وثائقي

آخر مطالب ممثل النيابة العمومية : تسليط العقاب المقرر بالفصل 72 من القانون الجنائي واحكام مجلة الصحافة

في نفس السياق الذي سبق، كال ممثل النيابة العمومية لبقية اعضاء قيادة الاتحاد من الهيئة الادارية من التهم ما أمكن له تصوره، طالبا في نهاية مرافعته الحكم عليهم طبقا للفصل 72 من المجلة الجنائية والذي ينص على الاعدام.

أما بقية المتهمين فان مسؤوليتهم لا تقل درجة عن مسؤولية غيرهم ممن تعرضت اليهم اذ ساروا على نفس الدرب وعملوا بكل ما في وسعهم من حول وقوة على انجاح الاضراب وحث العملة التابعين لنقاباتهم على شنه وبرهنوا عما يخالج صدورهم من عداء للنظام وقصد مجابهته وتقويض اركانه بما تفوهوا به من تصريحات تفسر هذا الموقف اذكر من بينها قول بعضهم «ان الدولة استعمارية نقاومها مثل مقاومة الاستعمار وقول الاخر «ان الدولة قائمة على التعفن» وقول ثالث «ان النظام ليس بوطني وليس ديمقراطي ممكن بعد اسبوع او اسبوعين يحدث انقلاب» ولقولهم «نضحي ومن يمت يمت ومن يعيش يبقى سعيدا ندافع على الحبيب عاشور ولو لاخر  قطرة من دمائنا ويجب ان نكون على استعداد للعنف.

الاطاحة بالنظام
ولم يبق مجال للشك في ان ما صدر من المتهمين كان يرمي الى الاطاحة بالنظام القائم وابدال هيئة الحكم وحمل المواطنين على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح واثارة الهرج والقتل والسلب بالتراب التونسي والنيل من امن البلاد اقتصاديا وان ادانتهم هي الاخرى مدعمة بما ثبت من اعداد مادي يتمثل في استعمال الاسلحة المحجوزة ومن الكرات التي امر المتهم الحبيب عاشور بصنعها وتم ذلك بالفعل وجلبت لمقر الاتحاد عينات منها وكذلك العصي والحجارة التي استعملت في العنف واودت بحياة مواطنين ابرياء واصابة اخرين منهم بجروح حسبما تشهد بذلك الوثائق الطبية المضافة لملف القضية التي تحقق بها موت 51 شخصا وجرح 324 اخرين والذي مهدت له الخطب والتحريضات.
ولقد كثر الحديث حول الاسلحة في كثرتها وقلتها وفي طاقتها الابادية كان كثرة الاسلحة وفعاليتها الحربية هي الطريق الوحيدة للاخلال بالنظام والنيل من أمن الدولة وان فقهاء القضاء في البلاد المتقدمة يعتبرون نيلا من امن الدولة «كل المخالفات للقانون العام المتصلة بمخطط فردي او جماعي يهدف الى احلال سلطة غير شرعية محل سلطة الدولة».

جناية النيل من امن الدولة
ولست في حاجة لتكرار ما جاء في هذا الصدد بقرار ختم البحث الا اني ارى لزاما التذكير بأن علماء القانون يعرفون جناية النيل من أمن الدولة بكونها تحصل بالتمرد بالسلاح والتحريض على التجمهر او المساهمة فيه واقتران ذلك بمخالفة حمل السلاح المنصوص عليها في القانون العام وبالاعتداء على السكك الحديدية وبتعطيل حركة المرور في الطرقات العامة واقتران ذلك بحمل السلاح والتحريض على حمله وصنعه وامتلاكه وباستعمال الحرائق عمدا واعمال التخريب والتهديد والنهب المنصوص عليها في المجلة الجنائية ولقد اوضح قرار ختم البحث انطباق النصوص القانونية على ما اقدموا عليه من افعال تجسمت بها الجرائم المنسوبة اليهم وما قاموا به في سبيل احتقار الدولة وتزييف مبادراتها ازاء المشاكل الى حد اضعافها وشل نشاطها وانحلالها حتى تكون الضربة الحاسمة لانهيار النظام الشرعي.
ولا يتطرق الشك في ان المتهم الحبيب عاشور كان يرمي لاقتعاد منصب الحكم وهو الذي اقتنع بأنه الشخص المؤهل لذلك بما ادخل في نفسه من اهلية ليحل محل الهياكل السياسية الرسمية القائمة بالبلاد وتبوئه ليجلس على اعلى منصب في الحكم، وقد تراءى لبعض مناصريه في مختلف المجالات ان شعبيته في تونس عظيمة وانه يعتبر الخلف الممتاز المتوقع لأخذ مقاليد السلطة والزعيم الاوحد المتحرر في العالم العربي كما اهله لذلك ايضا مناصر اخر جعله القادر على مسك زمام الحكم والوارث الوحيد لاقتعاد منصب رئاسة الدولة وسط عالم عربي تجتاحه العاصفة.

تقدير خطارة الافعال
وان بقية المتهمين الذين ساهموا في اعمال الفوضى هم المؤهلون بالطبع لتسيير دواليب الحكم معه واخذ نصيبهم من الغنم، الا اني أناشدكم تقدير خطارة الافعال التي كادت ان تقضي على ما حققته هذه الدولة من مكاسب وان تقدروا هول الاعتداء الغريب الذي تعرض اليه بلدنا الذي كان واحة سلام واستقرار واوشك ادخاله في دوامة العنف والتطاحن لتبرير اغتصاب المتهم الحبيب عاشور واتباعه الذين كانوا من اشد المتحمسين لشخصه والمنفذين لمقرراته الحكم والنفوذ المطلق مهما كان الثمن ولو بالمجازفة بمكاسب الشعب وامن البلاد واستقرارها اجتماعيا واقتصاديا.
وازاء صنيع المتهمين هذا بصرف النظر عن ماضي كل واحد منهم وما قد يكون قدمه للبلاد من خدمات لا يمكن التساهل معهم او التماس مبررات التخفيف، اذ ان عملهم هذا أفظع ما عرفته البلاد في حياتها ضرورة ان هدفه انهيار النظام وزرع الفتنة والتطاحن وان في حكمكم بترا واستئصالا لجرثومة الشغب والتمرد والتعاصي في وجه الدولة الذي كان بعضهم يعتقد انها تجد مناخا ملائما بهذه البلاد فتدخل في دوامة الانتفاضات وفقد الاستقرار وشل مسيرتها الانمائية وتسود الفوضى ويختلط الحابل بالنابل ويعم التخلف السياسي والواجب يفرض المحافظة على هيبتها وسلطتها التي هي فوق كل اعتبار مع من تحدثه نفسه بالنيل من سمعتها وامن المواطنين الموكل لها بحكم الشرعية والسهر عليه وتحقيقه.
ان سلامة الدولة كانت فوق كل اعتبار وقد كانت في خطر محقق بفعل المتهمين وشوهت سمعتها في الخارج ونيل من مسيرتها الانمائية ووقع الاعتداء على اعوانها ومات منهم من مات في اداء الواجب تصديا لاعمال المخربين وكذلك بسطاء الناس الذين دفع بهم دفعا نحو الاجرام غاية ارضاء مطامح المتهمين وتنفيذا لمخططاتهم الاجرامية، هؤلاء المتهمون الذين يثملون امامكم ليحاسبوا على ما اقترفت ايديهم وذلك في حدود ما نسب اليهم بعد اجراء تحقيقات مدققة في اطار ضمنت لهم فيه جميع حقوق الدفاع وطبقت فيه قواعد الاجراءات الجزائية العادية وبمقتضى عقوبات نصت عليها المجلة الجنائية ولم تكن شدتها مقصودة او ظرفية، وان الحكم الذي انتظره ويتنظره الجميع منكم سيكون الجزاء العادل لمن اوقدوا نار الفتنة وتطاولوا على حرمة الوطن وغامروا بسلامته واستصاغوا التخريب والتقتيل واهدار مكاسب امة كادحة في سبيل مغامرتهم.

طريقة دفاعهم لا تنطلي على أحد
فلقد اثبت لكم الدوافع والنوايا السياسية التي تخولكم النظر في القضية سواء من الناحية الاخلاقية او من الناحية القانونية لحصول اعتداء على امن الدولة والقيام بأعمال التخريب واستعمال العنف بكل مظاهره الى غير ذلك من الجرائم السالف التعرض اليها، وان طريقة الدفاع المتوخاة منهم والقائلة بأنهم لم يشاركوا مباشرة في الاحداث طريقة لا تنطلي على احد فغالبهم اعد ماديا وسائل الدمار والهجوم بمثل ما سقطت به الضحايا وحجز البعض منها بدار الاتحاد وصنع بضعها باذن من الحبيب عاشور، واذا لم يكونوا فاعلين اصليين فان التحريض صادر منهم والذي هو في الجرائم السياسية بمثابة الدور الاصلي لقيامهم بدور عام ومحرك فيه خطر جسيم على المجتمع فيعتبرون فاعلين اصليين (ارجع الى التأثير الادبي للجريمة المسؤولية الجنائية اطروحة «بوشون «POCHON» عام 1945) وهم حينئذ فاعلون اصليون متشاركون ضرورة ان الاثارة كان من شأنها ان تؤثر في ذهن من اوحى اليهم بارتكاب الجنايات والجنح، ولا تخفاكم السلطة الفعلية التي كانت لهم بما يتمتعون به من تأثير بفضل مكانتهم الاجتماعية وتوليهم قيادة المنظمة، فحرضوا من لهم عليهم تفوق اخلاقي وتأثير أدبي.

الحيلة والغدر
وقال بوشون الذي اسلفت الاستناد اليه «ان امثال هؤلاء يبقون في الخفاء جامعين بين الحيلة والغدر لكني ارى مثلما درج عليه فقه القضاء مرارا انهم فاعلون اصليون».
ولا يخفاكم ان التقارير من عدة مجرمين يؤلف في مذهب الوضعيين ظرف تشديد ضرورة أن المشاركة تكسب الجريمة خطرا يخشى منه على المجتمع ولا ادل على صحة هذه النظرية منظور لها من زاوية الخطارة ما تولد من جسيم الاضرار البشرية والمادية عن افعال المتهمين وجعلت مجتمعنا كاملا على وشك التردي في الفوضى والاضطراب واسفرت من جملة ما اسفرت عليه عن مقتل اولئك الذين كانوا في نفس الوقت أداة وضحاياها.
واطلب من محكمتكم تسليط العقاب المقرر بالفصل 72 من القانون الجنائي واحكام مجلة الصحافة عساه يجعل حدا لعهد الفوضى والتخريب وأساليب الشغب والتهافت على الحكم بأبشع السبل ويكون في مستوى الاخطار العظيمة التي داهمت تونس وهددت كيانها.