محاكمة قيادة الاتحاد في 1978: عقيدة النقابيين في مواجهة مكيدة السياسيين
في 14 مارس أحيينا ذكرى وفاة الزعيم النقابي الوطني الحبيب عاشور عبر عدة خطب ومقالات وترجمات، فكانت أبرز محطة وقعت العودة اليها أو التذكير بها هي تلك التي تعلقت بمحاكمته صحبة رفاقه في المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية في ماراتون من الجلسات المرهقة بالطول والعرض انعقدت أولاها يوم 14 سبتمبر 1978 في قاعة ثكنة بوشوشة في باردو.
وفي شهر مارس من سنة 1978 وما قبلها وخاصة خلال الأشهر التي تلته كان حاكم التحقيق المكلف بالقضية يعمل ليل نهار لإنهاء الاستنطاقيات وتكييفها وترتيبها بالشكل الذي يؤدي الى ادانة النقابيين وإنزال أقسى العقوبات عليهم.
وغير خاف على أحد أن كبار المسؤولين في الدولة آنذاك بما فيها الحكومة والحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم كانوا يتابعون عن كثب كل التطورات سواء في الابحاث الابتدائية او لدى قاضي التحقيق وبعده لدى النيابة العمومية ودائرة الاتهام ويدفعون الى تكييف القضية على انها قضية حق عام بما انه وقع " تسجيل " اعتداءات على الأشخاص والممتلكات وعمليات سرقة ونهب وحرق أثناء الاضراب العام الذي نفذ يوم الخميس 26 جانفي 1978 وقعت نسبتها الى النقابيين وتحميلهم مسؤوليتها.
اما النقابيون أنفسهم، وفي الغالب الاعم، فقد كانوا يومها والأيام التي سبقت محاصرين في مقر الاتحاد، ممنوعين من مغادرته ولم يمكن لأكثرهم ذلك الا في اتجاه مكاتب وزنزانات وزارة الداخلية فيما حوصر أعضاء المكتب التنفيذي في نزل أميلكار واقتيدوا نفس اليوم الى مقر وزارة الداخلية حيث انطلقت الأبحاث الابتدائية تحت وطأة تعذيب غير مسبوق وضرب واهانة وعبث بكرامة الانسان.
ذلك أن السياسيين الحاكمين آنذاك لم يقبلوا للاتحاد ان يخرج عن سيطرتهم كما لم يرضوا لقياداته ان تكون مستقلة في قراراتها وحرة في فكرها. زد على ذلك أن حرب خلافة الرئيس بورقيبة اخذت تستعر في الكواليس واتفق المرشحون للخلافة ضمنيا على القيام بعملية فرز أولي قضت في جانب أول بإبعاد الزعيم الحبيب عاشور عن السباق كمرشح محتمل وفي جانب ثان بإبعاد من تزل قدمه من بين المتراهنين. والا فبماذا نفسر كون أحدهم تحول يوم 26 جانفي 1978 بالذات بعيدا عن العاصمة بنحو 300 كلم للقيام برحلة صيد فيما كانت البلاد تشتعل قولا وفعلا؟
إنها مكيدة السياسيين التي اصطدمت بصدقية عقيدة النقابيين.
في الحلقات الموالية من هذا الوثائقي الجديد نكتشف كامل أطوار وتفاصيل محاكمة أعضاء قيادة الاتحاد بسبب ما نسب اليها من مسؤولية عما جرى يوم 26 جانفي 1978 ابان الاضراب العام الذي وقع تنظيمه خلال يوم وصفته الصحافة بالخميس الأسود.