وثائقي

محاكمة قيادة الاتحاد في 1978 وتحليل مستفيض من ممثل النيابة العمومية حول انجازات الحكومة ورفض النقابيين

في مرافعته المطولة أمام محكمة أمن الدولة التي انتصبت خريف 1978 لمقاضاة القيادة النقابية، تعرض ممثل النيابة العمومية الى ما اسماه انجازات مؤكدا أنها جعلت بلادنا " مثال يحتذى، مثال لافريقيا مثال لكل بلدان العالم، ثلاث عبارات تدل على مدى نجاح السياسة التعاقدية التونسية حتى اصبحت مضربا للامثال لا على لسان التونسيين انفسهم بل على لسان الاجانب ذلك ان هذه السياسة فريدة من نوعها في العالم الثالث.
وليست هذه التصريحات من قبيل المجاملة وانما املتها نتائج ملموسة لا ينكرها الا جاحد فمثال الاجر الادنى يكفي دليلا على مدى ما بذل من مجهود في سبيل تحسين حالة العملة فبين سنتي 1970 و1977 ارتفع الاجر الادنى الصناعي بنسبة 130% وارتفع الاجر الادنى الفلاحي بنسبة 120% وهذا بغض النظر عن الزيادات التي يتمتع به سائر اصناف العاملين عن طريق القوانين الاساسية ومنح الانتاج والزيادات المقررة في مناسبات عديدة واخرها ما جاء به العقد الاجتماعي من مبالغ هامة وما تضمنه من فتح للافاق طيلة المخطط الخامس وكذلك ما وقع سنه من قوانين لفائدة اصناف العملة والموظفين مثلما تشهد به اوامر وقوانين لفائدة اصناف العملة والموظفين مثلما تشهد به اوامر وقوانين اذكر منها.

أمثلة عن الانجازات 
I ـ في قطاع الوظيفة العمومية زيادة في اجور الموظفين وعملة الدولة بلغت بين سنة 70 و76 مائة وثلاثين في المائة.
ـ مراجعة الارقام القياسية مما مكن من زيادة تتراوح بين 6د و8د للاصناف الصغرى من الموظفين ومراجعة مبلغ منحة الانتاج بزيادة 40د و25د بالنسبة للاعوان الوقتيين والمترسمين من صنف س ود مما مكن من رفع مبلغ المنحة من 120د الى 200د لصنف س و50د لصنف د،ومراجعة الاجور الدنيا لعملة الدولة بزياداة 3د، شهريا للصـــنف الاول و2د، للصنف الثاني و1.700د للصنف الثالث.
ـ ارتفـــــاع الاجر الادنى الفلاحي من 800م في اليوم (22 ماي 1971) الى 900م في اليوم (3 جوان 1975) الى 1200م (2 فيفري 1977) الى 1332 م (26 افريل 1978).
ـ ارتفاع الاجر الادنى من 130م للساعة (30 جانفي 1974) الى 145م (3 جوان 1975) الى 193م (2 فيفري 1977) الى 214.25 (26 افريل 1978).
ـ الموافقة على 45 قانونا اساسيا تهم الدواوين والشركات القومية والشبه القومية تطبيقا لقانون 3 جوان 1968 والمتعلق بالقانون العام لتلك المؤسسات:
ـ المصادقة على 39 عقدا مشتركا تهم 90% من عملة المؤسسات الخاصة تطبيقا للعقد المشترك الاطاري الذي وقع سنه في 29 ماي 1973.
ـ الموافقة على عقود مشتركة تهم مؤسسات اجنية تعمل  في تونس ومنها (ترابسا trapsa) وفرنسا الجوية (وسيكوواك sicoac).
2 ـ تحسينات هامة لنظام الضمان الاجتماعي من ذلك:
أ ـ تمتع العملة الفلاحيين ببعض من ميزات الضمان الاجتماعي (منح المرض ـ الولادة ـ الوفاة ـ العلاج المجاني).
ب ـ تمتع البحارة بجميع ميزات الضمان الاجتماعي.
ج ـ بعث نظام لتمكين عملة القطاع الخاص غير الفلاحي من منح الشيخوخة والعجز والمعاش.
د ـ توحيد نظام التقاعد الاجباري وبانظمة اختيارية للتقاعد في هيكل جديد cavis 
هـ ـ الزيادة في مقدار المنح العائلية بنسبة 37 في المائة.
وـ الشروع في بناء خمس مصحات للعمال وانجاز مشاريع سكنية هامة.
ز ـ مراجعة علاقتنا مع انظمة الضمان الاجتماعي بفرنسا وليبيا والجزائر والمانيا وهولاندا واللوكسمبورغ تحسينا لامتيازات عمالنا المهاجرين.

كيف له ان يدعي ما ادعى
فهل بعد هذا يمكن التعلل بالحالة الاجتماعية لتفسير الاضطرابات؟ كيف يمكن ان ترمي سياسة الحكومة في مجلس الاتحاد المنعقد ايام 8 و9 و10 جانفي 1978 بانها تقوم على «امتصاص دم الجماهير وتفقيرها باستمرار» وكيف يمكن ان يدعي عبد الرزاق غربال «ان النظام معاد لمصالح الطبقة الشغيلة ومبادئ الاتحاد العام التونسي للشغل المتمثلة في الحرية والديمقراطية ويقف امام كل من يريد الدفاع عن مصالح الوطن والشعب.
الواقع ان هذه التصريحات تدخل في نطاق مساعي الحاقدين على نجاح السياسة التعاقدية وعلى نموذج المجتمع الذي تحققه هذه السياسة فبقدر ما يتضح توفق هذه السياسة يزداد حقد اناس يدينون بمعتقدات لا تقبل ما نؤمن به من ضرورة احترام كرامة المواطن وحقوقه ويرفضون نموذج المجتمع الذي اختارته اغلبية الامة وقد تسربت النزعات الى الاتحاد واستغلته وسيلة لافشال هذه السياسة بواسطة الاضرابات التي ما انفكت تتزايد فقد بلغت في عام 1970 عدد 123 اضرابا نتج عنها ضياع ساعات عمل بلغت 812 48 وفي عام 1974 بلغت عدد 114 اضرابا نتج عنها ضياع ساعات عمل بلغت 496 368 وفي عام 1976 بلغت 372 اضرابا نتج عنها ضياع ساعات عمل بلغت 301 104 وايام 378 130 وفي عام 1977 بلغت 452 اضرابا نتج عنها ضياع ساعات عمل 482 1207 وايام بلغت 933 150.
فهل ان الاضرابات تسائر تطور المكاسب الاجتماعية وتكثر كلما تحقق الكثير من المكاسب؟
وتضاعف حقدهم بعد ابرام العقد الاجتماعي حسبما تشهد به العريضة التي امضوها بمناسبة انعقاد مؤتمر الاتحاد ولئن انكرت قيادته وجودها وقدمت شكوى بمراسل جريدة لوموند التي نقلت خبرها فان القضاء لم يجد بدا من حفظ القضية نظرا لاستظهار المراسل المذكور بنص العريضة مشفوعة بالامضاءات.
وتنكر المتهمون لما التزموا به بالامس وتملصوا من تعهداتهم وعبروا عن عدم الرضا بسياسة شاركوا في وضعها وتطبيقها، كل ذلك رغم ان هذه السياسة لم تتغير وان النتائج كانت خاصة لصالح الشغالين والاصناف المتواضعة من الشعب التونسي، وشرعوا في تنفيذ الخطة بالاضرابات التي تكاثرت وجرت بصفة تصاعدية حسبما اشرت لذلك خلال عامي 1976 1977 واوائل 1978 سواء منها الاحتجاجية المتولدة  عن حادثة «ما يسمى بالتهديد بالاغتيال» او الاضراب العام ملحقة ضررا فادحا باقتصاد البلاد على نحو ما فصل بقرار البحث ولم تكن مبنية على مطالب نقابية في مجموعها وانما الغاية من اغلبها بث الفوضى وتسميم الافكار حسب خطة مبيتة ومبنية على نظريات علمية تعتمد على الاستفزاز واثارة الاحداث واستغلالها، وفعلا فان الطريقة التي انتهجت خلال عام 1977 وبصفة جلية يوم 26 جانفي 1978 بتونس لم تكن حديثة بل عرفها التاريخ ويرجع عهدها الى اواخر القرن التاسع عشر.

فكرة الاضراب وتأثيرها
فهذا الفرنسي «اميدي دينوا» Dunois Amédée يصرح يوم 27 اوت   1907 بان «فكرة الاضراب العام لها تأثير كبير على نفسية جماهير العملة».
وقال «فيرناند بولاتيي» Fernand Pellatier في كتابه  تاريخ بورصة العمل «يتحتم على المهرجين المساهمة في المنظمة الشغيلة وان يعملوا على توعية العملة واشباعهم بافكارهم حتى افهامهم بانه يتعين عليهم ادارة شؤونهم بانفسهم وان يعملوا في يوم ما على الاطاحة بكل شكل سياسي موجود ولكن ايضا على تحقيق كل محاولة لتكوين نظام جديد».
اما «ايميل بوجي» فيضيف (بان نشاط الطبقة الشغيلة المباشر يظهر بمظاهر متعددة حسبما يقتضيه المقام من قيام باضرابات وبالنهب والتخريب واحداث الفوضى وان اهم سلاح للعمال هو الاضراب الجزئي الذي يهيئهم الى الاضراب العام الذي يكون منطقا للثورة) فما الذي الجأ القيادة السابقة للمنظمة الشغيلة الى المناداة الى الاضراب العام ليس ذلك الا بغية رمي البلاد في بوتقة من النار والدماء لتنفيذ مراميهم السياسة تماشيا مع نظرية بث الشغب التي اشرت اليها وفعلا هل كانت كل الابواب الاخرى موصدة امامهم على فرض اصطباع مطالبهم بالصبغة النقابية جدلا ولماذا اقدموا وهم يدعون الدفاع عن الحرية والديمقراطية الى بث الرعب في قلوب العملة وارهابهم وفرض اتجاهاتهم عليهم بالعنف عندما قرروا وهم كثرة بوازع من التربية الوطنية والنضج عدم الامتثال الى نداء  الاضراب وخيروا الالتحاق بمراكز عملهم.
فماهو ذنب التجار الذين وقع نهب محلاتهم؟ وماهو ذنب الاشخاص الذين حرقت سياراتهم وماهو ذنب المواطنين الابرياء الذين وقع سلب مكاسبهم ومن بينهم من هو حتى من صغار التجار الاحرار الذي لا ينتمون الى اية مؤسسة.
ان ممارسة الحقوق النقابية مضمونة بصريح الفصل 8 من الدستور لكن ذلك في حدود ما نصت عليه القوانين وما تستوجبه القواعد الاخلاقية والتربية الوطنية لان النقابي ليس بمعزل عن بقية افراد الشعب وهاهو رئيس الدولة يقول في هذا الصدد يوم 28 مارس 1973 في المؤتمر الثالث عشر للاتحاد:
«فحق الاضراب معترف به في هذه البلاد ويمكن للحركة النقابية ان تعمد اليه بشرط ان تكون قد استفرغت مراحل النقاش والتفاوض ولئن لم يعمد الشغالون اليه الا في القليل النادر فذلك لان طرق الحوار قد اثبتت دائما جدواها ولان الروح السائدة بين النقابات واصحاب الاعمال والمسؤولين في الدولة كان ولازالت خير ضمان لفض النزاعات بالحسنى نتيجة تشبع الجميع بمفهوم العدالة الاجتماعية وعزمهم على تجنب كل ما من شأنه ان يعطل سير الدواليب الاقتصادية ففي جميع البلدان المتقدمة التي تمارس الديمقراطية الحقة لا يلتجأ  الى الاضراب الا بعد استيفاء جميع الطرق الشرعية والقانونية وبنفس الطريقة التي يطالبون بها يحترمون حرية الشغل ويحرمون على انفسهم النيل من النظام و حريات البشر واملاكهم ولا يغلبون الاهواء على الصالح العام.

ليس هو التناقض الوحيد
 ولم نر ان النقابيين في تلك البلدان وحتى من قدم منهم لبلادنا لمؤازرة المتهمين ادبيا في المقررات التي اتخذوها بمحضرهم مثل كريستن ينادون في اقطارهم الى شن الاضرابات العامة والى تخريب اقتصاد اوطانهم بالنزعة الشريرة التي انتهجت عندنا وكانهم اعتبروا منظمتنا تشكو تخلفا يسمح باتمام التجارب الغربية فيها بالرغم من تظاهره بانه لو كان على علم من تقرير الاضراب العام ما كان ليأتي الى تونس وليس هو التناقض الوحيد في تصرفاتهم اذ لا يرون ـ الاتحاد ذاته وانما يتجسم  عندهم في شخص امينه العام واعضاده لا يفرقون بين صلاتهم الودية او نظرتهم العاطفية وبين المؤسسة النقابية وذاتيتها المستقلة عن الافراد قلت تظاهر كريستن اذ ذهب به الامر الى  ان وقف جنب المتهم الحبيب عاشور وهو يثير بخطبه المهيجة حماس حشود من المتجمهرين امام دار الاتحاد فيلوح اليهم بيده بعلامة الانتصار ويأتي الى هاته القاعة بتعلة اداء الشهادة فاذا به لم يستطع ان يكشف عن حقيقته وعن كونه طرفا منحازا بدوافع لا تهمنا بقدر ما يهمنا دور التأييد الايجابي الذي لعبه تحت ستار الذود عن الحريات النقابية.