" المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس " عنوان كتاب قيم للاستاذ ابراهيم بن صالح
الشعب نيوز/ المحرر. صدر للاخ والصديق أبراهيم بن صالح، رجل التربية والتعليم، مدرسا ومتفقدا، المناضل النقابي والحقوقي، كتاب قيم يحمل عنوان " المدرسة التونسية من الأزمة إلى إعادة التأسيس ". وفي لقاء سريع معه، أفادنا الاستاذ ابراهيم بن صالح أن:
ـــ الكتاب بمثابة الورقات التربويّة التي وقفت فيها على بعض مظاهر أزمة المدرسة التونسيّة وطرائق معالجتها ، انطلاقا من تجربتي الشخصيّة في التدريس والتفقّد البيداغوجي ومساهمتي في بناء التصوّرات التربويّة والوسائل التعليميّة المتّصلة بكلّ من القانون التربوي لسنة 1991 والقانون التربوي لسنة 2002.
رهان واحد، نجح مرة أولى وفشل في الثانية والثالثة
ـــ بعد مسافة زمنية من مغادرة الحقل التربوي والقيام بقراءة متسافية مع المدرسة التونسية انتهيت من هذه القراءة إلى أنّ رهان القوانين التربوية الثلاثة كان واحدا وهو تكوين الناشئة ليكونوا مواطنين صالحين موالين لوطنهم دون غيره، وتمكينهم من كفايات ومهارات تساعدهم على الاندماج في المجتمع ويكونوا فاعلين فيه .غير أنّ هذا الرهان ، لئن عرف بعض النجاح مع قانون 4 نوفمبر 1958، فإنّه عرف الكثير من الفشل مع القانونين المواليين نتيجة الانفصام الذريع بين المنوال الاقتصادي المتّبع ومخرجات المدرسة التونسية ، فتفاقم الانقطاع المدرسي وتضاعفت نسبة البطالة في صفوف حاملي الشهائد العليا ، واتسعت الهوّة بين الطبقات الاجتماعيّة بينما وضعت المدرسة من غاياتها تقليص الفوارق الاجتماعيّة من جهة واختزال المسافة بين الجهات الساحلية والجهات الداخلية أي بين تونس النافعة وتونس المنسيّة كما كان يسمّيها أحد المستعمرين .
الانتقائي الاقصائي والشعبوي المستدرك
ـــ عالجت هذه القضيّة بإقامة جدل مع قانون 29 جويلية 1991 الذي كان قانونا انتقائيّا إقصائيّا بحيث لا يسمح لتلميذ التعليم الأساسي بالانتقال إلى التعليم الثانوي إلا بمناظرة قاسية، الأمر الذي أدى بعشرات الآلاف من الأطفال إلى الشارع من دون توفير أطر بديلة لاحتضانهم ، وعالجت القضيّة بإقامة جدل مع قانون 23 جويلية 2002 الذي كان قانونا شعبويّا أراد أن يستدرك على القانون الذي قبله بالاحتفاظ بجميع الأطفال في المدرسة حتّى مستوى الباكلوريا من دون أيّ امتحان وطنيّ رقابيّ أو انتقائي .
ـــ أمّا قانون 1991 فاتّخذ لبوسا بيداغوجيّا هو المقاربة بالموادّ والأهداف والرفع من السقف المعرفي الأمر الذي تتحقق معه عمليّة الانتقاء في مستوى المنبع ، وأمّا قانون 2002 فاختار المقاربة بالكفايات يقدّمها على المعارف بدعوى أنّ تحقيق الاندماج الاجتماعي يستدعي المهارات وتنمية المؤهلات ولا يتطلّب كثيرا المعارف لأنّها متغيّرة باستمرار .
ـــ هكذا إذن كانت تعالج مسألة استيعاب خريجي المدرسة التونسية ، إمّا بلفظ الأطفال " الفاشلين " إلى الشارع ، وإمّا الاحتفاظ بهم في المدرسة تأجيلا لعملية الإدماج من دون التفكير في نفس الوقت في طرائق تطوير المنوال الاقتصادي طبقا لحاجيات المجتمع وملامح الخريجين من المدرسة .
بين الجمهرة والتيه والحرب الاهلية
ـــ والنتيجة الأولى هي أنّ الاحتفاظ بكلّ الأطفال في المدرسة ترتّبت عليه ما أسمّيه بـ " الجمهرة " أي الاكتظاظ في الأقسام الذي تتدنى معه مستويات التحصيل المدرسي ، والاكتظاظ في الفضاء المدرسي الذي تتفاقم معه المشاكل الاخلاقية والسلوكيّة والتي صارت تستعصي على كلّ سلطة تربويّة .
ـــ والنتيجة الثانية هي أنّ المدرّس أضحى تائها بين تعدد المقاربات البيداغوجيّة وتداخلها من جهة ومواجهة مشاكل الاكتظاظ التي تمنعه من أداء مهمّته على الوجه المرضيّ من جهة أخرى.
ـــ والنتيجة الثالثة هي أنّ الأولياء قبل المدرّسين سيضطرّون إمّا إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية كي يوفّروا بأنفسهم شروط نجاح منظوريهم ،وبذلك تكون المدرسة قد دخلت في طور " الحرب الأهليّة " غير المعلنة، أو سيضطرّون إلى اللجوء إلى التعليم الخاصّ وقاية لأبنائهم من عوامل الفشل المدرسي في التعليم العمومي .
المدرس مفتاح كل اصلاح
لقد سعيت إلى فهم مظاهر أزمة المدرسة التونسية من زاوية النظر هذه واقترحت ما وسعني النظر بعض الاقتراحات للإصلاح ركّزت فيها على الفاعل التربوي الرئيسي الا وهو المدرّس فدعوت إلى رعايته مادّيا ومعرفيّا وصناعيّا وذاك هو مفتاح كلّ إصلاح .