وثائقي

ممثل النيابة العمومية يطنب في شرح شروط الاضراب أثناء محاكمة قيادة الاتحاد في 1978

نتابع فيما يلي قراءة فصل جديد من مرافعة ممثل النيابة العمومية أمام محكمة أمن الدولة التي انتصبت خريف 1978 لمقاضاة قيادة الاتحاد العام التونسي للشغلجراء اتهامها بالمسؤولية عن أحداث جانفي من نفس السنة. يقول:

ان المتهمين يعلمون ان مجلة الشغل ضبطت شروط شرعية الاضراب وقد  جاء الفصل 376 منها، صريحا في ان «كل صعوبة تنشأ بين المؤجرين والعملة من شأنها ان تثير نزاع شغل جماعي يجب ان تعرض على اللجنة الصلحية ذات النظر قبل القيام باي اضراب او اي صد للعملة عن مباشرة عملهم من قبل اكثر الطرفين حرصا واكدت بفصلها 387 على انه في صورة عدم مراعاة احكام هذا الباب تكون الاضرابات أوصد العملة عن العمل مخالفة للقانون، وقد استمعتم في قرار ختم البحث الى ان الاضراب العام الواقع تقريره اتخذ في اجتماع مضيق لم يحضره الا عدد لم يبلغ حتى الثلث من اعضاء المكتب التنفيذي ودون ان تقع استشارة الهياكل المسيرة للاتحاد مسبقا

وقد جاء في اقوال الشاهد التهامي بن حميدة الخذري انه باعتباره عضوا بالمكتب التنفيذي بحكم كونه يشغل خطة كاتب عام للاتحاد الجهوي بقابس لم تقع دعوته الى حضور اجتماع المكتب التنفيذي الذي عين موعد الاضراب ولم يقع ايضا منح الاجل المفروض بالفصل 376 مكرر من تلك المجلة... وهكذا تدركون غرابة الاساليب الديمقراطية المنتهجة وتزيدها غرابة ان الدعوة الى الاضراب العام وقع الاعلان عنها يوم 24 جانفي واسند اختيار موعد تنفيذه للمتهم الحبيب عاشور واعضاده فنفذوه بمخالفة ثانية للقانون يوم 26 جانفي بالرغم من قيام المساعي الحثيثة من جميع الجهات وبالرغم ايضا من ان التسرع لا يبرره اي حدث جديد يتصل بالمزاعم التي يتمسكون بها واخيرا بالرغم ايضا من ان التسرع لا يبرره اي حدث جديد يتصل بالمزاعم التي يتمسكون بها واخيرا بالرغم من ان اسناد الاختيار الملمح اليه الى مشيئة الامين العام للاتحاد انذاك، يدل على ان اسبابه لم تكن من الخطارة التي تتطلب تنفيذه في الحين.

شهادات المستيري وبن عمار والسبسي
فعندما اشرت الى المساعي الحثيثة فاني لا اقصد بها فقط ما صدر منها عن الشهود السادة احمد المستيري وحسيب بن عمار والباجي قائد السبسي بل وحتى ايضا من مسؤولين نقابيين لم يقع تشريكهم في اتخاذ قرار الاضراب مخالفة للقانون المنظم للاتحاد ولم تقع الاستجابة لنداءات التعقل الصادرة عن بعضهم ولكم في هذا الصدد قول السيد التيجاني عبيد الكاتب العام المساعد للاتحاد انذاك انه التحق يوم 24 جانفي بالمتهم الحبيب عاشور وكان يرافقهما الطيب البكوش وحسن حمودية وساله عن موجب الاضراب والى اين يريد ان يدفع بالبلاد وناشده بالله ان يفسر له ذلك حتى يتفهم موقفه جيدا فأجابه «انت مازلت لم تفهم ـ فعندما تفهم ايجا» وما شهد به السيد الاخضر الجليدي الكاتب العام المساعد لنقابة شركة الكهرباء والغاز الذي طالب اثناء الاجتماع الذي تقرر فيه مبدأ الاضراب بالتريث والرصانة.
او تريدون ان ازيد ان الاضراب وقع استنكاره حتى من بعض المتهمين الماثلين امامكم فقد صرح الناجي الشعري انه اثر تقرير الاضراب تخوف من نتائجه ولاحظ للحبيب عاشور ان الاضراب قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه نظرا للحالة المتفجرة التي عليها البلاد وكان ذلك بمحضر السيد محمد الوسلاتي الكاتب العام لجامعة المالية الذي افاد بدوره بانه ابدى للحبيب عاشور تخوفه من عاقبة الاضراب ومن المضرة التي يمكن ان تحصل للبلاد ويرى ان لا فائدة من الاضراب العام الذي لا مبرر له.

حماس وتصفيق وتشويش وسخرية
ولكنهم تعللوا بانهم انقادوا الى الموافقة حتى لا يقع طردهم او حتى لا يكونوا محل سخرية او يوصفون بالخيانة والاحالة على لجنة النظام العام مثلما حدث للسيد محمد بن عمر الكاتب العام للاتحاد الجهوي بقفصة سابقا وقد شهد ايضا السيد رشيد الزياني الكاتب العام للاتحاد الجهوي بنابل بان هناك من يأخذ الكلمة في الاجتماعات النقابية فاذا كانت كلمته متصلبة يلاقي حماسا وتصفيقا حارين وان كان معتدلا يقابل تدخله بالتشويش والسخرية.
على ان لجنة الحريات النقابية التابعة للمكتب الدولي للشغل قد وصفت الاضرابات المقررة قبل استفراغ التصالح او الاضرابات السياسية بكونها اضرابات لا تدخل في نطاق مبادئ الدفاع عن الحرية النقابية مؤكدة بان تحجير الاضراب الذي يقصد منه الضغط على الحكومة والمجرد عن الصبغة العمالية لا يكون اعتداء على حرية الشغل (انظر التقرير عدد 139 الحالة عدد 732 الفقرة عدد 124 والتقرير عدد 127 الحالة عدد 668 الفقرة عدد 363) مثلما اوضحه لكم باطناب قرار ختم البحث.
وبين مما سبق التعرض اليه من احكام قانون الشغل وتفاسير لجنة الحريات النقابية ان الاضرابات الواقع شنها سواء بعنوان الاحتجاج على التهديد بالاغتيال الذي وجه الى الحبيب عاشور في مغيبه او الاعتداء المزعوم على دور الاتحاد بصرف النظر عن صحة السند او وهنه او قطع الحوار المزعوم وكذلك ما يسمى بتدخل الحزب الاشتراكي الدستوري في سير الانتخابات والشؤون المالية هي اضرابات غير شرعية لعدم مراعاتها للاحكام المشار اليها بدليل انها مجردة عن كل ما له صلة بالحقوق الاجتماعية وحينئذ فهي اضرابات سياسية باتم الوصف وتمردية الغاية منها في المرحلة الاولى الاعداد النفساني واختبار اهمية التفاف العمال حول ذات الحبيب عاشور مسير المنظمة الشغيلة ودرجة  سماع كلمته عندما ينادي بما يعلن له والتهيئة الى الاضراب العام الذي يكون منطلقا للثورة حسب النظريات المتعرض اليها.
وان ما يفسر ايضا صبغة الاضرابات على نحو ما سبق بسطه وما قدم من مبرر اليها من قطع للحوار هو ايضا امر وهمي ضرورة ان الحكومة التي هدفها التشاور والحوار  سعت لمواصلته واقناع قادة الاتحاد بالعدول عما قرروه من اضراب عام وهو ما دعا اليه حتى الشهود الذين لا ينتمون اليها وقد اعلنوا متوقعين سوء العاقبة استخلاصا لما سبق من احداث ومن انصت لكلمة الحكمة والرشد التي نطق بها الوزير الاول من اعلى منبر مجلس الامن قبل شهر ونيف واشار فيها الى المنزلق الذي تردى فيه مسيرو الاتحاد ارتكازا على ما هو واضح من اعمالهم المثيرة للاهواء والباعثة للحيرة في نفوس المتربصين وبترويجهم ان الحالة الاقتصادية هي التي دعت الى الاضطرابات الاجتماعية واستغلوها للتنكر للالتزامات التي حوتها العقود المشتركة والعقود الاساسية والميثاق الاجتماعي وانتحلوا ظاهرة ارتفاع الاسعار بمناسبة شهر رمضان لتسميم الجوّ الى جانب التهجمات التي ملؤها  الشتم للحكومة وتوجيه ابشع الاتهامات اليها واستترت معارضتهم المغرضة بالمنظمة النقابية متظاهرين بالتعقل في حين انهم اعتزموا بلوغ مقصدهم باثارة الاضرابات غير الشرعية المتعددة من حين لاخر واستغلال ما حدث من اضطرابات بقصر هلال وبمناسبة حادثة التهديد بالاغتيال ولم يستفيدوا من تحذير الوزير الاول من خلال المسعي الهادف الى الدعوة للتطاحن الطبقي والدكتاتورية البروليتارية والثورة المستمرة لاقتعاد منصب الحكم.

أسئلة 
فمن قطع الحوار؟ ومن وضع حدا لتحكيم العقل ليضع مقامه تحكيم العاطفة والتطرف واستلال سيف القوة ادبيا ثم ماديا بالتهديد والمساومة ثم ببعث القتلة والغاصبين السالبين؟
ليست هي الحكومة ـ التي اتخذت سبيل الحوار والتشاور وارادت من ورائهما ان تكون المنظمة الشغيلة في مستوى مسؤولياتها والمخاطب الكفء نعم ان الابحاث اثبتت ان الحكومة لم تقطع الحوار بل على العكس  فقد ثبت انها سعت ا لى مواصلته الى آخر لحظة حسبما اكد ذلك السادة محمد جمعة وزير الشؤون الاجتماعية وعبد الله فرحات واحمد المستيري وحسيب بن عمار والباجي قائد السبسي ومحمد الوسلاتي الذين سعوا اثر تأزم الوضع وتقرير مبدأ الاضراب العام الى اقناع الحبيب عاشور بالعدول عن الاضراب العام ومواصلة الحوار المفتوح من جانب الحكومة لكنه امتنع دون سبب من الرجوع في مبدئه متعللا بان كلمته لم تسمع وغريب ان يسمعها انصاره للتجني على النظام وعلى الافراد وقد سبق لهم وخاصة على لسان  صحيفتهم ان اعلنوا انه ليس من الهين ان يناله عقاب مثلما تعرض اليه سنة 1966 ومن المعلوم ان التعرض الى العقوبات لا يكون الا للجناة وقد تناسى او تناسوا ان الاحكام التي صدرت عليه في تلك المناسبة تأيدت استئنافيا وتعقيبا من اجل المشاركة في اصدار شيك دون رصيد وتجهيز باخرة دون ان تكون لها الاوراق الرسمية ومن بينها عدم استظهار ربانها بالاجازة القانونية لرسوبه في الامتحان الصناعي بمعدل 20/4 زيادة عن ثبوت ادانته من اجل هضم جانب قاضي التحقيق بالقول والتطاول على العدالة تطاولا مازال سائرا على الدرب فيه بالاقاويل الباطلة عساه ان يدخل الشك في نزاهة القضاء او المحاكمة وان يتحصل على وثيقة شهيد مثلما يسعى اليها هو واتباعه حسبما جاء على لسان جريدة لوموند في عددها الصادر بتاريخ 14 جانفي 1966 هذه الصحيفة التي اكدت ان محاكمته اتصفت بالحلم ودون مجاملة لاحد وكانت دون شك احسن طريقة للرد عن الاتهامات القائلة انذاك بان القضية ذات صبغة سياسية بل ارجعتها  الى حدودها الصحيحة.

الاعداد الصناعية الضعيفة
وانه من الغريب ان نلاحظ في قضيتنا اليوم التمسك بانها دبرت محاولة لاخضاع الحركة النقابية وهو عين الاتهام الذي وقع التمسك به في قضية الحق العام التي اسلفت الاشارة اليها مثلما نقلته مراسلة الصحيفة المذكورة بعددها المؤرخ في جانفي 1966.
فهل يمكن القول ان الاحداث والافعال التي انبنت عليها القضية مفتعلة واختلقت خصيصا للايقاع بالحبيب عاشور.
ان كل عاقل يجيبك بالنفي ولكن هذا لم يمنع المتهم من ان يضمر في نفسه بسبب تلك المحاكمة العداء للنظام رغم تمتعه بالعفو واستمر عداؤه يخالج نفسه وهو مرددا انها مظلمة نزلت به وكله بحث عن الطرف المناسب لرد الفعل ومن العرض السالف يتبين لنا تنفيذ تلك الخطة تصاعد الاضرابات الذي يدل على تغيير اتجاه القيادة النقابية التي لم تعبأ بما يترتب عنه من اخلال بالامن الاجتماعي وتأثيرا على الاقتصاد الوطني والازدهار القومي الذي يتضرر منه في اول درجة العمال اذ من المعلوم ان لا اجر دون عمل ولا توفير مداخيل اضافية دون انتاج وانتاجية وان النيل من الاقتصاد يؤثر على ازدهار البلاد وينعكس بسوء على الطبقة الشغيلة.
على ان الاضرابات المذكورة لم تكن جدية في موضوعها ويكفي اخذ عينات منها للحكم عليها فمثلا اضراب معهد البريد ـ باريانة احتجاجا على محاكمة الطلبة واضراب عملة فج الهدوم ـ للمطالبة باقالة الكاتب العام للنقابة واضراب عملة مناجم المتلوي للاحتجاج على وجود خلاف بين النقابيين واضراب معمل الملابس الجاهزة بالقلعة الصغرى بعلة ان الاعداد الصناعية ضعيفة واضراب عملة مصنع الاغلاق بالشرقية احتجاجا على استدعاء عاملين من طرف الشرطة واضراب معمل الاجر بالسيدة المنوبية للاحتجاج على احتفاظ الادارة ببطاقة الحضور للمقارنة واضراب عملة ضيعة فلاحية بوادي الرمل احتجاجا على عدم تشغيل ابنائهم لجني الزيتون فهذه العينات من الاضرابات مع اسبابها الواهية والتي تصاعدت حتى كادت ان تكون منذ شهر ديسمبر 1977 يومية قد صاحبتها تظاهرات بالنداء بشعارات مناوئة للحكومة ـ واعقبتها اضطرابات تمثلت في مهاجمة المحلات التجارية الكائنة بمدينة تونس وبمدن اخرى بتراب الجمهورية وتهشيم الواجهات البلورية للمتاجر وادت حتى الى مهاجمة مراكز الامن ففي يوم 24 ديسمبر 1977 تجمع قرابة المائتي عامل تابعين لشركة الرفاهة بشارع الجمهورية منادين بعبارات معادية للنظام ومحدثين التشويش بالطريق العام دون سبب وجيه وكان بتحريض من النواب النقابيين كما انهم لقوا تأييدًا مطلقا من طرف القيادة السابقة للاتحاد التي شجعتهم علي مواصلة الاضراب وغني عن البيان ان القيادة المذكورة باركت كل الاضرابات والاضطرابات حيثما حصلت ولم تحرك ساكنا ولو في مناسبة واحدة لاستنكارها.
وفي يوم 4 جانفي 1978 تجمع عملة شركة الاشغال الكبرى للسوائل والبالغ عددهم 160 عاملا امام فروعها الثلاثة الكائنة بسيدي البشير معلنين الاضراب على العمل ومنع حرية الشغل.
وفي يوم 21 جانفي 1978 تعمد اعوان الاتحاد بتونس القبض على مفتش شرطة تابع لمركز الامن بفندق الغلة وادخل الى مقرالاتحاد وكان ضحية سب وتهديد بالعنف من طرف عدد من النقابيين.