وثائقي

الحبيب عاشور أو قصة رجل نذر حياته لخوض معارك استقلال البلاد واستقلالية الاتحاد

في مثل هذا اليوم 14 مارس من سنة 1999 أسلم الحبيب عاشورالروح وهو على متن اللود العائد الى جزيرة قرقنة بين يدي صديقه الراحل النقابي والسياسي عبدالله الشابي رحمهما الله وأسكنهما فرديس جنانه.

ولمن لا يعرفه فان الحبيب عاشور اسم التصق بالنضال النقابي والوطني وبالاتحاد العام التونسي للشغل وبالسجون والابعاد قبل الاستقلال وخاصة بعده وهو من مواليد 25 سبتمبر 1913 بقرية العباسية بقرقنة بدأ دراسته الابتدائية بالكلابين مع قريب له هو فرحات حشاد وتحصلا معا على الابتدائية ثم واصل تعلمه بالمعهد الفني بتونس (اميل لوبي) حيث تعرف على حركة النضال الوطنية وانخرط عند رجوعه الى صفاقس سنة 1934 في الحزب الحر الدستوري الجديد وفي العمل النقابي ضمن فرع الكنفدرالية العامة الفرنسية للشغل بتونس (C G T)  حيث بدأ النشاط النقابي بكثافة بعد الحرب العالمية الثانية.

ابن البلدية
كان يعمل في بلدية صفاقس وساهم بعد الحرب في اعادة تأسيس (C G T) بصفاقس وساهم في مؤتمره (مارس 1944) لكنه انسلخ عن هذه الكنفدرالية التي كان يهيمن عليها الحزب الشيوعي الفرنسي الذي فرض انتخاب 17 عضوا من بين 21 عضوا للهيئة الادارية. ويعود سبب الانسلاخ مع حشاد الى البرنامج الاساسي للحزب الشيوعي الذيكان قائما على تعبئة كل الطاقات لتحرير فرنسا اي ان هذا التوجه لا يعطي أهمية للمطالب العمالية ولا يهتم بقضية تصفية الاستعمار.
لذلك كوّن مع فرحات حشاد  اتحاد النقابات المستقلة للجنوب اواخر اكتوبر 1944، واصدر مجموعة من المناشير في 6 نوفمبر 1944 اكد فيها اهمية مبدأ استقلالية العمل النقابي.
وباعتبار نشاطه في الحزب الدستوري والحركة الوطنية، فقد استقبل في منزله بصفاقس الزعيم الحبيب بورقيبة ثم في قرقنة حيث ساعده على الفرارالى مصر خلسة (افريل 1945) وقد ألقي عليه القبض بعد أيام قليلة.

في اتحاد صفاقس
وعند تأسيس الاتحاد في 20 جانفي 1946 تسلم مهمة كاتب عام الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس علما انه عند التأسيس كان من بين النقابات المؤسسة 29 نقابة تنتمي الى اتحاد النقابات المستقلة بالجنوب.
وفي يوم 4 اوت 1947 قاد الحبيب عاشورأهم اضراب شنه الاتحاد أشهرا قليلة بعد تأسيسه حيث حصل فيه التحام مع المستعمر وحصلت خلاله وتحديدا منذ الساعات الاولى ليوم 5 أوت 1947 احداث دامية شهدت اول محاولة اغتيال رسمية لمناضل نقابي حيث تم استهداف الحبيب عاشور بطلق ناري و اعتقاله وتقديمه للمحامة حيث عوقب ب 5 سنوات سجنا و 10 سنوات ابعادا.

النضال على جبهة جديدة
وفي زغوان التي فرض عليه الاقامة بها، اتصل عاشور بالمقاومين لكن سريعا ما ألقي عليه القبض علما انه عند وفاة فرحات حشاد كان عاشور في السجن وبعد محاكمة شهيرة دافع فيها عنه منداس فرانس ولم تثبت ادانته وقع ابعاده الى باجة…

وفي سنة 1955 أدّى عاشور دورا مهما في تنظيم مؤتمر الحزب الحر الدستوري الذي حسم الخلاف الذي قام آنذاك بين الزعيمين  الحبيب بورقيبة وصالح بن يوسف. ويذكر هنا ان خلافا جد صلب الاتحاد أدى انسلاخ عدد كبير من النقابيين والعمال على راسهم الحبيب عاشور الذي أسس مركزية نقابية جديدة تحت اسم الاتحاد التونسي للشغل. لكن سريعا ما تم توحيد الاتحادين لا سيما بعد ابعاد أحمد بن صالح من الامانة العامة والتحاقه بالحكومة. وانتخب احمد تليلي أمينا عاما للاتحاد من سنة 1957 الى سنة 1963 تاريخ انتخاب عاشور أمينا عاما لاول مرة.

رفع الحصانة والسجن
وفي سنة 1964 وقع حدثان مهمان، الاول مؤتمر بنزرت حيث تبنى الحزب رؤية تقوم على الرؤية الاشتراكية (اصبح الحزب الاشتراكي الدستوري) مع اقرار المؤتمر الاشراف على المنظمات الوطنية، اما الامر الثاني فهو التقليص من قيمة الدينار. فكان الرفض من عاشور وكان مآله السجن سنة 1965 بعد ان رفعت عنه الحصانة البرلمانية ولم يقف الى جانبه الا احمد التليلي.
وعاد عاشور للعمل النقابي والسياسي سنة 1970 بعد فشل تجربة التعاضد… وأودع السجن من جديد سنة 1978 بعد احداث 26 جانفي وعاد الى المسؤولية النقابية سنة 1981، وبعد احداث الخبز سنة 1984 كانت الرغبة واضحة للقضاء على عاشور باعتباره غدا رمزا لاستقلالية العمل النقابي.
وقد تم ايداع عاشور السجن ليلة رأس عام 1985 بعد تهديد الوزير الاول الاسبق محمد مزالي له حيث خيّره بين تسليم مفاتيح الاتحاد «أو الحاق الأذى به وبعائلته وتصفيتها»، وقد أودع عاشور سجن الناظور وهي عملية اغتيال مقصودة نظرا لحالته الصحية والمعرفة مسبقا بما يمكن ان يسبب له سجن الناظورمن متاعب. أخرج من السجن بعد اقالة محمد مزالي وفرضت عليه الاقامة الجبرية في منزله الى يوم 7 نوفمبر 1987 تاريخ تولي زين العابدين مقاليد السلطة بدلا عن الحبيب بوقيبة.

تكريم مستحق

وباعتبارالتحول العميق الحاصل في البلاد نتيجة ذلك فقد قبل الحبيب عاشور بمقترح دعاه الى التخلي عن المسؤولية النقابية لفائدة اجيال وسيطة من النقابيين عملوا معه وتعلموا على يديه ومن بينهم الحسين بن قدور واسماعيل السحباني وعبدالسلام جراد وعلي بن رمضان وخيرالدين بوصلاح. والى ذلك قضى بقية حياته متنقلا بين العاصمة وجزيرة قرقنة حيث كان من حين الى آخر يزور دار الاتحاد في تونس وصفاقس وقرقنة ويلتقي العديد من النقابيين الذين كانوا شديدي الحرص على تكريمه كلما سنجت الفرصة. وقد ساهمت قيادات الاتحاد المتعاقبة على احياء ذكرى وفاته في 14 مارس من كل سنة كإحياء ذكرى معركة 5 أوت 1947 التي كان بطلها دون منازع وساهمت مع السلط المحلية في عدة بلديات على اطلاق اسمه على شوارع مهمة فيها ومنها تونس وصفاقس وزغوان والمحرس وباجة وغيرها. كما أطلق اسمه على احدى البواخر- لود - الرابطة بين صفاقس وقرقنة فيما اصدر ديوان البريد طابعا بريديا باسمه.