آراء حرة

جُلّهُمْ شُمَخْر ، بعضُهم شُمْخار،  فأي علاقة بين بطل "الفومولا وَانْ" والسُوَاق التونسيين ؟

كتب محمد العروسي بن صالح : وضعت هذا العنوان لمقالي منذ بدأت التفكير فيه مخصصا اياه للحديث عن حوادث السير والطريق وما تتسبب فيه من كوارث وآلام وأوجاع وخسائر. ولما كنت اعلم من خلال احصائيات مرصد المرور ان السرعة هي السبب الرئيسي في الحوادث، ربطت بينها وبين احد اقطابها في العالم، صاحب البطولات العالمية السبع الالماني ميكاييل شوماخر.
وحيث اعلم من خلال ما أراه يوميا، وخاصة في الأيام الأخيرة من شهر رمضان والساعات السابقة لموعد الإفطار، على طرقاتنا من افراط في السرعة وتفنن في الزيادة فيها، اصبحت قناعة عندي ان السائقين التونسيين شبيهون بالسيد شوماخر وان لم يكونوا كذلك فانهم يحاكونه ويعملون على قيادة سياراتهم بذلك الشكل المتموج الذي يعتمده بطل العالم في قيادة " الفيراري " وغيرها من سيارات سباق "الفورمولا وان"، بل انني في بعض الاحيان اتساءل ان لم يكن السيد شوماخر تونسيا او على الاقل عربيا او انه ورث بعض الجينات العربية من زيجات متشابكة مترابطة او علاقات متقاطعة من سلالات نشأت في تونس او في ارض العرب وانتقلت بحكم عوامل عديدة الى المانيا فأفرزت فيما افرزته بطلا مغوارا في سباق السيارات، خاصة وان لقبه اقرب الى اللغة العربية منها الى اي لغة أخرى نطقا ودلالة.


كل مفرط في السرعة شُمخور
 لذلك كله كنت ومازلت كلما ارى سائقا مفرطا في السرعة، قلت عنه انه شوماخر او ابن عمه او قريبه او بعض منه. والتصاقا بالواقع المحلي، وخاصة كلما علمت بحادث مريع، سميت السائق شُمْخور او شُمَخْر كما جاء في المعاجم العربية، وترون ان هذه اللفظة بالذات أقرب ما يكون نطقا الى شوماخر الالمانية.
على انني وبحكم تأثير اللغة الفرنسية، اميل الى تسمية السائقين المفرطين في السرعة  شُمْخار، قياسا على لفظة " شوفار" الفرنسية ( chauffard)     
تأتي هذه اللفظة من فعل  ( chauffer ) وتعريبها سَخّن والفاعل منها "شوفور" اي مُسَخّن المكان او مسخن الالة او القاعة. لذلك يقولون عن ذلك الذي يشحن الاجواء في بلاتوهات التلفزيون او مقابلات كرات اليد والسلة والطائرة او اجنحة ملاعب كرة القدم انه مسخن وترجمته الى الفرنسية  ( le chauffeur de salle ).
واطلق نفس الاسم على من يجعل محرك السيارة ساخنا وبالتالي جاهزا لدفعها. كانت السيارات في اول ظهور لها تعمل بمحركات ثقيلة وتحتاج طيلة وقت طويل للتسخين قبل انطلاقها حتى لا تتوقف اثناء السير. ولان من يفعل ذلك يواصل قيادة السيارة فقد سموه
(chauffeur ). ولان بعضا من هؤلاء يفرطون في سرعة السياقة نتيجة الافراط في التسخين فقد سموهم (chauffard)
لكن بملاحظة ان من يسخن السيارة قد لا يكون سائقها، اصبح الفرنسيون يتحدثون عن قائد السيارة (conducteur) للتفريق بين الوظيفتين.


في المعاجم والمناجد 
ظننتني قد فتحت فتحا واضفت للمعجم العربي لفظة جديدة.  الا انني بمراجعة بعض المعاجم وعلى راسها لسان العرب وجدت الفاظ كثيرة قريبة جدا اي تختلف عنها اختلافا طفيفا في الشكل والنطق.
فقد جاء في لسان العرب وهو من ارقى واجود و اوسع المعاجم العربية قول العرب :

الشُّمَّخْرُ والشِّمَّخْرُ من الرجال، الجسيم وقيل الجَسيم من الفُحُول وكذلك الضُّمَّخْرُ والضِّمَّخْر  وقيل هو الطَّامحُ النَّطَر المتكبِّرُ ويقال رجل شِمَّخْر ضِمَّخْر إِذا كان متكبراً وامرأَة شُمَّخْرة طامحة الطَّرْف وفيه شَمْخَرَة وشَمْخرِيرة أَي كبر.
وجاء في تاج العروس وهو معجم عربي آخر قول العرب:

الشَّمْخَرَةُ : الكِبْرُ  . واشْمَخَرَّ : طالَ .  وقيل : المُشمخرُّ : العالي من الجِبالِ وغيرها . والشماخيرُ : جِبالٌ بالحجازِ بينَ الطائفِ وجرشَ  . والشُّمَّخْرُ  : المتكبرُ . و المتغضبُ وذلكِ من خُبثِ النفسِ.


متكبر متغضب خبيث
 وجدت ضالتي في هذه الشروح فالذي اقصده هو ذلك التكبر والتغضب والخبث الكامن في السائقين المفرطين في السرعة حيث انهم اذا صادفوك امامهم امطروك بشتى انواع التنبيه وتجاوزوك من حيث لا تدري ونظروا اليك شزرا وسبوك وشتموك وامام عيالك ومرافقيك ضحكوا منك وهزؤوك.
فهم يتكبرون بما يتوفر لهم من سيارات فهي في الغالب من الطراز الرفيع ومن النوع القوي وهي في العموم جديدة وضخمة ومرتفعة عن الارض بحيث ان سائقها لما يمر بجانبك ينظر اليك من فوق واذا كانت ترافقه آنسة او سيدة جميلة قهقهت وهي ترمقك وان كان مرافقه شابا أراك اسفل قدميه. اما بقية الراكبين فيرمون على بلور سيارتك ما فرغ من علب وقوارير وما زاد عن حاجتهم من اكل وبقايا.
 وزد فتأكد ان اغلبهم لا يحتكم على تجربة في السياقة وقد لا يكون حاملا لرخصة حيث يرى انه لا يحتاجها بما انه تعلم على عين المكان في كذا سيارات وجدها قريبة منه وطوع بنانه منذ ولد. وزد فاعلم انه اذا أخطأ، فان الوالد او احد مساعديه يتولى كل التبعات. اما ثالثة الاثافي فهي تلك التي تبلغك عند تعرض احدهم الى مكروه، حيث يصبح كما تقول الطرائف الشعبية "حمار القاضي " وتنظم من اجله مهاترات العزاء ومهرجانات التخليد ويقام له سكن في قلوب الملايين رغم انوفهم.


الاجراءات العشر
خلاصة القول انه وجب التصدي للشماخير ولغيرهم من مخالفي قانون الطرقات وخاصة اذا كانوا بتهورهم يتسببون في مآسي وآلام لغيرهم ولذويهم ويحملون البلاد خسائر جمة في الارواح والأموال.
فقد وجب الردع بكامل الصرامة من خلال تطبيق القانون بشدة وحزم واتخاذ اجراءات اضافية منها:
-    ترفيع سن الحصول على رخصة السياقة الى 25 سنة
-    فرض استعمال حزام الامان في كل آن وحين وعلى جميع راكبي اي سيارة وخاصة اذا كانت مستعملة في النقل الجماعي
-    تخصيص نسبة 10  الى 15 بالمئة من معاليم المخالفات لفائدة الاعوان الذين يقومون بملاحظتها وتحريرها
-    حجز اوراق السيارة المخالفة ولم لا السيارة في حد ذاتها عند ملاحظة السرعة المفرطة الى اليوم الموالي
-    الحد لدى المصنعين من قوة دفع المحركات وضبطها عند 110 كلم في الساعة وتوظيف أداء مشط على من لا يتقيد بدلك الضبط.
-    وقف السهرات في المحلات الشبابية والمهرجانات والحفلات العامة والخاصة عند منتصف الليل
-    كسر المسافات الطويلة بحواجز امنية بغاية كسر الجنوح الى الافراط في السرعة
-    نصب المزيد من رادارات مراقبة السرعة في كل الطرقات وخاصة منها المشجعة على الافراط في السرعة وتشغيل ما هو متوقف منها عن العمل.
-    التشهير بالسائقين المعاقبين من اجل الافراط في السرعة ونشر قائمة بأسمائهم
-    نشر قائمة في السيارات التي لم يعرضها اصحابها على الفحص الفني والتشهير بهم.
لمن لا يعلم فان ميكاييل شوماخر تحصل على بطولة العالم في سباق السيارات لسبع مرات كان في بعضها يسوق سيارته بسرعة تزيد عن 300 كلم في الساعة. هو الان طريح الفراش، نتيجة حادث تزلج على الجليد، حيث عاش إغماءة طالت اكثر من عشر سنوات أفاق منها في الأشهر القليلة الماضية.

----------
•    هذا المقال كتبته منذ سنوات ونشرته بعدة محامل، أحيانا باسم مستعار، رأيت اليوم إعادة نشره بعدما لاحظته من حوادث مرور وتجاوزات شتى لا سيما في شهر رمضان وفي الساعات السابقة لموعد الإفطار.