وثائقي

محاكمة قيادة الاتحاد في 1978 (6): جدل قانوني بسبب تجديد طلب التاخيروالمحجوز، انسحاب المحامين وتعيين بعضهم للدفاع وجوبا

نعود إلى أطوار محاكمة قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل أمام محكمة أمن الدولة في سبتمبر/ اكتوبر 1978 لاتهامهم بالمسؤولية عن الاحداث الاليمة التي حصلت يوم تنفيذ الاضراب العام الذي اضطرت القيادة لشنه الخميس 26 جانفي 1978 دفاعا عن استقلالية المنظمة.

وكنا مهدنا لهذا العمل التوثيقي بمقدمة عامة حملت عنوان  محاكمة قيادة الاتحاد في 1978: عقيدة النقابيين في مواجهة مكيدة السياسيين قبل ان نلحظ في الحلقة الاولى أن الصبغة السياسية للقضية فرضت عرضها على محكمة أمن الدولة ( محاكمة قيادة الاتحاد في 1978 (01): الصبغة السياسية للقضية تفرض عرضها على محكمة أمن الدولةونتطرق في الحلقة الثانية الى ملف القضية الذي جاء في كم كبير جدا من الصفحات اضطر المحامين الى طلب التأخير للاطلاع عليه في متسع من الوقت (محاكمة قيادة الاتحاد في 1978 (ح2): ملف القضية يقع في 10000 صفحة )

أما الحلقة الثالثة فقد عايننا خلالها الاجواء المتشنجة التي دارت فيه الجلسة الافتتاحية حيث كانت القاعة على صغرها مكتظة بالنقابيين المتهمين وعدد 39 شخصا ومعهم 76 محاميا ونحو 10 ضيوف من تونس ومن الخارج وقرابة 20 صحفيا وما لايقل عن 50 أمنيا وربما اكثر اضافة الى هيئة المحكمة وأقرباء المتهمين حيث شهد هذا الطور من محاكمة قيادة الاتحاد في 1978(ح3): استنجاد رئيس المحكمة بالزعيم الحبيب عاشور.

في الحلقة الرابعة من وثائقي محاكمة قيادة الاتحاد في 1978(ح 4) ، رأينا كيف طعن النقابيون في عضوية نائبين من مجلس الامة في عضوية هيئة المحكمة وذلك قبل ان نجيب عن سؤال مهم احتوه الجزء الخامس من محاكمة قيادة الاتحاد في 1978(ح 5): من هم النقابيون المتهمون بالمسؤولية عن أحداث 26 جانفي ؟

بعد 13 يوما

بعد تأخير بـ13 يوما لتمكين المحامين من الطلاع على الملف، استأنفت محكمة امن الدولة صبيحة الخميس 28 سبتمبر 1978 اشغالها في التاسعة و40 دقيقة. وافتتحت الجلسة بكلمة القاها الرئيس السيد محمد الطاهر الفاطمي قال فيها ان المحكمة تأذن لرجال الامن بان يساعدوها على حفظ النظام في قاعة الجلسة اثناء المداولات وتطلب منهم بان يخرجوا كل شخص يقوم باحداث هرج او تشويش بالقاعة وبذلك يمكن للمحكمة ان تقوم بواجباتها في هدوء وسكينة.
ثم شرع رئيس المحكمة في النداء على المتهمين الاربعة المحالين بحالة سراح والذين تقرر استنطاقهم في بداية هذه الجلسة وهم محمد الشلي والبشير المبروك ومسعود كليلة وسعيد قاقي (الا ان هذا الاخير كان متغيبا بسبب المرض). ونادى كذلك على الاساتذة المحامين الذين بلغ عددهم  76 محاميا.

تجريح جديد
ثم تلا رد السيد محمد الصالح العياري بوصفه رئيس محكمة امن الدولة عن مطلب التجريح الذي قدمه اليه يوم 20 سبتمبر الاساتذة عمار الجديدي وجمال الدين بيدة وخديجة المدني نيابة عن كل من محمد الصالح بن قدور والصادق بسباس وصالح برور وعبد العزيز بوراوي ومحمد الناجي الشعري وذلك طعنا في عضوية النائبين حسين المغربي وعبد الحكيم العيادي في هيئة المحكمة وذلك بهدف ردهما عن النظر في القضية.
ويعد مطلب التجريح هذا الثاني من نوعه الذي يقدم الى السيد محمد الصالح العياري بوصفه رئيسا لمحكمة امن الدولة بعد ان قدم اليه مطلب اول بصفته الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف كان قد رفضه.
وجاء في الرد على المطلب الثاني:«حيث يبدو ان مقدمي الطعن لم يابهوا لما سبق من النظر في نفس الموضوع ولا للقرار القطعي الذي اتخذ بالرفض يوم 14 سبتمبر 1978 وهو القرار الذي صدر عنا بوصفنا الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف، وحيث ان اختلاف الوصف لا يرفع معه سبب التجريح وبما ان تعليل الطاعنين ليس على مرتكز سليم ولذلك نصرّح باننا لا نستطيع قانونا ابداء اي رأي شكلي او موضوعي بالنسبة للتجريح ونقرر التنحي عن متابعة النظر في هذا الصدد»
 الدفاع يطالب تأخيرا جديدا 
على اثر تلاوة هذا الرد اعلم السيد محمد الطاهر الفاطمي الاساتذة المحامين بانه يتعذر على المحكمة سماع كافة المتهمين في الجلسة الجارية وانه تقرر ان تباشر استنطاقهم الواحد تلو الاخر وقد دعت المحكمة لهذه الجلسة المتهمين المحالين بحالة سراح والبعض من الموقوفين،

وهنا تناول الكلمة  الاستاذ الازهر القروي الشابي فتعرض الى نقطتين تتعلق الاولى بلائحة اعدتها الهيئة القومية للمحامين والثانية بمطلب تأخير النظر في القضية الى موعد اخر.
وقالت الهيئة القومية للمحامين في لائحتها انها فوجئت بما جاء في الكلمة الافتتاحية لرئيس المحكمة يوم 14 سبتمبر والتي توجه بها الى لسان الدفاع ناسبا له الجري وراء الشهرة واستعمال قاعة المحكمة منبرا للخطابة طالبا منه الاختصار في المرافعة مهددا اياه باستعمال الفصل 17 من قانون جويلية 1968، ورات الهيئة ان في هذا مسا بحقوق الدفاع واحتجت عليه.

72 يوما لقراءة الملف
وفي خصوص النقطة الثانية المتعلقة بطلب التأخير قال الاستاذ القروي الشابي: «لا يخفى على جناب المحكمة اننا كلسان دفاع كنا تقدمنا بطلب تأخير في هذه القضية التي تعتبر اكبر قضية مر بها القضاء التونسي فمنحتنا محكمتكم اسبوعين اذا طرحنا منهما ايام الاحد وعشايا السبت لم يبق الا عشرة ايام..
وبالرغم عن قصر هذه المدة فاننا جندنا انفسنا واجتهدنا لكي نكون في مستوى المهمة الملقاة على عاتقنا للمشاركة في إنارة الحقيقة وغاية ما توصلنا اليه هو اننا لم نستطع حتى اتمام نسخ الملف نسخا شمسيا والنيابة العمومية على علم بذلك وايمانا منا انكم تدركون مهمة الدفاع وانه لا يمكن ان يقوم بعمله اذا لم يطلع على الملف والوثائق فلقد قمنا بتجربة جماعية ووجدنا ان قراءة الورقة الواحدة تستغرق 5 دقائق واذا عرفنا ان الملف يعد 000 10 ورقة فان قراءته كليا تستغرق 50000 دقيقة اي 72 يوما فكيف اذن نستطيع قراءته في ظرف 10 ايام فقط..
فايمانا منا بانكم ستساعدوننا في الاطلاع على هذه الملفات ارجو نيابة عن كافة زملائي تأخير النظر في القضية الى أجل مناسب».
٭ رد السيد رئيس المحكمة بقوله:
عندما استجابت المحكمة لطلب التأخير  في المرة الاولى لم تصدر اية معارضة من لسان الدفاع هذا من جهة ومن جهة اخرى ان الجلسة لن تنتهي اليوم وسيتمكن لسان الدفاع من الاطلاع على الملف ومراجعة ما تخلف منه اثناء الاستنطاق.
٭ الاستاذ القروي الشابي:
اذكر سيدي الرئيس ان الطلب الاول كان بشهرين وكنا نعتقد انكم ستأخرون القضية بشهر ونصف او شهر على الاقل، ليس هذا من باب التهرب وانما للتمكن من القيام بهذا الواجب.
٭ الرئيس متجها الى ممثل النيابة العمومية:
ما رأي النيابة؟
٭ ممثل النيابة العمومية الرفض
٭ الرئيس (بعد التفاوض مع اعضائه): المحكمة ترفض طلب التأخير،
٭ وتدخل الاستاذ منصور الشفي ليقول:
«لي بعض الملاحظات.. تخص الاولى منها المحجوز فمنها حسب المحاضر وثائق لم يقع احضارها الان كما قيل لنا ان هناك قضبانا حديدية وحجارة لكنها لم تحضر ايضا ثم ان الكرات الحديدية وقع حجزها خارج مقر الاتحاد..
٭ قاطعه الرئيس:
ان الحديث عن المحجوز موضوع دفاع..
٭ الاستاذ الشفي (مقاطعا) اطلب احضار ما وقع حجزه في مقر الاتحاد فهذه الكرات الحديية حجزت خارج مقر الاتحاد.
٭ الرئيس (مقاطعا):
وما قولك في الكرات الحديدية التي بها سلسلة
٭ الاستاذ الشفي:
واحدة فقط
٭ الرئيس: احتفظ بهذا الكلام للدفاع
٭ الاستاذ الشفي:
لي ملاحظة اخرى تخص التجريح فقد قدمنا مطلبا..
٭ الرئيس:
لقد اجاب عليه رئيس محكمة امن الدولة.
٭ الاستاذ الشفي: لقد قدمنا مطلبا اخر الى الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ولذلك اطلب تأخير القضية حتى نتصل بقرار رئيس محكمة التعقيب.
٭ الرئيس: ان القانون لا ينص على ذلك والمحكمة تواصل اشغالها في انتظار ذلك..
٭ الاستاذ الشفي:
ان الجلسة علنية، الا ان عائلات المتهمين لم يتمكنوا من الدخول على انه يوجد بالقاعة من لا ينتمي الى المتهمين ولذلك فاني ارجو ان تأذن المحكمة للاهالي بالدخول الى القاعة.
٭ الرئيس:
ان الجلسة عمومية بالنسبة لجميع الناس وهي مفتوحة لمن يدخلها في حدود النظام واحترام الامن حتى لا يقع ما وقع في الجلسة الفارطة، وهناك في القاعة عائلات المتهمين.
نقاش حاد وانسحاب
ولما اعلن رئيس المحكمة عن الشروع في الاستنطاق، تدخل الاستاذ محمد بللونة فبدأت المناقشة بينهما وخاصة حول كيفية استنطاق المتهمين، فالاستاذ بللونة يطالب باحضارهم جميعا في الاستنطاق بينما يرد عليه رئيس المحكمة هل يوجد نص في القانون يحتم ذلك؟ فاجاب الاستاذ بللونة بان التهمة في هذه القضية واحدة، وردد بانه سينسحب اذا لم تمكنه المحكمة من الحديث.
٭ الرئيس: ماهو طلبك؟
٭ الاستاذ  بللونة: ساشرح اولا ثم ابين طلبي.
٭ الرئيس: ماهو طلبك بايجاز؟
٭ الاستاذ بللونة: اذن سانسحب.
٭ الرئيس: لك ذلك..
وانسحب الاستاذ بللونة من قاعة المحكمة وتبعه في ذلك بقية المحامين وكانت الساعة تشير الى العاشرة وخمسة عشرة دقيقة عندما اعلن السيد محمد الطاهر الفاطمي رئيس المحكمة رفع الجلسة واختلاء هيئة المحكمة للتفاوض.
 قرارجديد من المحكمة
في الساعة الواحدة بعد الظهر عادت هيئة المحكمة الى القاعة دون حضور ممثلي الدفاع.. واستعرض رئيس المحكمة اهم ما دار بالجلسة السابقة من مطالب قدمها لسان الدفاع واللائحة التي قدمتها الهيئة القومية للمحامين وانسحاب الاستاذ محمد بللونة ثم تلا حيثيات قرار اتخذبه المحكمة جاء فيها:
حيث ان لسان الدفاع المتمثل في 76 محاميا طلبوا تأخير النظر في هذه القضية وحيث اجابت المحكمة على ذلك بالتأخير ووضعت ملف القضية بكتابة المحكمة على ذمتهم وحضروا اليوم مع منوبيهم..
وحيث ان طلبهم اليوم بزيادة التأخير لم يوجد شيء يبرر قبوله وقد طلبت النيابة رفضه،
وحيث ان انسحاب الاستاذ بللونة بحالة غضب بعد ان تحدى المحكمة بحماسه الحاد وبتماديه في انتزاع زيه الرسمي امام المحكمة.
وحيث ان حضور المحامي واجب في المادة الجزائية وحيث انه يتوجب حسب الفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية تعيين محامي حتى لا يتعطل سير القضاء.. وحيث انه من جهة ان المحكمة ذكرت في جلستها السابقة لسان الدفاع بالفصل 17 من القانون المحدث لمحكمة امن الدولة وجاء ذلك تذكيرا منها  بفصل من فصول قانونها لاغير.
وحيث ان الاحتجاج المقدم بموجب ذلك يصبح لاغيا، ولذلك قررت المحكمة ما يلي:
ـ رفض العريضة المقدمة من طرف الهيئة القومية للمحامين.
ـ تعيين الاساتذة الاتي ذكرهم لمباشرة مهمة الدفاع عن المتهمين وابلاغهم بطاقة استدعاء للحضور في الوقت المعين.
ـ تأخير القضية لجلسة اليوم الموالي (الجمعة 29 سبتمبر 1978) على الساعة التاسعة صباحا.

المحامون المعينون وجوبا
وتلا الرئيس اثر ذلك قائمة المحامين المعينين وهم على التوالي الاساتذة:
محمد بالناصر ـ احمد شطورو ـ رؤوف النجار ـ البشير خنتوش ـ نورالدين الغزواني ـ عبد الرحمان الهيلة ـ محمد محفوظ ـ الدالي الجازي ـ عبد الوهاب القرامي ـ عبد السلام القلال ـ عبد الفتاح مورو ـ الباجي قايد السبسي ـ توفيق بودربالة ـ عبد العزيز بالقاضي ـ محمد الرافعي ـ راضية النصراوي ـ سعيد الشابي ـ الازهر القروي الشابي.