دولي

النقاش حول المتسببين في التضخم يفتح من جديد في أمريكا: أرباح الشركات مسؤولة عن 54 بالمائة منه

ذكرت دراسات معهد السياسة الاقتصادية الامريكية ان الأسباب الكامنة وراء التضخم المالي الذي عرفته الولايات المتحدة الامريكية خلال الأسابيع المنقضية تتمثل اساسا في أرباح الشركات التي تساهم في التضخم بنسبة 54 بالمائة في حين لا تتجاوز مساهمة الأجور والاستهلاك المنزلي 08 بالمائة وهو ما يحدد بوضوح المسؤولية عن التضخم المالي ومن يتسبب فيه حقا.

وتعتبر هذه النتائج مؤشرا قويا على ضعف منطق المدافعين عن اقتصاد السوق والسياسات التي تحد من الاستهلاك. اقتصاديون ام موظفون وكان لاري سمرز وزير الخزينة الأسبق في عهد كلينتون قد ادلى بتصريح غريب دعا فيه الى رفع نسبة البطالة في امريكا للحد من الاستهلاك والحد من التضخم وفي تعليقه على هذا الامر قال البروفيسور مايكل هدسون في حوار مع موقع "ميلتيبولاريستا" ان معظم الاقتصاديين يحتاجون وظيفة، وحتى يحصلوا عليها، عليهم أن يرسموا صورة عن الاقتصاد تقدم مشغلّيهم على أنهم مفيدون للمجتمع بشكل عام.

وقال ان المرء لا يمكنه أن تقول إن مشغّله يتصرف بطريقة لصوصية. اما لو كان مفكرًا اقتصاديًا يؤمن بالسوق الحر، مثل آدم سميث أو ديفيد ريكاردو أو جون ستيوارت ميل، فسيرى أن الأرباح التي تحققها الشركات اليوم هي ريع احتكاري، فهي أعلى بكثير من أي نسبة طبيعية للعائد على الاستثمار. والسبب هو أن الولايات المتحدة أوقفت العمل بقوانين منع الاحتكار منذ 10 أو 15 سنة، وسمحت عمليًا للاحتكارات بتركيز الأسواق والسلطة. حرية السوق وانغلاق السياسة وانتقد مايكل هدسون راي السيد لاري سمزر معتبرا "ان ما يقوله عمليًا هو أنه حين يتم تهدم هذا الإطار القانوني الذي كان موجودًا منذ تسعينيات القرن التاسع عشر (منع الاحتكار)، وتفكك سيطرة الدولة، فأنه يتم دعم السوق الحر.

ما يقصدونه بـ«السوق الحر» هو السوق الذي تستطيع فيه الشركات فرض الأسعار التي تريدها، هو سوق بلا تنظيم حكومي وبلا حكومة؛ هو السوق الذي تكون فيه الحكومة ضعيفة إلى حد يمنعها من حماية العمال المأجورين؛ هو السوق الذي لا تتولى الحكومة فيه التخطيط، بل وول ستريت، التي تخطط بالنيابة عن الصناعات الكبرى المؤملة. و«الديمقراطية» هي البلد الذي تكون فيه غالبية السكان، أي العمال المأجورون، عاجزة عن التأثير في السياسة الاقتصادية بما يتوافق مع مصالحهم. " السجال في بلادنا ويضع النقاش والحوار الدائر في الأوساط الاكاديمية والفكرية الامريكية على المحك مقولات جدوى السوق ونجاعة الاقتصاد الحر ويعيد الى الواجهة أهمية الدور التعديلي للدولة لمواجهة إخفاقات السوق. والحقيقة ان هذا النقاش ليس خاصا بالمجتمع الأمريكي فهذا السجال بين الطرح النيوليبرالي والطرح الاجتماعي يجد مداه في بلادنا.

وقد لا نبالغ بالقول بان هذا النقاش يمثل جوهر الامر في تونس حيث تشهد بلادنا سجالا قد يحتد في قادم الأيام بين تصور الحكومة النيوليبرالي المدعوم بنصائح صندوق النقد الدولي وبين تصور لمنوال تنموي لا يدع الحكم والسطوة للسوق واخفاقاته، عبر تعديله وفرض العمق الاجتماعي وهو ما يدافع عنه الاتحاد العام التونسي للشغل. ان قادم الأيام وبعد انتهاء الصراع الدائر حول الدستور ستكشف لنا اننا امام ازمة حقيقة اقتصاديا واجتماعيا تتطلب منا حلولا خلاقة تستوجب الحسم في خياراتنا الاقتصادية اما بالقطع مع منوال تنموي أسس للفقر والتفاوت او لتأبيده وتأبيد التخلف.

أبو ابراهيم