وثائقي

وثيقة هامة 4 : كلما تدخات السلطة ، غير الاتحاد مساره في الاتجاه المعاكس تماما

 ثمة ملاحظة تفرض نفسها في القراءات التي نجريها لتشكيلات المكتب التنفيذي الوطني من 1946 الى اليوم ونسب التجديد التي حصلت فيها وهي أن مناسبات التجديد المرتفعة عدا واحدة (2017) دفعت المنظمة الى تغييرات لافتة غالبا ما جرت في الاتجاه المعاكس لما كانت عليه.

أزمة الباخرة
          ففي جويلية 1965 تم ابعاد الحبيب عاشور ورفاقه بعد تدبير قضية الباخرة الرابطة بين صفاقس وقرقنة عقابا لهم على موقفهم الرافض لتخفيض الدينار الذي قررته الحكومة قبل أشهر وخاصة على موقفهم الرافض لتدخل الحزب الحاكم في الاشراف وتسيير مؤتمرات الهياكل النقابية طبقا لقرار اتخذه مؤتمر المصير للحزب الحاكم الذي اصبح يسمى الحزب الاشتراكي المنعقد في أكتوبر 1964 بمدينة بنزرت.
           وتدعم هذا الموقف من خلال المؤتمر المنعقد في اوت 1969 بمدينة المنستير حيث وقع رفع عدد الأعضاء من 9 الى 21 و"انتخاب" 18 عضوا جديدا دفعة واحدة يدينون بالولاء للحكومة أكثر من ولائهم للعمال والاتحاد. وبذلك حصلت قطيعة كبيرة بين الاتحاد والعمال وغيرهم من الفئات المهمشة، قطيعة ما كان لها أن تتوقف لولا الازمة السياسية الحادة التي عصفت بالوزير أحمد بن صالح لقاء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي اتسمت بتجميد الأجور وتفقير صغار الفلاحين والصنايعية.
           أما مؤتمر29 ماي 1970 الذي عاد من خلاله الحبيب عاشور الى قيادة الاتحاد فقد جاء في الاتجاه المعاكس للمؤتمر الذي سبقه باعتبار أنه أسفر عن انتخاب 10 أعضاء جدد ولم يحتفظ من القيادة التي سبقت الا بـ 3 أعضاء محسوبين على أدارة الحزب الحاكم تم ابعادهم خلال المؤتمر الموالي المنعقد سنة 1973 وبعده بسنتين. وقد تم تعويضهم بنقابيين مستقلين عن الحزب الحاكم ومن ذوي الميولات القومية واليسارية. وحتى من تبقى من نقابيين ناشطين في الحزب الحاكم فقد استقالوا منه في جانفي 1978 وعلى رأسهم الحبيب عاشور نفسه الذي كان عضوا في الديوان السياسي وخير الدين الصالحي عضو اللجنة المركزية للحزب. وبالتالي مضى تغيير الاتجاه الى مداه الأقصى وانتهى بالخلاف الحاد الذي أدى الى أحداث 26 جانفي 1978 الأليمة واحلال قطيعة حادة بين السلطة والاتحاد وما كان لها هي الأخرى أن تتوقف لولا واقعة الاعتداء المسلح على مدينة قفصة في 27 جانفي 1980 ومرض الهادي نويرة الوزير الأول المرشح الأبرز لخلافة الرئيس الحبيب بورقيبة وتعويضه بوزير أول آخر.
          رغم ابعادهم نتيجة محاكمتهم من أجل ما نسب اليهم من مسؤولية في أحداث 26 جانفي وسجنهم فقد تمكن أغلب أعضاء القيادة المنتخبة في مؤتمر 1977 من العودة الى مواقعهم على رأس المنظمة إنصافا لهم من المظلمة التي سلطت عليهم. لكن السلط القائمة آنذاك لم تكن تنظر بعين الرضا الى نَفَس الاستقلالية الذي قوي صلب المنظمة بشكل لافت للانتباه ، لذلك سعت جهدها الى أحلال بعض التناقضات بين أعضائها حيث وبالرغم من قبوله بعقد مؤتمر استثنائي (أفريل 1981 بقفصة) رفض الرئيس الحبيب بورقيبة عودة الحبيب عاشور على رأس الاتحاد إلاّ أن النقابيين اعترضوا على قرار الرفض واستعاضوا عنه بقرار للمجلس الوطني قضى بعودة الحبيب عاشور على رأس الاتحاد بعد 6 أشهر.  في الاثناء أغرت السلطة النقابيين بـ 27 مقعدا في البرلمان المنتخب في أكتوبر 1981.
            هذان النقطتان قسّمتا القيادة والنقابيين عموما وأفضت بعد نحو سنتين (نوفمبر 1983 ) الى انشقاق 7 من أعضاء المكتب التنفيذي قاموا بعد أسابيع قليلة بتأسيس منظمة نقابية موازية تحت اسم الاتحاد الوطني التونسي للشغل. وفي نفس الشهر وقع تعويض جزء من المنشقين بعناصر من النقابيين الصاعدين ثم بعد سنة  (ديسمبر 1984) تم عقد المؤتمر السادس عشر الذي أكمل عملية التجديد بتوفيره فرصة الارتقاء للقيادة الى 7 أعضاء جدد.  
          نَفَسُ الاستقلالية المتزايد دفع الى خلاف جديد مع السلطة القائمة لا سيما في ظل توتر اجتماعي خانق نتج عن أزمة الزيادة في أسعار المواد الأساسية أدى الى مواجهات دامية أسفرت عن عدد من القتلى والجرحى في شهر جانفي 1984. تضاف الى ذلك معركة خلافة الرئيس الحبيب بورقيبة التي كانت تدور في الكواليس بين عدة شخصيات.
          ولم يغفر حكام تلك الفترة لقيادة الاتحاد انحيازها الى الفئات الشعبية ودعوتها الى إلغاء الزيادات في الأسعار ومساندتها لبعض التحركات الطالبية والتلميذية فقامت بتأليب بعض النقابيين السابقين ضد القيادة وتشجيعهم على الاستيلاء تحت غطاء أمني على مقرات الاتحاد وتنصيب قيادات بديلة سماها الوزير الاول آنذاك محمد مزالي بالشرفاء إضافة الى وضع الأمين العام الحبيب عاشور تحت الإقامة الجبرية لمنعه من ممارسة مهامه.

تغيير 7 نوفمبر 1987
          مرة أخرى تفعل الازمة السياسية فعلها في التأثير على مسار الحركة النقابية. ففي 7 نوفمبر 1987 ، انقلب الوزير الأول المباشر زين العابدين بن علي على الرئيس الحبيب بورقيبة وحل محله على رأس الدولة فسارع منذ البداية الى بحث حل يساعد على تنقية الأجواء السائدة آنذاك في الساحة النقابية وبالضرورة فسح المجال أمام القيادة المبعدة بفعل الخلاف مع الوزير الأول الأسبق محمد مزالي للعودة الى دفة القيادة.
           لكن بن علي كغيره من الحكام عمل على احداث شرخ صلب النقابيين  تمثل في دعوة ناعمة وجهها للحبيب عاشور حتى يتنازل عن حقه في الترشح لقيادة الاتحاد للمرة الرابعة وان يتمتع في المقابل بتقاعد مريح بما أنه كان في سن 74 من العمر. وعلى ضوء ذلك جرى المؤتمر الاستثنائي المنعقد بسوسة في افريل 1989 في انقسام واضح وأجواء متوترة بين النقابيين وتنافس شديد بينهم غذّاه البعض باتهام البعض الاخر بهندسة المؤتمر ونتائجه بالتنسيق مع مستشاري بن علي نفسه.
          المهم في الموضوع ان مؤتمر سوسة أسفر عن تصعيد 6 وجوه جديدة (46،1 بالمائة) انضافت الى 7 سبق لها أن انتمت الى آخر قيادة قبل أزمة 1985.