وثائقي

المحاكمة (43): الازهر القروي الشابي يبرز محدودية قرار تسخير المحامين للدفاع في قضايا كبرى

محام آخر من كبار المحامين شارك في الدفاع عن النقابيين المتهمين بالمسؤولية عن احداث 26 جانفي 1978، انه الاستاذ الازهر القروي الشابي الذي دافع عن المتهمين في عدة قضايا سياسية أخرى وتولى عمادة المحامين كما تولى منذ سنوات قليلة وزارة العدل وعمل وزيرا مستشارا لدي الرئيس الباجي قايد السبسي.

في مرافعته أمام محكمة امن الدولة، تطرق الاستاذ القروي الشاابي الى عدد من الجوانب القانونية.

الأستاذ الأزهر القروي الشابي

عندما افتتح الزميل الهيلة المرافعة قلت للعميد أنّ الزميل يترجم بحق ما في ضميري فليست هذه أوّل مرّة أقف أمام محكمة أمن الدولة ـ وان كنت أتمنّى أن تكون الأخيرة ـ اذ سبق لي أن دافعت عن متهمين احالتهم النيابة العمومية بموجب الفصل 72 وكنت أتوصّل إلى درء التهم عنهم وذلك من فضل ربي واحترامًا من المحكمة للقانون وفي المرّات السابقة كنت أسعى لأكون سباقا للقيام بالواجب نظرا لما كنت أجده من مساعدة في القيام بذلك الواجب.

لكن بكل أسف أتقدّم الآن وأنا ممزّق بين الضمير والواجب فضميري يتصادم مع وضع مادي يصدني عن أداء الواجب ـ وهنا أرى لزاما على أن أذكر بموقف الدفاع فلقد كنّا يوم 14 سبتمبر تقدمنا بطلب في التأخير ومنحتنا محكمتكم مهلة أسبوعين كانت غير كافية الشيء الذي جعلنا نطلب التأخير من جديد فرفض مطلبنا وحدث ما حدث.

على أنّي اتصلت مساء يوم 28 سبتمبر بقرار تعييني للدفاع في هذه القضية وتعجبت في حقيقة الأمر من هذا الاستدعاء الذي بلغني وقلت في نفسي أنّي أتذكّر أنّ الفصل 136 من مجلة الاجراءات الجزائية الذي يوجب توجيه الاستدعاء قبل 3 أيّام من موعد الجلسة.

٭ قاطعه الرئيس: لم يغب هذا عن المحكمة لكن نظرا لأنّها محكمة استثنائية يمكن لها أن تفعل ما فعلت ولو أنّ الفصل 8 من قانونها احالها على الاجراءات الجزائية

الاستاذ القروي الشابي:

نحن والمحكمة نحترم القانون ولا شك وأنّ قانون احداث محكمة أمن الدولة لم يتعرّض إلى القول ان الاستدعاءات تكون عاجلة ولم ينص على الاستعجال خصوصا وأنّ القضية منشورة منذ 9 أشهر وأنا أتساءل لماذا هذا الاستعجال.

فلقد ذكر المشرع الآجال وحدّدها لفائدة المتهم وعندما يشير الفصل 136 من مجلة الاجراءات الجزائية إلى الأيّام الثلاثة التي ذكرتها فإنّّه راعى في ذلك أمورا هامة منها في المقدمة مصلحة المتهم اذ يستطيع المحامي في ذلك الأجل أن يتصّل بالمتهم ويوفّر له الدفاع الكافي في القضية ولذا فإنّ احترام الفصل 136 لا يمكن ان ينسى اذا وجد قانون احداث محكمة أمن الدولة.

وواصل الأستاذ القروي الشابي:

ورغم هذا بقينا مرابطين معكم في المحكمة وأصبحنا أمام موقفين من جهة ضميرنا ومن جهة أخرى الفصل 35 من قانون مهنة المحاماة الذي يوجب على المحامي القيام بالواجب الاّ اذا كان هناك عذر شرعي من ذلك وتساءلت هل أنّ عدم الاطلاع على الملف يعتبر عذرا شرعيا وأنا أصدقكم القول أنّه عذر شرعي يعفى المحامي من الانتداب.

لكن رغم ذلك بقينا ووقفنا موقفا تعرفه المحكمة وأعلن المتهمون أنّهم لا يقبلون محامين منتدبين.

ومع فهمي الخاص للقانون وللفصل 141 من مجلة الاجراءات الجزائية، أتساءل لماذا شرع هذا الفصل؟ انّه لمصلحة المتهم وخصوصا في المادة الجزائية فقضيتنا هذه قد تكون اول قضية عرضت بهذا الشكل أمام القضاء فهذا الفصل ينصّ على أنّه يجب استشارة المتهم قبل تعيين المحامي وأنّه اذا لم تقع استشارته في تعيين محام فإنّ المحكمة لا تبادر بالتسخير اذ من حق المتهم ان يختار من يدافع عنه واذا امتنع يعيّن له محام آخر.

واستدل هنا بشروح قانونية من موسوعة دالوز في الصفحة 569 حيث قيل: «انّ الانتداب لا يكون قائما إلاّ عند انعدام اختيار المحامي» وهو المعنى الذي ذهب إليه المشرع التونسي في الفصل 141 اذ قال «والاستعانة بمحام وجوبية فإذا لم يعيّن له محاميا» أي أنّ التعيين يجب أن يمرّ بمرحلتين فاذا امتنع المتهم عن تعيين محام، تعين له المحكمة من يتولّى الدفاع عنه كما جاء في موسوعة دالوز بصفحة 570 في الفقرة 36 انّ الأجل يكون بخمسة أيّام.

إلاّ أنّ هؤلاء المتهمين حضروا ورفضوا الدفاع المنتدب فهل ان موقفهم صحيح أم لا؟ ولقد جاء أيضا في نفس الموسوعة ان انتداب محام للدفاع عن متهم لا يمنع هذا الأخير من اختيار محام آخر يضع فيه ثقته.

ولذا وبما أنّ هؤلاء المتهمين نزعوا منّا ثقتهم وبما أنّه  يجب على المحامي المعين الحضور للنقاش في صورة ما إذا غيّر المتهم وجهة نظره فلقد بقينا لكن المتهمين رفضوا ان نكون محاميهم فما حيلتنا اذن؟

استجبنا لقرار المحكمة وكلّنا اسف لأنّنا لم نتمكّن من القيام بالواجب في هذه القضية الهامة ولكن بكل اسف كان دورنا محدودًا ولذلك أتمسّك بموقف منوبي.