الصحفيون ومؤسساتهم بين حرية الرأي الشخصي وضغط الحياد المهني وعائد الخدمة
اشتعل الموقف بين الصحفيين بعد اعلان مكتب نقابتهم موقفه من مشروع الدستور المعروض على الاستفتاء يوم 25 جويلية. وغير خاف أن الساحة الصحفية سرعان ما انقسمت بين شقين، واحد مؤيد لإعلان النقابة وثان رافض له، وثالث غير مهتم.
واذا كان من عادة الصحفيين، نقد السلط العمومية وتقريع مسؤوليها وعدّ أخطائهم وتبيان ضعف اختياراتهم والمطالبة بإلغاء بعض الإجراءات او القرارات، فإن مكتب النقابة أعلن رفضه لما عرضه الرئيس والحال انه كان مطلوبا منه الدعوة الى واحد من ثلاثة أمور: فاما التصويت بنعم واما التصويت بلا واما المقاطعة.
أقصى اليسار
بهذا الرفض، وضع مكتب النقابة نفسه في اقصى يسار المواقف المعلنة من الدستور حيث أعلن رفضه له فيما اكتفت أكثر الأحزاب تطرفا الى الدعوة الى مقاطعة الاستفتاء عليه أي عدم التنقل الى مكاتب الاقتراع فيما ذهب الموقف الأقل تطرفا الى الدعوة بالتصويت بلا.
بهذا الرفض أيضا، يناقض مكتب النقابة الهيئة العليا المستقلة للإعلام السمعي البصري التي ناقشت مع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات كيفية إدارة النقاشات بين المؤيدين لمشروع الدستور والعارضين له وتقسيم الوقت بينهم وبصورة عامة تمكين الطرفين من حقهما في الادلاء بآرائهما بكل حرية.
هو موقف يناقض ما انتهى اليه منذ مدة مجلس الصحافة الذي أعد مدونة خاصة بالسلوك الواجب اعتماده في تغطية فعاليات الاستفتاء.
عدة مطارق على الرؤوس
أكثر المحرجين من هذا الرفض هم الصحفيون أنفسهم وخاصة منهم الذين يفرض عليهم الواجب المهني ان يكتبوا أو يديروا الحوارات والنقاشات المتعلقة بالراي من مشروع الدستور. بل انهم يتقدمون الى العمل في هذا الشأن وهم بين عدة مطارق تدق رؤوسهم، حيث يضاف الى من سبق (النقابة – الهايكا -المجلس) إدارات المؤسسات الإعلامية التي يعملون بها. فأوامر من يطبقون وكيف؟
إدارات المؤسسات الإعلامية بين سمعية بصرية ومكتوبة ليست منسجمة في رأيها من الموضوع. صحيح أنه مطلوب منها ابلاغ المواطن كل جديد وتمكينه من المعلومة أيا كانت وأيا كان مصدرها خاصة وهي من مسديي الخدمة العامة. لكن في مثل هذا الوضع، لا يمكن باي حال من الأحوال أن تكون متفقة على موقف واحد.
لعدة أسباب:
أولها، ان المؤسسات العمومية – وهي الأغلبية - مجبرة على الانخراط فيما تطلبه السلطة القائمة وهي صاحبة المشروع.
ثانيا أن المؤسسات الخاصة التي تحسب من بين الأكثر انتشارا أو استماعا أو مشاهدة تنخرط عن طواعية في الاستجابة لطلبات السلطة. ونقصد بالسلطة هنا تلك الامرة بصرف الاموال.
عائد خدمة
يعلم الجميع ان الهيئة المستقلة للانتخابات خصصت من جملة نفقاتها مصاريف لمختلف الحملات المتعلقة بالاستفتاء وكلفت وكالة اشهار قامت مقابل مال وفير بما يلزم من الاعمال ووزعت أقساط المشاركة – الدعائية والمالية – فيها، كعائد خدمة، على من اختارتها هي – تقول الهيئة – واختارتها الهيئة – تقول الوكالة – من المؤسسات، حتى ولو كانت من نوع التي " تبيع وتشري ".
أما بقية المؤسسات، ثالثا، فهي من نوع " الأطرش في الزفة "، اذا رقص قالوا مجنون، واذا اعتكف قالوا مغبون.
جرى ذلك في غياب هياكل المهنة، وفي غياب الحد الأدنى من الشفافية، وفي هضم صارخ لحقوق الصحفيين واعتداء متكررعلى حقوق المؤسسات. فعن أي حرية تعبير وصحافة تتحدثون؟
مصعب عبد الله