نقابي

القطاع غير المنظم في تونس ودور الاتحاد في تنظيمه

بقلم د. بدر السماوي
أضاف التنقيح الأخير للنظام الداخلي للاتحاد العام التونسي للشغل المصادق عليه في الهيئة الإدارية الوطنية المنعقدة في شهر أوت 2021 إلى قسم الحماية الاجتماعية مهمة " القطاع غير المنظم " فأصبح القسم يسمى " قسم الحماية الاجتماعية والقطاع غير المنظم ". وجاء في الباب المخصص لمهام ومشمولات أعضاء المكتب التنفيذي الوطني على أن الأمين العام المساعد المسؤول عن هذا القسم يجب أن " يعمل على الاعتناء بقضايا العاملين في القطاع غير المنظم ويسعى إلى تأطيرهم وتنظيمهم نقابيا لإدماجهم في القطاع المنظم". 
القطاع غير المنظم في العالم
عرّفت منظمة العمل الدولية القطاع غير المنظم بأنه " جميع الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها العمال والوحدات الاقتصادية والذين لا تشملهم الترتيبات النظامية في القانون، ممّا يعني أنّهم يعملون خارج النطاق الرسمي ولا يتم تسجيلهم وتنظيمهم طبقا لتشريعات العمل والحماية الاجتماعية". وتكريسا لاهتمامها بهذا القطاع أصدرت المنظمة سنة 2015 التوصية عدد 204 التي حملت عنوان " توصية بشأن الانتقال من الاقتصاد غير المنظم إلى الاقتصاد المنظم" داعية الحكومات ومنظمات أصحاب العمل ومنظمات العمال إلى تسهيل ظروف الانتقال من القطاع غير المنظم إلى القطاع المنظم بهدف ضمان الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين فيه. وقد اتضحت أهمية هذه التوصية عند حلول جائحة الكوفيد 19 حيث تراجعت مداخيل العاملين في القطاع غير المنظم في العالم بمعدل 60 بالمائة وتراجعت بنسبة 90 بالمائة في البلدان الأشد فقرا مما جعل هذا القطاع يشمل مليارين من سكان العالم من جملة سبعة ملايين سنة 2020.
القطاع غي المنظم في تونس 
اتسع نطاق القطاع غير المنظم في تونس في السنوات الأخيرة بسبب تفاقم مظاهر الانهيار الاقتصادي والاجتماعي بعد 2011 وزيادة عدد العاطلين عن العمل سواء منهم المتخرجين الجدد أو المطرودين من عملهم أو العائدين من بلدان أخرى مثل ليبيا ثم التحق يهم ضحايا جائحة الكوفيد 19. وقد بلغ عدد العاملين في القطاع غير المنظم مليون وثلاثمائة ألف شخص حسب دراسة قام بها المعهد الوطني للإحصاء بالتعاون مع وزارة التكوين المهني والتشغيل في بداية السنة الماضية. وكشفت الدراسة أن نسبة المشتغلين في القطاع غير المنظم يمثلون 36 بالمائة من بين مجموع اليد العاملة النشطة.  
ويعاني العاملون في القطاع غير المنظم من تدني الأجور وتجاوز ساعات العمل 8 ساعات في اليوم وعدم التمتع بالراحات الأسبوعية والسنوية فضلا على تشغيل الأطفال دون السن الدنيا المنصوص عليها في مجلة الشغل. ولا ينتقع العاملون في هذا القطاع بالضمان الاجتماعي كما تنعدم لديهم الظروف الدنيا للصحة والسلامة المهنية التي أدى الاخلال بها في بعض الحالات إلى الوفاة. ويمكن تفسير ظاهرة العزوف عن الانضمام إلى القطاع المنظم بتشعب القوانين وتعقد الإجراءات الإدارية وارتفاع مبالغ الجباية بالنسبة للبعض وكذلك المساهمات المتعلقة بالضمان الاجتماعي مقابل تدني الخدمات الاجتماعية والصحية وخاصة نظامي التأمين على المرض والتقاعد. وليس للعاملين في هذا القطاع منظمات نقابية تدافع عنهم ولا توجد تقاليد في هذا المجال.
الاتحاد والقطاع غير المنظم 
 رغم أن موضوع القطاع غير المنظم ورد على المستوى الدولي في شكل توصية وليس اتفاقية فقد أولى له الاتحاد العام التونسي للشغل اهتماما في هذا الظرف بالذات بالنظر إلى اتساع رقعته وتأثيره السلبي على القطاع المنظم. وهكذا تمثل مبادرة الاتحاد خطوة جريئة في اتجاه اقتحام مجال عجزت أجهزة الدولة إلى حد الآن على السيطرة عليه وإدماجه في الدورة الاقتصادية الرسمية وإخضاعه إلى قوانينها. 
ويعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل أقرب المنظمات الوطنية والاجتماعية إلى العاملين بهذا القطاع بسبب اتساع إشعاعه وثراء خبرته مما سيمكنه من الالمام بشواغلهم والدفاع على مطالبهم وحسن تأطيرهم نقابيا علما وأن المعاهدات الدولية تقر بحقهم في التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية بمقتضى الاتفاقيتين الدوليتين عدد 87 وعدد 98 اللتين صادقت عليهما تونس منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي. وبإمكان الاتحاد تقديم تصوره لاستيعاب العاملين في القطاع غير المنظم وخاصة منهم الأجراء والضغط من أجل تفعيل الإجراءات المتعلقة بتكريس شمولية الحماية الاجتماعية التي نصت عليها التوصية عدد 202 لسنة 2012 المتعلقة بالأرضية الوطنية للحماية الاجتماعية. 
تلك هي دواعي اهتمام الاتحاد بالقطاع غير المنظم وإلحاقه بقسم الحماية الاجتماعية بالذات.