سلسلة من الاحداث التي عدها ممثل النيابة العمومية مقدمة لاعتداء النقابيين على أمن الدولة
في أطار مرافعته أمام محكمة أمن الدولة، عاد ممثل النيابة العمومية الى تعداد بعض الاحداث التي اتهم فيها النقابيون بالمسؤولية عليها:
في يوم 25 جانفي 1978 قام جمع غفير من العملة المتظاهرين بالطريق العام برمي الحجارة على حافلات النقل واجبروا الركاب على النزول وكسروا واجهة مغازة الشمس البازعة وهشموا واجهة صيدلية بشارع علي البلهوان والشركة التونسية للبنك وفي نفس اليوم وعلى الساعة الرابعة واربعين دقيقة وقعت مسيرة بساحة النصر وشارع شارل ديقول هتفوا اثناءها بشعارات معادية للحكومة واضرمت النار بالاملاك وقذفت الحجارة على اعوان الامن وسياراتهم وبعث الارهاب والفزع في نفوس اصحاب الدكاكين والمغازات وادى ذلك حتى الى احتلال مركز الامن بباب سويقة.
واستمرت التجمهرات والتحريض عليها والتهديد بها ثم الانطلاق منها الى تعطيل حركة المرور وشن اعمال التخريب والنهب في ايام 24 و25 وبالخصوص يوم 26 جانفي وكذلك فيما سبقها من الاضطرابات بعواصم بعض الجهات خلال شهر نوفمبر من العام المنصرم اخص بالذكر منها سوسة.
واشتعلت الحرائق في المؤسسات الصناعية والمحلات العمومية والخاصة، ووقع تخريب السكك الحديدية في الخط الرابط بين تونس وحمام الانف في الوقت الذي كانت تحطم فيه ما يزيد على مائة حافلة تابعة للشركة القومية للنقل وتضرم النيران في عدد اخر منها الى غيرذلك مما تعرض اليه باطناب قرار ختم البحث.
فهل كان المتمردون في حاجة الى القيام بمثل هذه الاعمال الاجرامية الى اكثر مما استعملوه من حجارة وعصي وقضبان حديدية وسلاسل ومواد محرقة ومفرقعات وخناجر واسلحة نارية من النوع الذي سقطت به اولى ضحايا يوم 26 جانفي ـ وهي من اعوان الوقاية المدنية بالاضافة الى ضحايا اخرين اثبتت الفحوص الطبية انهم قتلوا باسلحة غير التي تستعملها قوات الامن والجيش.
أعمال فوضوية
ان المتهمين لم يكونوا يجهلون هذه الوسائل الحديثة للتخريب بل ان كل القرائن تدل على انهم خططوا لها ـ وتدربوا عليها طيلة اشهر بواسطة شتى الاعمال الفوضوية التي استهدفت العديد من المؤسسات الاقتصادية في مختلف جهات الجمهورية ثم انطلقت منها الى الشوارع للاخلال بالامن والنيل من حرمة المواطنين ومكاسبهم وذهبت الحكومة في التسامح اجتنابا للتأزم الى حد عدم تحجير الاضراب واقتصرت على تحريض الأعوان بالاقبال على العمل ضمانا لمصالح المواطنين وتوفيرا لما تقتضيه الحياة اليومية من ضروريات لذلك لا يمثّل هؤلاء الناس أمامكم حتى من أجل تجاوزهم لقوانين الاضراب ولكنّهم ماثلون للأعمال الاجرامية التي وقع اقترافها في البلاد، بتحريض وبعمل منسق من طرفهم ولئن لا يسمح المجال لذكر كل ما تضمنته كتاباتهم وتصريحاتهم من تغذية للحقد وتحريض على الصراع وتبرير للفوضى واستخفاف بالقانون الى جانب التهديد السافر بكل ما كشفت عنه الأيّام ووقع بالفعل في أيّام 24 و25 و26 جانفي فإنّنا نكتفي بما ورد في عدد 18 نوفمبر من جريدة «الشعب» على لسان نائب الاتحاد الجهوي بتونس.
«عليهم أن يعرفوا ان سلاحنا ليس الاضراب فقط لنا وسائل أخرى سيعرفونها في الوقت المناسب، وجاء في نفس العدد على لسان مسؤول آخر:
يجب علينا تحديد مسلك يمكن الطبقة الشغيلة من فرض ارادتها».
فماهي تلك الوسائل؟ وما هو هذا المسلك يا ترى؟ ألم تأت أحداث جانفي لتجيب عن هذه الأسئلة وتكشف للتونسيين عن شرّ ما أضمره الجماعة؟ وما هيئوا له من أعمال العنف والتخريب والدمار، وقد سبقت هذه الأعمال نداءات أكثر وضوحا بما في ذلك الدعوة السافرة الى التمرّد على لسان عبد الرزاق غربال أحد الأعضاء البارزين في المجلس القومي والمقربين من الحبيب عاشور حيث دعا إلى العصيان المدني ونادى الى «وضع حدّ للنظام» ولم يبق بعد ذلك الاّ أن يحدّد موعد تنفيذ الخطّة والاقدام على ارتكاب ما ارتكب يوم 26 جانفي من جرائم.
منشورات الشعب
وقد يدعى بعضهم ان ما تنشره صحيفة الشعب من أقوال بعض النقابيين أو ما يتفوه به مسؤول في اجتماع من اجتماعات الاتحاد لا يلزمهم من العسير قبول هذا النوع من المنطق خاصة وأنّهم لم يحركوا ساكنا لمعارضة هذه الأقوال وللتعبير عن اختلافهم معها، بل أنّهم بالعكس من ذلك تبنوها ضمنيا اذ أذنوا بشن اضراب تضامني مع الذي دعا الى وضع حدّ للنظام عندما دعاه قاضي التحقيق لاستنطاقه، وتضامنوا معه صراحة بتضمين اللائحة العامة للمجلس القومي ما ورد في تدخله من اعتباره السياسة الاقتصادية التونسية خاضعة للتبعية الأجنبية وانّها تساعد على تفاقم الفوارق الاجتماعية الى غير ذلك من الأباطيل.
ان من يتبع توالي الحوادث منذ شهر أوت 1977 يدرك أنّها تمثّل سلسلة مترابطة الحلقات تفضي تدريجيا الى حوادث جانفي 1978 وتكشف عن مسؤولية المتهمين فيها وعن النيل من أمن الدولة ونشر الارهاب في البلاد مثلما جاء بقرار ختم البحث، انطلقت مناوشات هنا وهناك في أوت وسبتمبر ثم أصبحت تدريبا في أكتوبر ونوفمبر وآلت الى التمرّد في شهر جانفي وبرزت بوادرها في أوت 1977 وقد وجدوا لها تعلّة في ارتفاع أسعار بعض المواد في رمضان وأنّه لمن المعقول ان يقع لفت النظر الى هذا الارتفاع الراجع الى ظروف وقتية وهي التضخم الاستهلاكي في رمضان الا أنّ جريدة «الشعب» وبعض المسؤولين في الاتحاد حاولوا استغلال هذه الحالة وكانت تلك الحملة الشعواء.
وكان في حسبان الحكومة ان يتوقف الأمر عند هذه الحملة الصحفية فتتقبلها عن مضض وخاصة دون ردّ فعل على مافيها من افتراء واقذاع الاّ انّ الأحداث لم تلبث ان كشفت ان الجو المتوتر الذي عقب تلك الحملة لم يكن الاّ تمهيدا محكما لجناية أكبر، هي اثارة الفتنة في صفوف الأمة، وحثّ المواطنين على التناحر والصراع فلم يلبث بعض قادة الاتحاد في صفاقس ممّن أخذوا يبرزون بعدائهم السافر للنظام ان خرجوا في ثياب النساك وحملوا شعار التدين وهم أبعد ما يكونون عنه لبث القلاقل واثارة الاضطرابات وكانت احداث صفاقس الخطيرة وما نتج عنها من اعتداء على أمن المواطنين وممتلكاتهم بل انّ الأمر سيتجاوز ذلك في تصعيد متواصل مرتب منسق لأعمال المناهضة والارهاب الفكري والمادي وأعمال العنف والتهجم على النظام والنيل من هيبته، اذ ستكون هذه الفترة نقطة الانطلاق لحملة أوسع ترمي الى التنكر السافر للعقد الاجتماعي والسياسة التعاقدية برمتها.
الدفاع عن البلاد
ولم يستنكر المتهمون ما أقدم عليه بعضهم من المسؤولين الجهويين بصفاقس من اثارة الاضطرابات والاعتداء على ممتلكات الغير، لقد كان موقفهم موقف تبرير له برره الحبيب عاشور في ندوته الصحافية التي نشرتها جريدة «الشعب» في عدد 9 سبتمبر 1977 وعادوا إلى تبريره في مداولات الهيئة الادارية المنشورة في عدد الشعب المؤرخ في 17 سبتمبر 1977 اذ نقلت على أحد النواب (لم تذكر اسمه) تفوهه في اجتماع الهيئة الادارية التي يشرف عليه الحبيب عاشور بأنّ تلك الاضطرابات يبرّرها الدفاع عن البلاد وقيمتها الحضارية والدينية ولم تنشر الجريدة اي احتراز ازاء تصرّف الاتحاد الجهوي بصفاقس ولا أي تنبيه الى ما يجر إليه مثل هذا التصرّف من عواقب وخيمة على المجتمع.
لا غرابة بعد هذا ان تصبح مدينة صفاقس مسرحا للمظاهرات والاضطرابات يوم 9 سبتمبر في الوقت الذي كان فيه الوزير الأول يلقي خطابه بعد المصالحة الأولى، وكان المنطلق مقر الاتحاد الجهوي وكانت الشعارات كلّها عداء للحكومة وطعنا في النظام، ومرّة أخرى لا نجد فيما تنشره صحيفة الاتحاد من مداولات هياكل المنظمة ما ينم عن استنكار أو حتى تحفظ ازاء مثل هذه التصرّفات بل بالعكس فإنّه يفسح المجال لتبريرها والدفاع عن المسؤولين (جريدة الشعب يوم 17 ـ 9 ـ 1977) وبل بالعكس قد تتبأوا بأنّ «الأزمة الحالية مازالت تطول» وبدأوا منذ سبتمبر يهدّدون بالاضراب العام والانسلاخ من الحزب وحتى النداء الى العصيان المدني ـ كالاحجام عن دفع الأداءات، وأخذ ذلك يظهر في عدد 9 سبتمبر من جريدة «الشعب» على لسان المتهم عبد الرزاق أيوب الكاتب العام للاتحاد الجهوي بتونس وتبنّي الحبيب عاشور مبدأ الاضراب العام في اجتماع الهيئة الادارية المنعقد يوم 15 سبتمبر ثم أصبح من الشعارات التي تردّد في كل مناسبة تهيئة للنفوس وتصعيدا للتوتر.
افتعال الازمات
وسيتواصل التهديد لمحاولة تقويض نموذج المجتمع الذي اختارته الأمة التونسية بالحملات الصحفية والاضرابات الدورية بغير سبب وبافتعال الأزمات والخلافات، فكان من جملة الاضرابات المتتالية اضراب معمل النسيج بقصر هلال وقد تعلّل المضربون بسوء التصرّف من طرف ادارة المعمل فأوقفوا العمل واحتلوا المعمل وحالوا دون وسق المنتوج الحاصل الى الخارج بالرغم من تدهور الوسق للخارج في هذا القطاع، وما ينجر للمعمل من خسارة من جرّاء هذا الموقف وتواصل الاضراب ثلاثة أيّام رغم تدخل السلط.
وطبقا لنفس الخطة لم تتوقف الأمور عند التهجمات اللفظية ثم الاضراب بل لم يلبث بعض المضربين ان خرجوا الى الشارع ينهبون المغازات ويشعلون النيران في السيارات ويحطمون المحلات ثم ضربوا الحصار حول مركز الشرطة وقوّات الأمن ولم يفك عنهم الحصار الاّ بعد ان طلبوا تدخل الجيش فكان تدخله سريعًا، ولم يصب أحد بسوء ورجع الأمن إلى نصابه وهذا مثال ثانٍ يبيّن بلا جدال ان الصلة بين ما يقرّره المتهمون بوصفهم مسؤولين في الاتحاد وما يحدث في الشارع من شغب وتخريب ونيل من أمن البلاد بل ان ما يقع في الشارع هو بعينه ما كانوا يدعون إليه وما يسهرون على تنفيذه، ولتتبيّنوا الحقيقة لكم ان تتساءلوا ماذا كان موقفهم؟ لم تجدوا ماهو أهم وأوكد من أن تتبنوا تصرّفات المخربين وتنديدهم بتدخل الجيش وردهم على ما أبدته السلط من صبر واناة بتلفيق التهم، تبريء المخربين وتدين قوّات الأمن باستعمال العنف ضدّ العمّال (الشعب 1 نوفمبر 1977) ومرّة أخرى يبرّرون مظاهر العنف والتمرّد عوض ان يستنكروها.
ولم تلبث قيادة الاتحاد ان تسلّلت من موقف المتهم لتزج فيه بالحكومة وهذه هي الخطوة الموالية لاحداث قصر هلال وللخطّة التي وضعها وسار عليها قادة الاتحاد اذاك «فقد صدر عن عبد الرزاق غربال الكاتب العام للاتحاد الجهوي بصفاقس في تاريخ 5 نوفمبر بلاغ غريب في محتواه يعلن فيه انّ السيد الحبيب عاشور الكاتب العام للاتحاد آنئذ قد تعرّض الى محاولة اغتيال وان هذه المحاولة من شأنها ان تزجّ بالبلاد في حلقة مفرغة من الارهاب والاغتيالات وكان الصدف أبت الاّ أن تؤيد ما يقول ولقد كان بعضهم ممّن يدعون في السياسة فلسفة وهو مقيم آنذاك في الخارج والمعروف بمواقفه المعادية للحكومة أدلى قبل ذلك بساعات بأنّ الحرب الأهلية في تونس على وشك الاندلاع، وان رئيس عصابة كانت تتأهب لاغتيال بعض الشخصيات قد أوقف.
أعمال عنف
انّ التناسق بين التصريحين وما سيتلوهما من أحداث ليأبى علينا ان نحمل كلّ ذلك على محض الصدفة، فقد كان تصريح كلّ من الكاتب العام عبد الرزاق غربال وتصريح النفر الملمع إليه الاشارة لاستئناف الاضطرابات وتفاقمها ونشوب أعمال العنف في مختلف جهات الجمهورية، وبالرغم من أنّ القضاء تعهّد بالقضية واتضح أنّها تتعلّق بتوعد بالقتل تفوه به أحد الأشخاص ازاء الكاتب العام للاتحاد في غيابه وبالرغم من أنّها ليست بمحاولة وانّما مجرّد تهديد وقع في مغيبه من عبد الله الوراني الذي يعرفه جيّدا وعمل معه جنبا لجنب في مؤتمر صفاقس لصد اليوسفية وهو لا يجهل أنّه لا ينوي حقا اغتياله لكن الخطّة التي ينفذها تقتضي استغلال كلّ الفرص لمواصلة بعث البلبلة ونشر الفوضى وقد صرّح لوكالة يونايتد براس «الآمر لم يكن يتعلّق بمحاولة اغتيال حقيقية» قلت بالرغم من كلّ هذا فقد اكتسحت البلاد موجة من الاضرابات والمظاهرات المشفوعة بأعمال التخريب والنهب والعنف والاعتداء على المحلات العمومية والمصالح الادارية في سوسة وباجة وماطر وسيدي بوزيد وڤفصة وغيرها من المدن ممّا أدّى الى الاخلال بالأمن والاعتداء على حرمة المواطنين ومكاسبهم وكذلك على المكاسب العمومية، كلّ ذلك احتجاجًا على محاولة الاغتيال المزعومة ضرورة أنّها لا تعدو سوى تهديد لفظي تمّ وهو بعيد عنه ولكم في هذا انموذج آخر عن تلفيق التهم الذي دأب عليه المتهمون لتسميم الجو وتضليل القاعدة النقابية وتهيئة المجال لأعمال الفوضى والتخريب وخلق التعلات لها سلفا وتبريرها بعد وقوعها.
فهل يدعو التشهير بحادثة اغتيال الحبيب عاشور القيام بحركة اضرابات تعم البلاد؟ فلو درجنا على هذا المنطق واعتبرنا تعدّد مثل هذه الجرائم أو التي أبلغ منها خطورة ممّا يعرض على المحاكم يوميا لأصبحت البلاد في حالة اضطراب واحتجاج واضراب مستمر يدعو لها الموجهة إليهم هذه التهديدات اللّهم الاّ اذا اعتبرنا ان الحبيب عاشور فوق كل اعتبار وان مقياسه غير مقياس بقيّة المواطنين مهما علا شأنهم وهكذا كانت حوادث نوفمبر مرحلة في تصعيد أعمال العنف بوحي منهم وتدريبا لاتباعهم استعدادًا للموعد المنتظر.
اتضحت الرؤية
لم يبق بعد ذلك الاّ تغذية جوّ التوتر طيلة شهر ديسمبر وجانفي بالمطالبات المشطة التي لا تتماشى مع العقد الاجتماعي ولا يمكن تحقيقها الاّ بالاضرار بالاقتصاد القومي وارهاق مؤسسات القطاع العام ولا تفيد المصالحات نفعا ولا استجابة الحكومة لهذه المطالبات حتى آخر لحظة، وخاصة بتدخل الوزير الأول لدى الأعراف أحد الأطراف الاجتماعية باعتبار الزيادة الممنوحة بمثابة تسبقة.
فالخطة التي بدأت تنفذ في أوت يجب ان تسير الى نهايتها ويجب الاّ يوقفها حسن استعداد المسؤولين في الدولة فكلّما برهنوا على رغبتهم في تهدئة الخواطر فتح باب جديد للمطالبات ايهاما بتواصل السخط واستمرار الغضب وتهيئة لاتباعهم ليخوضوا غمار أيّام جانفي الثلاثة وخاصة يوم 26.
ورغم تحذيرهم وحتى عن طريق من لا ينتسبون للحكومة من أن في الأقدام على الاضراب مضرة بالاقتصاد العام اذ هو اضراب سياسي لا صبغة نقابية له وان تقريره في ظرف متأزم يصعب فيه التحكم في الجماهير العمّالية ومن شأنه ان يدخل الفوضى في البلاد وتترتب عنه احداث كالتي حدثت في نوفمبر 1977 بمناسبة الاضراب الاحتجاجي ودعوهم لتجنب الاخلال بالأمن في الشارع والمحافظة على المؤسسات الاقتصادية لاجتناب تكرّر الحوداث التي وقعت يوم 24 جانفي أعرضوا عن نصائحهم وفي ذلك تصميم لخطّتهم وتنفيذًا لها عن روية من عواقبها.
وللمتهمين مسؤولية عظمى في ذلك لأنّ كلّ ما حدث منذ سبتمبر لم يحدث الاّ في أماكن اختاروها ومواعيد حدّدوها واثر اجتماعات عقدوها بدور الاتحاد في مختلف أنحاء الجمهورية ـ واستجابة لشعارات ردّدوها قصد الاضرار بهذه الأمّة والنيل من أمن الدولة.
لقد ثبت انّ الأحداث التي كادت تهدّد كيان تونس، لم تكن تمت الى العمل النقابي بصلة وانّما قامت بها تيارات دخيلة ونزعات هدامة متسرّبة في صلب الاتحاد مؤتمرة بأوامر من الخارج متواطئة مع قوى أجنبية لا تمت الى الأمّة التونسية بصلة، فهذه النزعات لئن اختلفت ايديولوجيا فهي قد اتفقت تكتيكيا وفي الهدف النهائي وهو تقويض نموذج المجتمع الذي اختارته الأمّة، وتصدع أركان الدولة والقضاء على النظام الذي اتخذته تونس لنفسها كل ذلك عن طريق الاضرابات الدورية والوحشية ونشر الفوضى في المؤسسات والنزول الى الشارع لممارسة العنف واحداث التصادم وفرض جو الرّعب والارهاب، وحمل السلاح في وجه القوة العامة وايقاد الحرائق وقتل الأبرياء والمدافعين عن النظام والشرعية.
وهكذا تتضح الرؤيا وتتجلّى الحقيقة فالنوايا بيّنة والأهداف حلية من جهة والخطط والأعمال من جهة ثانية لا يمكن انكارها من المتهمين كما أنّها لا يمكن ان تخفى عن المحكمة ولو أنكروا كلّ ما ارتسموه من أهداف تتمثّل في قلب نظام الحكم بالقوّة والارهاب المسلّط لا على المواطنين فقط بل على الدولة برّمتها.