وطني

رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الجمهورية التونسيّة

رسالة مفتوحة إلى السيد رئيس الجمهورية التونسيّة

تابعنا بانتباه كلمتكم التي افتتحتم بها يوم 15 سبتمبر 2022 مجلس الوزراء عقب امضاء الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل محضر اتفاق المفاوضات الاجتماعية والزيادات في الوظيفة العمومية والقطاع العامّ. وقد خصّصتُم جزءا من كلمتكم للحديث عن المنظومة الوطنية للتربية والتعليم فأكّدتم فيها أنّ "أهمّ قطاع على الإطلاق في تونس هو قطاع التربية والتعليم"، وأنّ "التّعليم يجب أن يكون في مقدّمة الأولويّات"، وأشَرتم إلى تنصيص الدستور على إنشاء مجلس أعلى للتربية والتعليم "لكي يعود للتعليم بريقه"، كما عبّرتم عن تمنّ بأن "يقع تخصيص ثلث الميزانية للتربية والتعليم" كما كان الأمر خلال العقود الأولى لدولة الاستقلال، وأنّ إصلاح المنظومة يجب "أن يكون شاملا لكل مراحلها من التعليم الأساسي إلى العالي". سيدي الرئيس، واقع الحال مع الأسف مختلف جدّا عن هذه التصوّرات. فقد تعطّلت الإصلاحات في ظلّ تناقص نسب ميزانيّات التربية والتعليم من الميزانية العامّة، وتراجعت المكانة الاجتماعية للجامعييّن بصفة ملحوظة، وتدهورت مقدرتهم الشرائية بصفة لم تعد تُحتمل، ولم تعد مهنة التدريس الجامعي والبحث جذّابة للشباب، ولم تعد ظروف تعاطيها بالنسبة إلى العاملين بها مشجّعة على العطاء والاستقرار، فهجرت الكفاءات الجامعيّة مخابر البحث والجامعات والبلاد فرادى وجماعات وبشكل مفزع وغير مسبوق.

سيدي الرئيس، لقد غادر الجامعات التونسيّة، في إطار التّعاون الفنّي وبحثا عن عيش كريم وظروف عمل أفضل، 2014 مدرّس تعليم عال، منهم 1811 تتراوح رتبهم بين أستاذ مساعد، وأستاذ محاضر، وأستاذ تعليم عال. ويمثّل هذا العدد نسبة %18.56 من إجمالي المدرّسين الباحثين في هذه الرّتب، أي ما يقارب واحدا من خمسة. فهل قَدَرُ الجامعيّ في تونس ألاّ يجمع بين إثنين: عيش كريم واستقرار في وطنه معزّزا مكرّما؟ ويضاف إلى هذه الأرقام طبعا الجامعيون الذين استقالوا وغادروا البلاد نهائيّا. هؤلاء وأولئك أقدموا على ذلك مضطرّين بعد أن ضاقت بهم السبل وأرهقهم ضنك العيش. سيّدي الرئيس، آن الأوان لوقف هذا النّزيف عبر إعادة الاعتبار للجامعة والجامعيين، وحان الوقت لتأميم الكفاءات الوطنية وحمايتها من الاستغلال في دول أخرى عرفت كيف تستقطبها عبر اللّعب على الأجور.

سيدي الرئيس، كلامكم مهمّ ويكون أهمّ لو اقترن بأفعال رياديّة وقرارات شجاعة تعيد للجامعة بريقها المفقود وللجامعيين المكانة التي هم بها جديرون، وتعطي في الوقت نفسه معنى ودلالة لوصف منظومة التربية والتعليم بالقطاع الاستراتيجي. سيدي الرئيس، إنّ الجامعييّن لا يَستجْدون منّة أو عطفا لأنّهم جُبلوا على الوطنيّة والبذل، ولكنّهم يطالبون بردّة فعل تترجم غيرة الدّولة التونسيّة وخوفها على مكتسباتها الاستراتيجية وعلى منظومة التربية والتعليم، والجامعة العموميّة عمادها الرّئيسيّ وهم أيضا على قناعة تامّة بدور هذه المنظومة المركزيّ في أيّ عمليّة إصلاح وطنيّ التي قد تُفرغ من كلّ معناها إذا لم يحظ الجامعيّون بالمكانة الاجتماعية التي يستحقّون.

عن الجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي الكاتب العام نزار بن صالح