا وهناك وخطابات عن الانفصاليين هنا وهناك. تعهدت المعاهدات الدولية والثنائية بالبحث في هذه المسائل وتقنينها ومنها الاتفاقية الإطار حول حماية الاقليات القومية التي صادق عليها المجلس الأوروبي بتاريخ 1/2/1995.
الدكتور خليل بن عبدالله، الديبلوماسي التونسي، استجاب لطلبنا فكتب في الموضوع ما يمكن ان ينير به السبيل ويساعد في فهم الاشكال القائم.]
 


 تمثل الوثائق الدولية المتعلقة بحماية الاقليات القومية أهمية كبرى. وفي هذا الخصوص نجد وثيقة دولية على غاية من الأهمية وهي الاتفاقية الإطار حول حماية الاقليات القومية التي صادق عليها المجلس الأوروبي بتاريخ 1/2/1995. 
وإذا كانت هذه الاتفاقية قد دخلت حيز التنفيذ يوم 1/2/1998 وتشمل 43 دولة طرف، فإنها تعد حسب تقريرها التفسيري، أول وثيقة قانونية ملزمة متعددة الأطراف مخصصة لحماية الاقليات الوطنية بصفة عامة. وقد حددت هدفا لها حماية الاقليات القومية أو بصفة أكثر دقة حماية الأشخاص المنتمين الى هذه الاقليات وذلك عبر تبنيها لجملة من المبادئ الأساسية والالتزامات في مادة حماية الاقليات. 
حماية الأشخاص المنتمين الى اقليات
وكما ينص على ذلك تقريرها التفسيري، فان الاتفاقية لا تشمل «الاعتراف بأي حق جماعي، فهي تهدف إلى حماية الأشخاص المنتمين إلى اقليات قومية والذين باستطاعتهم مستقبلا ممارسة حقوقهم بشكل فردي أو بالاشتراك مع الآخرين» . وفي ما يختص تحديدا بمسألة الانفصال، فإننا نلاحظ انه ومن ديباجة الاتفاقية (الفقرة 12) قد تم التنصيص على إن حماية الاقليات القومية يجب أن تتم :« في إطار احترام تطبيق القانون وسلامة الوحدة الترابية والسيادة الوطنية».
 وتعود الاتفاقية للحديث حول مسألة سلامة الوحدة الترابية في المادة 21 فتنص بشكل قطعي على انه: «ليس في مواد هذه الاتفاقية - الإطار ما يمكن تفسيره على انه يسمح لفرد ما بأي حق في القيام بنشاط او عمل مخالف للمبادئ الأساسية للقانون الدولي وخصوصا مبادئ المساواة في الحقوق وسلامة الوحدة الترابية والاستقلال السياسي للدول"
. وانطلاقا من "شرط المحافظة" الوارد في المادة 21 هذه، فان ملاحظتين واجبتين: - 
1/ يستنتج من هذه المادة إن مبدأ سلامة الوحدة الترابية للدول قد تم وضعه هنا ليشمل جانبه الداخلي وربما جانبه الداخلي فقط. فالاتفاقية بهذا المعنى لا تشمل إلا العلاقة بين الدول وبين الاقليات الموجودة على ترابها الوطني وليس العلاقة بين الدول والاقليات الموجودة في دول أخرى. وعلى كل حال فان المادة 21 تتوجه إلى أفراد أعضاء في اقليات قومية وليس إلى دول بإمكانها تهديد سلامة الوحدة الترابية للدول المعنية.   
2/ إن شرط المحافظة الوارد في الاتفاقية جاء اكثر وضوحا منه في القرار 2625 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. فلم يعد الحديث عن عمل من شأنه أن يفكك أو يهدد بتفكيك الوحدة الترابية للدول بل عن عمل " مخالف " لمبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي وهو سلامة الوحدة الترابية للدول. 
تفادي خلق أي حق في الانفصال
وإذا اعتقدنا أن القرار 2625 بصياغته المعنية لشرط المحافظة يهدف إلى تفادي خلق أي حق في الانفصال، فان الاتفاقية - الإطار وعلى العكس من ذلك أسست لفكرة منع الانفصال مباشرة وبالتالي فان مبدأ سلامة الوحدة الترابية للدول في بعده الداخلي قد تم تصنيفه هنا على انه مبدأ أساسي من مبادئ القانون الوضعي مما يسمح بالاستنتاج إن أي محاولة للانفصال من قبل أقلية قومية تصبح عملا مخالفا للقانون. 
وإضافة إلى ذلك وإذا كانت الاتفاقية - الإطار قد مكنت الأشخاص المنتمين إلى اقليات قومية من حقوق، فإنها فرضت عليهم كذلك التزامات نصت عليها المادتان 20 و 21 منها واجب الامتناع عن التصرف بطريقة مخالفة لمبدإ احترام الوحدة الترابية للدول. وإضافة الى هذه الاتفاقية – الإطار، فان " شرط المحافظة" يرد أيضا وبنفس الشكل والمقتضيات تقريبا في « الشرعة الأوروبية للغات الجهوية أو الاقلية» التي أعدها كذلك المجلس الأوروبي وصادقت عليها الدول بتاريخ 5/11/1992 ودخلت حيز التنفيذ بتاريخ 1/3/1998. وعلى مستوى ثنائي، فان شرط المحافظة المتعلق أساسا بسلامة الوحدة الترابية للدول غالبا ما يتم إدراجه في المعاهدات الثنائية المتعلقة بحسن الجوار وحماية الاقليات بين الدول الأوروبية. مثال ذلك «معاهدة حسن الجوار والصداقة والتعاون» الممضاة بين ألمانيا وبين بولونيا بتاريخ 18/6/1991 في مادتها 22 الفقرة 1. 
والجدير بالذكر إن اقتراحات قدمت خلال مناقشة إعداد الاتفاقية – الإطار للمجلس الأوروبي حول حماية الاقليات القومية تتعلق بإدراج ما عرف " بشرط إخلاص" “Clause de Loyauté” ، غير إن المجلس أجمع على أنه شرط مبهم وغير واضح ومن شأن إدراجه تسهيل التعسف ضد الاقليات القومية . 
وكخلاصة لهذا المقال، فان ما سبق من تحليل قد يسمح باستنتاج أولا إن الحق في الانفصال لا يجد مصدرا له في أي من نصوص المنظمات الدولية سواء ما سميناها بالأصلية أو ما سميناها بالفرعية خارج وضعيات إنهاء الاستعمار أو الاحتلال الأجنبي أو الهيمنة العنصرية. 
نصوص مناهضة للانفصال لكن لا تمنعها.
كما إن أيا من هذه النصوص الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان والشعوب والاقليات لم تخلق حقا في الانفصال بالرغم من بعض المحاولات الفقهية التي حاولت إبراز العكس. فقد دعمت هذا الطرح وبكل وضوح لجنة إنهاء الميز العنصري بمناسبة إصدارها لملاحظتها العامة لسنة 1996 حول الحق في تقرير المصير، كما إن ما سبق من تحليل قد بين لنا إن هذه النصوص الدولية وان كانت مناهضة لفكرة الانفصال فإنها لم تمنعها نهائيا وذلك رغم تأكيدها على مبادئ أساسية من مبادئ القانون الدولي مثل مبدأ احترام الوحدة الترابية للدول ومبدأ عدم اللجوء أو التهديد باستعمال القوة لتشجيع محاولة انفصال غير شرعي. 
غير أن نصوص المنظمات الدولية وإن كانت قد ساهمت في إمدادنا ببعض عناصر الإجابة في خصوص مسألة الإنفصال، فإنها تبقى غير كافية في محاولة الإجابة عن دور المنظمات الدولية في حق الشعوب في تقرير مصيرها.  
د.خليل بن عبد الله