الذات الممزقة بين الكينونة والعدم في مجموعة "وقائع شتاء أخفتها الشمس" للشاعر رياض بوسليمي
بقلم الأستاذ علي الشيحاوي/ أستاذ فلسفة متقاعد
تخطى الشاعر رياض بوسليمي، في مجموعته الصادرة مؤخرا، الانفتاح على الآخر، يخاطبه بعيدا عن المألوف والمبتذل بطرافة اختص بها، لمّا اتخذ مدينته المسلوبة من روحها واقعا غير مرضي بتمثلات خياليّة يأمل من ورائها إدراك " حلم اليقظة " بذات إيديولوجية متمردة تنشق عن الواقع وتتصالح معه في نفس الآن.
ففي قصيدة بدت في مطلعها وكأنّها مرثية، سرعان ما انقلب الشاعر عن مدينته ثائرا وجوديا. تنكشف فيها ذاته المغتربة عن ذاتها، وعن المدينة المتموضعة فيها وهي خاوية من روحها، ساكنة لا تحركها الفصول في تعاقبها.
كل ما فيها يدعو إلى القلق والضجر والضياع إلى حد القرف، مدينة فقدت كل شيء وقد سقط منها كل شيء، عائمة في الظلمة وقد تعرت، لا حب فيها ولا عشق ولا فرح، تصحرت أرصفة شوارعها، فاغترب عنها شعراؤها، لا قصائد تتغنى بجمالها ولا عيون تبتسم في طرقاتها ولا سعف نخيل يرفرف في سمائها على حد تعبير شاعرها.
ما يحسب لشاعرها، أنّه لم يكتف بالتبرّم من واقعها، فنراه يتخطّى الضجر واليأس عتبة تعيق إسماءها بذات ترفض وترغب وتطمح. وهي في توقها تحفز تجديد انبعاثها بشمس لا بدّا لها من أن تليّن وهجها بنور يفتّق مكامن بهائها، وبحر يطفو على شطآنه بماء يغسل دموعها، وشوارع تعيد رسم حدود أرصفتها، وشعراء يلذ لهم المقام فيها، يتغنون بمجدها وجمالها.