دولي

مشروع "غار جبيلات".. عقدة رؤساء الجزائر "تنفك" بعد 60 عاما

بعد أكثر من 6 عقود، تحقق المشروع الحلم في الجزائر الذي ظل "عقدة الرؤساء" في بلد يسبح على الثروات المعدنية والطاقية. فقد أشرف وزير الطاقة والمناجم الجزائري محمد عرقاب، "رسمياً" يوم السبت على افتتاح منجم الحديد "غار جبيلات" الواقع بولاية تندوف في أقصى الجنوب الغربي للبلاد، بشراكة مع شركات صينية.

وأفادت وزارة الطاقة الجزائرية في بيان بأن الوزير عرقاب أكد على أن "تطوير قطاع المناجم وبعث الأنشطة المنجمية بُغية الاستغلال الأمثل لهذه الثروات على مستوى كل ربوع الوطن".

وأشار إلى أن الأهداف الرئيسية لبرنامج تطوير قطاع المناجم في الجزائر تتعلق "بتهيئة الظروف الملائمة لتنمية الاستثمار، وذلك من خلال إصلاح الإطار التشريعي والتنظيمي المتعلق بالنشاطات المنجمية لضمان جاذبية الاستثمار في القطاع المنجمي الوطني، وتوفير معلومات وبيانات أساسية عالية الجودة تتعلق برسم الخرائط الجيولوجية وجرد المعادن للمستثمرين، وتكثيف برامج البحث المنجمي من اجل اكتشاف موارد معدنية جديدة".

بالإضافة إلى "زيادة الإنتاجية وتنويع المنتجات المنجمية، ولا سيما ذات القيمة المضافة العالية، وكذا تطوير المشاريع الصناعية المنجمية الكبيرة الهادفة إلى تثمين الموارد المعدنية المحلية، على غرار مشاريع تحويل الفسفاط بولاية تبسة (شرق)، واستغلال الزنك والرصاص بواد أميزور ببجاية (شرق)، وتطوير مكمن الحديد في غار جبيلات (تندوف) لتزويد صناعة الحديد والصلب الوطنية".

وأكد وزير الطاقة الجزائري على أن "إطلاق مجمع مناجم الجزائر مخطط تطوير وتثمين مناجم خام الحديد ونزه و بوخضرة بولاية تبسة سيسمح بإنتاج نحو 6 ملايين طن سنة 2030، إلا أن الطلب الوطني على خام الحديد غير مستوفى كلياً، و لهذا توجب تطوير مكامن غار جبيلات التي بالنظر إلى مستوى الاحتياطات الجيولوجية الكبيرة تبقى الوحيدة التي بإمكانها تلبية هذا الطلب و حتى تصدير الفائض".

وقدرت الوزارة الجزائرية احتياطات منجم "غار جبيلات" من الحديد بأكثر من 3 مليار طن، وأكدت على أنها "سهلة الاستغلال السطحي".

 مراحل الانتاج

وفيما يتعلق بمراحل مشروع "غار جبيلات" الضخم، كشف وزير الطاقة والمناجم الجزائري أنه سيمر بعدة مراحل تمتد من 2022 إلى 2040.

المرحلة الأولى تكون من 2022 إلى 2025، ويتم خلالها استخراج بين 2 إلى 3 ملايين طن من خام الحديد و نقله برياً، في انتظار إنجاز خط السكة الحديدية الرابط بين محافظة بشار وغار جبيلات، من أجل تحويله و تثمينه من قبل متعاملين وطنيين أبدوا رغبتهم في الاستثمار.

المرحلة الثانية من المشروع الضخم تبدأ من 2026، و تنطلق مباشرة بعد إنجاز خط السكة الحديدية، حيث سيتم استغلال المنجم بطاقة كبرى تسمح باستخراج بين 40 إلى 50 مليون طن سنوياً.

الوزير الجزائري نوه أيضا خلال افتتاح مشروع "غار جبيلات" بأن هذا المشروع "ليس خاصا بقطاع المناجم فقط، بل يتعداه إلى كل القطاعات و بالخصوص قطاعات النقل، الأشغال العمومية، الطاقة، المياه، المالية، البيئة، التهيئة العمرانية و الأمنية".

ودعا إلى "تضافر جهود كل القطاعات من أجل إنجاح هذا المشروع الضخم الذي تعود فوائده الاجتماعية والاقتصادية على كل الوطن عموما وعلى منطقة تندوف والجنوب الغربي الجزائري بصفة خاصة".

ولفت وزير الطاقة الجزائري إلى الفوائد الـ3 للمشروع، ولخصها في توفير مناصب العمل، وخلق و تطوير المؤسسات الصغيرة و المتوسطة، وتطوير السكن و الهياكل الاجتماعية.

كما تابع الوزير محمد عرقاب عرضاً خاصا متعلقاً بالاستغلال المنجمي للحديد بـ"غار جبيلات"، وعرض آخر حول مشروع انشاء شبكة لنقل الكهرباء وتعزيزها من 30 الى 60 كيلوفولط، تعزيزا وتأميناً للقدرة الكهربائية لولاية تندوف لاسيما المشاريع الصناعية.

- شراكة صينية

وفي أفريل 2021، فازت الصين بواحد من أكبر المشاريع الاستثمارية في الجزائر بمجال المناجم بقيمة وصلت إلى ملياري دولار. وهو المشروع الذي قدرت تكلفته الأولية بـ2 مليار دولار.  

وجاء ذلك بالشراكة بين المؤسسة الجزائرية للحديد والصلب "فيرال" و3 شركات صينية عملاقة مختصة في مجال التنقيب والاستغلال المنجمي وهي شركة "أم سي سي" و"سي دابليو اي" "هايداي سولار".  

وتوقع وزير الطاقة الجزائري أن يُسهم المشروع في تخفيض واردات استيراد الحديد، مع توفير مناصب شغل تصل إلى 3 آلاف عامل كمرحلة أولى، وسط توقعات بتضاعف الرقم بحلول 2025.

- عقدة الرؤساء

ولـ"غار جبيلات" ما يشبه القصة مع جميع الرؤساء الـ7 الذين حكموا الجزائر منذ نيل استقلالها عام 1962، والذي يعد من أكبر مناجم الحديد في العالم بسعة تصل إلى 3 مليارات طن.

وجرى اكتشاف المنجم للمرة الأولى سنة 1952 إبان فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر، من قبل العالم الفرنسي "بيار غيفان"، فيما لم يتمكن الاحتلال من استغلال المنجم بسبب صعوبة تضاريس موقع المنجم الواقع في أقصى الجنوب الغربي.

حاول جميع رؤساء الجزائر الاستفادة من الاحتياطات الهائلة لمنجم "غار جبيلات" لعله يغير واجهة الاقتصاد الجزائري، إلا أنهم عجزوا عن ذلك لعدة أسباب، وتحول إلى "عقدة اقتصادية لهم".

ومن بين تلك الأسباب التي حصرها خبراء اقتصاديون "الضغوط التي مارسها اللوبي الفرنسي للاستحواذ على المنجم، وطبيعة مسار مراحل الإنتاج والتصدير التي طرحتها شركات فرنسية بأن يتم نقل الحديد من تندوف إلى ميناء بجاية الواقع شرق الجزائر على طول 1900 كيلومتر"، وهو ما جعل تكلفة الاستغلال والإنتاج تتأرجح مرتفعة بين 10 مليارات دولار إلى 20 مليار دولار.

بالإضافة إلى غياب التكنولوجيا الخاصة باستغلال هذا النوع من المناجم، وتركيز الجزائر على جلب الاستثمارات في قطاع النفط، وكذا الأزمات المالية التي مرت بها الجزائر منذ النصف الثاني لثمانينيات القرن الماضي، ليبقى مشروع استغلال المنجم لنحو 60 عاماً "حبرا على ورق".

- بوصلة استثمار ضخم

ويعد منجم "غار جبيلات" الجزائري واحدا من أكبر المناجم النائمة على معدن الحديد في العالم، وتقدر احتياطاته من المعدن الرمادي بين 3 مليار طن إلى 3.5 مليار طن، بينها 1.7 مليار طن يمكن استغلالها كمرحلة أولى بحسب وزير الطاقة والمناجم الجزائري.

وتعول الحكومة الجزائرية على أن يساهم الاستثمار في المنجم الضخم على تحرير اقتصاد البلاد من "سجن النفط" باعتباره "مشروع القرن" الذي قد يغير معالم الاقتصاد الجزائري وفق الحسابات الاقتصادية لمسؤولي الجزائر وشركاؤهم الصينيين.

وتستهدف الجزائر عدة أسواق عالمية في صادراتها المقبلة لإنتاج "غار جبيلات"، إذ تركز على أسواق عربية وغرب أفريقيا ودول أوروبية كمرحلة أولى، على أن يمتد التصدير إلى دول آسيوية.

ويسمح استغلال المنجم للجزائر بتوفير 10 مليارات دولار تمثل صادرات سنوية جزائرية من الحديد وفق أرقام الجمارك الجزائرية.