الحبيب عاشور أثناء محاكمة قيادة الاتحاد في (22) 1978: أنا تونسي ونصف ومن كال لي التهم " ضربني وبكى، سبقني وشكا "
أي إجابة تتوقعونها من الزعيم الحبيب عاشور لما سأله القاضي هل أنت الحبيب عاشور ثم زاد فسأله هل أنت تونسي؟ قبل ان تقرِوا التفاصيل، أن التصادم حصل بين الرجلين منذ الوهلة الأولى واستمر كذلك الى آخر الحصة.
فقد ختم رئيس المحكمة التي انتصبت لمحاكمة قيادة الاتحاد في 1978 جلسة الاستنطاق بدعوة الزعيم الحبيب عاشور الأمين العام للاتحاد والمتهم الرئيسي الى قفص الاتهام ليسأله عن التهم الموجهة.
أبدل الرئيس طريقة إلقاء أسئلته. من عادته أن يسأل بصيغة مباشرة ما اسمك وما هي جنسيتك؟ لكنه مع الحبيب عاشور سأله هل انت الحبيب عاشور كما سأله هل انت تونسي؟ اقرؤوا التفاصيل في الحلقة 20 من محاكمة قيادة الاتحاد في 1978
الرئيس: انت الحبيب عاشور؟
ـ نعم
ـ اسمك الكامل
ـ الحبيب بن حسين بن محمد عاشور
ـ انت تونسي الجنسية؟
ـ «تونسي ونصف»
الرئيس: انا لا أفهم هذه الملاحظة، الذي يهمني هي القوانين التي أمامي، أين ولدت؟
ـ بالعباسية بقرقنة يوم 25 فيفري 1913
ـ متزوج؟
ـ نعم ولي 10 أبناء
الرئيس: انت مهنتك أمين عام للاتحاد العام التونسي للشغل؟ ـ هل لك وظيفة أخرى
ـ الحبيب عاشور: عضو بمجلس الأمة ولي صفة أخرى
الرئيس: ماهي؟
الحبيب عاشور: كاهية رئيس الجامعة العالمية للنقابات الحرّة (سيزل)
الرئيس: هل لك وظيفة أخرى غير هذه يعني معلم أو كاتب؟
ـ عاشور: لا
الرئيس: أنت مُحال على هذه المحكمة من اجل اعتدائك على أمن الدولة الداخلي وذلك بارتكابك جريمة الاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وتحريض السكان على الاعتداء على بعضهم بعضا بواسطة السلاح واثارة الهرج ممّا أدّى إلى القتل والحرق والنهب وهو ما حصل يوم 26 جانفي والأيام التي قبله فلماذا قمت بهذه الأفعال؟
عاشور: أريد أن أقول كلمة وهو ان الذي وجّه إليّ هذه التهمة قد لا يعرفني جيدا.
الرئيس: هذه التهم اقرّها حاكم التحقيق على ضوء بحثك
عاشور: التحقيق لم يتمّ وقد طلبت من المحكمة في جلسة يوم 14 سبتمبر هل في امكان المجلس ان يستكمل التحقيق فأجبتم بأنّ ذلك في الامكان، انّ البلاد التي اتهمت بحرقها قد سقيتها بنصف دمي...
الرئيس: لكل ظروف أسبابها ومسبباتها
عاشور: أرجو ان تسمح لي بالكلام
الرئيس: هل تريد ان تتكلّم انت وتصمت المحكمة، انتظر حتى نوجّه لك الأسئلة ثمّ تجيب
عاشور: أنا لن أجيب، وانّما أقول مردّدا مثلا شعبيا عرفته في قرقنة وأنا صغير يقول: «ضربني وبكى، سبقني وشكا» فنحن قد تعرضنا للضرب ثمّ قدموا ضدّنا شكاوي وها نحن نحال أمامكم متهمين وقد وجهت رسالة لرئيس الدولة وذكرت له البعض من الجناة الحقيقيين وأنا اعتبر هذا مؤامرة ضدّي،
الرئيس: هل انت مستعد للإجابة عن الأصل هل قمت بالأفعال المنسوبة إليك؟
عاشور: لقد قلت «ضربني وبكى، سبقني وشكا»
الرئيس: هل قمت بشن اضراب أم لا؟ أجب بنعم أو لا؟
عاشور: لا أجيب، هذه البلاد مدينة لي بتحريرها، الرئيس بورڤيبة لم يكن ليبقى على قيد الحياة الى حدّ الآن لو لم أنقذه شخصيا 4 مرّات من الموت كيف يقال لي الآن اني أحرقت البلاد.
الرئيس: يا حبيب، لا تذهب بنا الى بعيد اننا نملك ملفا ننظر فيه ولا ننظر فيما هو خارج عنه ودور المحكمة يقتصر على سؤالك هل فعلت ما نسب اليك أم لا
عاشور: التهمة كلّها سياسية ومرتكزة على السياسة وقد قلت ألف مرّة للوزير الأول انّني لا أريد الحكم، وطلب مني كم من مرّة بأن اقترح عليه وزيرا او اثنين من النقابيين، والشخص الذي كان ماثلا أمامكم منذ حين (محمد عزالدين) اقترحوا علي تعيينه وزيرا كما طلبوا منّي تعيين الصادق علوش وزيرا فرفضت، لأنّنا لا نحب الحكم وأنا بعيد كل البعد عن الاجرام.
الرئيس: هل قمت بالأفعال المنسوبة إليك؟
الحبيب عاشور: كان من الأفضل الاّ توجه اليّ هذا السؤال، كما كان من الأفضل الاّ توجد هذه التهمة بالمرّة.
الرئيس: لماذا حسب رأيك تمّت الجريمة يوم الاضراب بعينه؟
عاشور: لن أتكلّم في هذا الموضوع لسببين اولا لأنّ البحث لم ينته ثانيا انني أطالب بالمحامين الذين كانوا معي منذ البداية.
الرئيس: المحامون الذين كانوا معك لا يزالون الى حدّ الآن بجانبك وهم الأساتذة: عبد الرحمان الهيلة، الأزهر القروي الشابي، محمد بن الناصر، البشير خنتوش وهكذا ترى أنّ لسان الدفاع معزّز في جانبك.
٭ وهنا تدخل الأستاذ البشير خنتوش ليقول:
كنّا طلبنا بإحضار شهود ذكرنا اسماءهم ووقع سماع البعض منهم ولم يقع سماع الآخرين ومنهم السيدين الحبيب الشطي والطاهر بلخوجة.
وأنا أؤيد كلام منوبي من انّ البحث لم يتمّ حتى الآن وحضوري اليوم في صف الدفاع انّما هو بموجب التعيين.
عاشور: الأستاذ البشير خنتوش لا يعرف كثيرًا عن الملف.
الأستاذ خنتوش: لأنّني لم أطلع عليه.
الحبيب عاشور: الأستاذان منصور الشفي والهادي بوفارس على علم بقائمة الشهود الذين أطلب سماعهم وان شئتم ذكرت لكم أسماءهم:
أولا أعضاء الديوان السياسي
الرئيس: من هم؟
عاشور: أنت تعرف
الرئيس: أنا لا أعرف أحدًا منهم
عاشور: أعتقد انّ كل تونسي يعرفهم
الرئيس: اذكر اسماءهم
عاشور: الهادي نويرة، محمد الصياح، الطاهر بالخوجة، محمد مزالي، محمد الفيتوري، التيجاني مقني، محمد غديرة، فؤاد المبزع، الفرجاني بالحاج عمّار ـ الصادق المقدم وعبد الله فرحات
الرئيس: انّ مطالبك مسجلة لدينا فهيا نسترسل في استجوابك
الحبيب عاشور: شهادة هؤلاء هي أساس نجاح مهمتكم لأنّي سأتحدث عن الصلح الأول بتدخل من رئيس الدولة والصلح الثاني واذا ذكرت هذا الموضوع بدون حضورهم فإنّ ذلك يستدعي منّا يومين من الأشغال
الرئيس: كل طرف في القضية له الحق في ابداء طلباته والمحكمة تنظر في هذه الطلبات وتجيب عليها
عاشور: متى يقع ذلك؟ يجب ان يحضروا الآن هنا في القاعة
الرئيس: المحكمة تطلب منك بأن تجيب عن أسئلتها
عاشور: لي شهود آخرون أطالب بإحضارهم وهم أبو اياد (عضو قيادة منظمة التحرير الفلسطينية) و محمد صفر (عضو مجلس الأمة وعضو الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة) وبالومبا
الرئيس: من هو هذا الشخص؟
عاشور: مدير مؤسسة
الرئيس: هل هو موجود بتونس؟
عاشور: نعم، ثمّ الأخضر التليلي مدير شركة «سياب» سابقا وأظنّه موجود الآن بڤابس، وحمادي الاصرم مدير معمل البلور ولا أذكر البقيّة.
الرئيس: سجلنا لك ذلك، هيا نعود الآن الى الاجابة عن الأصل لقد عيّنت لك المحكمة أربعة من أبرز المحامين بالبلاد ولم يبق وجه لتمسكك بطلب احضار محامين آخرين.
عاشور: لقد حضرت في الجلسة الأولى يوم 14 ولم احضر جلسة يوم 28 سبتمبر وسمعت ما حصل...
الرئيس: (مقاطعا) أنت اليوم أمام المحكمة واذا أردت أن تبدي ملاحظة فأنت حر،
عاشور: هل أنا فعلا حرّ؟
الرئيس: لقد طلبت سماع الشهود وسجلنا لك ذلك ووعدتك المحكمة بالنظر في ذلك
عاشور: (مقاطعا) انا لم أحضر يوم 28 سبتمبر ولكن قبل هذا التاريخ اتصل بي المحامون الأصليون وأعلموني بأنّهم غير قادرين على الدفاع عنّي لأنّهم لم يتمكنوا من الاطلاع على عشر الملف لقصر الوقت وأنتم كلفتم مجموعة من المحامين للدفاع عنّي فكيف يمكن لهم أن يفعلوا ذلك في هذه الظروف.
الرئيس: لقد اختارت لك المحكمة من بين محامييك الاصليين من هم معيّنون الآن
٭ وهنا تدخل الأستاذ بن ناصر ليقول: قابلت السيد الحبيب عاشور يوم 25 سبتمبر وأعلمته بأنّني سأطلب التأخير لقصر الوقت ولعدم تمكننا من الاطلاع على كامل الملف.
عاشور: ومنذ ذلك اليوم لم أر الأستاذ بن ناصر
الأستاذ بن ناصر: لم أتمكّن من ذلك وأنتم تعلمون ان المحاكمة تنتهي في ساعة متأخرة وصادف أن كان ذلك يومي الجمعة والسبت حيث يتعطّل العمل الاداري في العشية...
عاشور: المحامون الأربعة المعينون هم من بين من ذكروا لي أنّهم غير قادرين على الدفاع
الرئيس: ان موضوع المحامين قد أخذ حظّه
عاشور: (مقاطعا) انني اتساءل سيدي الرئيس:
المحامون الأصليون الذين مكّنتهم من أجرتهم قالوا بأنّ الوقت ضيق للاطلاع على الملف،، فكيف يجد الوقت الكافي من عينتهم المحكمة مؤخرا، ثمّ الاترون انّه يجب استشارتي كمتهم قبل تعيين هؤلاء المحامين للدفاع عنّي؟
الرئيس: حرصا من المحكمة على أن توفّر لك الضمان الكافي في صف الدفاع فقد اختارت لك محامين أكفاء.
٭ الأستاذ الهيلة (مقاطعا) ليقول:
المحكمة بصدد مناقشة منوبي ودرءًا لأيّة مسؤولية تثقل كاهلي في هذه المحاكمة التاريخية والاستثنائية الهامة وخاصة بالنسبة لي كمحام للسيد الحبيب عاشور فنحن نؤدي واجبنا بكامل الشرف والاستعداد بمثل ما أوجبه نصّ التعيين الذي أشارت إليه المحكمة في قرارها.
وقد حضرت في هذه القضية طورين من الاستنطاق يتعلّق الأول بالمثول أمام السيد حاكم التحقيق وتجدون انني كررت لدى السيد حاكم التحقيق طلب تمسكنا بالاطلاع على محاضر الأبحاث لما كانت لديه علما أنّ القانون يخول لنا ذلك خاصة وأنّه ينص على امكانية الاطلاع على محاضر الأبحاث بعد 24 ساعة من مثول المنوب أمام حاكم التحقيق.
وأقول علنًا بأنّ السيد حاكم التحقيق قد رفض طلبنا وكررنا الطلب عدّة مرّات ثمّ فوجئنا بتعيين الجلسة وحضرنا بدايتها يوم 14 سبتمبر ولا أحد منّا يمسك ورقة واحدة من ملف القضية.
وطالبنا يومها بالتأخير، لمهلة ممكنة فارتأى اجتهادكم ان تكون هذه المهلة خمسة عشر يوما بذلنا فيها جهدًا متواصلا وسخرنا آلة التصوير التابعة لمكتب هيئة المحامين حتى يتمكّن كلّ واحد منّا من مسك نسخة من ملف القضية والاطلاع عليه.
وتعذّر علينا هكذا الاتصال بمنوبينا لأنّنا عملنا أكثر من 15 ساعة يوميا لنسخ الملف بالرغم من أنّي استمد شخصيا نيابتي من المنوب فأواجهه بالتهم المسلطة عليه وبالأدلة والقرائن القائمة ضدّه وأتلقى منه ما يمكن ان يساعدني على القيام بالواجب.
ولهذا نظرًا لأنّ الملف الموجود أمامك لا تستطيع الحصول عليه حتى نتمكّن من الاطلاع على البقية التي لم ننسخها وحتى نقوم بواجبنا كما يقتضيه قانون المهنة فإنّني أؤكد كلّ هذا للحقيقة وللتاريخ وأؤيد ما جاء على لسان منوبي من أنّني لم اتصل به وذلك حتى يستريح الضمير.
الرئيس: هذه ملاحظة موجهة للمحكمة؟
عاشور: كنت أريد توجيه سؤال إلى المحامين والآن وبعد أن تكلّم الأستاذ الهيلة فقد تحصلت على الجواب، فهل انّ الدفاع في حالة تسمح له بأداء واجبه مرتاح البال والضمير، لقد أجابوا بأنفسهم على ذلك بالنفي.
سيدي الرئيس، بالنسبة لي ولربي الذي يعلم الحقائق ليست هناك قضية قائمة ضدّي ولو كان الأمر يتعلّق بتهمة عقابها شهر أو شهرين، فإنّني أسجلها معها مع ما قضيته بالسجون أثناء حياتي أمّا والأمر يتعلق بصرامة الفصل 72 الذي ينصّ على الاعدام وقد تذمّر المحامون الأصليون من كبر ملف القضية فما هو موقف المحامين المسخرين؟
الرئيس: لقد أجبت عن التهم بأنّك بريء وفي خصوص الدفاع فقد استفرغت المحكمة جهدها القانوني لتوفّر لك كل الضمانات وطالبت بعدّة أسماء فسجلنا لك ذلك فلنعد إلى الاستنطاق.
عاشور: إذا حضر الأستاذ منصور الشفي وإذا أعلمني المحامون بأنّهم مستعدّون للدفاع وإذا أحضرتم الأستاذ الهادي بوفارس الذي قام بإعداد القضية وتفرغ لها طيلة شهرين وحتى لا يذهب عمله سدى فإنّي مستعد للإجابة.
الرئيس: اذن المحكمة تامر بإخراجه من القاعة.