آخر ساعة

قصة تونسي من جيل انصرف اهتمام شبابه الى قضيتين كبيرتين: فلسطين وفياتنام

الشعب نيوز/ متابعات - في حلقة أولى من هذه الخواطر، أشرنا الى رحلة مهمة قام بها صديقنا ورفيقنا بشير جمعة الى دولة فياتنام. وحاولنا جهدنا ان نفسر لشباب اليوم ماذا كان يعني فياتنام بالنسبة لشاب مثل سي بشير عاشوا آخر ردهات حرب فياتنام أواسط سبعينات القرن الماضي.

قد لا نكون افلحنا في الامر أو ربما حرفنا الصورة والقصة. لذلك سعدنا كثيرا بمادة زاخرة عثرنا عليها في صفحة سي بشير، أجاب فيها عن السؤال المفصلي في حكاية " الخرجة" الى فياتنام.

 العهدة على الراوي

يقول بشير: لماذا أصررت على الذهاب الى فياتنام؟ و يجيب : لاني من جيل انصرف اهتمام شبابه الى قضيتين كبيرتين: فلسطين وفياتنام
وانترك فلسطين جانبا لان جرحها مازال مفتوحا. أما فياتنام فقد اندمل جرحها وبرأ تماما منذ سنة 1975.ورغم ذلك فأنني لم استطع طوال ما مر من سنوات عمري أن أنسى تلك الفترة العصيبة التي امتدت بين شهري جانفي وأفريل 1975 وبقيت جاثمة على صدري وأنا الشاب الذي لم يبلغ من العمر سوى 20 سنة وبعض الاشهر.
كنت حتى ذلك التاريخ ومن قبله بنحو سنتين تقريبا أنشط في الهياكل النقابية المؤقتة للاتحاد العام لطلبة تونس، وفي الاثناء التحقت بمنظمة بارسباكتيف/ العامل التونسي برغبة شخصية مني ودون أن يطلب ذلك مني أحد.

شعور بالقهر
في تلك الفترة، شن نظام بورقيبة هجمة شرسة على الطلبة وناشطي اتحاد الطلبة و" دقدقنا "،- ملاحقة وحصارا وضربا وايقافا وتعذيبا - حيث كنت كل يوم أتلقى خبر ايقاف فلان أوفلانة من الرفاق والاصحاب.
كنت اشعر بالقهرلعجزي عن عمل أي شيء أساعد به اولاد وبنات " النورمال " تلك المدرسة الصغيرة التي كان كل أمر أو حادث يحصل فيها، يعلمه الجميع لحظة وقوعه، غير أن أسارع   وأقوم بتنظيف المساكن السرية التي أقام فيها الرفاق زكشفها البوليس أو غرفهم في المبيتات الجامعية من اية وثائق سرية أو مناشير أو غيرها مما يمكن أن يدينهم.
أمر ما سيحصل 
قضيت قرابة 3 شهور على هذه الحال بغصة في قلبي. لكن كنت في نفس الوقت أتابع بكل جوارحي ما يحدث في فياتنام عبر ما يصلنا من أخبار عن الحرب الدائرة فيها وأمني النفس وأحلم بل ومقتنع أن أمرا هاما سيحصل، خاصة ان سفارة شطر فيتنام الجنوبي وفوقها ذلك العلم الاصفر المقطوع بخطين أحمرين كانت تقريبا ملاصقة لمبيتنا في ميتيالفيل, وكنت كلما مررت أمامها راودني حلم الهجوم عليها واقتلاع العلم من فوقها..
كنت أبحث عن أي شيء أو سبب يعطيني الفرصة حتى أفرغ  شحنات غضبي وغلي في بورقيبة والامريكان، رغم اني لم أكن يوما ما متشيعا لاي ايديولوجيا ولا لماركس أولينين، فقط زملائي وأصحابي هم ايديولوجتي وسياستي.

سقطت "سايغون"
في هذا الاطار ،أتذكر يوم 30 افريل 1975 لحظة جاءنا خبر سقوط مدينة "سايغون" عاصمة الشطر الجنوبي، المدعوم من الامريكان وكان كل طلبة " النورمال" يدرسون  والقاعات ملآنة، فأخذت أجري من قاعة الى أخرى ومثل مختبل، افتح أبواب القاعات صائحا في الطلبة "سقطت سايغون، يا شبيبة، سقطت سايغون اخرجوا ما ثماش قراية اليوم".
وفي برهة من الزمن اجتمعنا أمام المشربة الBUVETTE, وأخذنا نردد أغاني الشيخ إمام "يا عبد الودود" و "يا فلسطينيا".
شعرت يومها أني مع أصحابي وصاحباتي الموجودين في السجون قد هزمنا الدساترة ( الحزب الحاكم آنذاك وبورقيبة وطاهر بلخوجة (وزير الداخلية ) وحسن عبيد (مدير أمن الدولة).


شفيت من جرحي 

خلاصة القول انني زرت فياتنام حتى أستريح من ذلك القهر الذي عشته، ومن ذلك اليوم الذي أصاب قلبي بغمامة.
أعترف، بصراحة، أنني انشرحت وشفيت من جرحي وقتما رأيت بوابة القصر الرئاسي في "سايغون" وذينك الدباباتين الحقيقيتين اللتين ساهمتا في الاطاحة بمن كان يقيم فيه سنة 1975.

شرح صور:

الاولي: بوابة القصر الرئاسي في " سايغون " وقد وقعت المحافظة عليها كما كانت.

الثانية: الدبابتان اللتان وقع استعمالها للاطاحة بالقصر في أفريل 1975.

الثالثة : الصديق والرفيق بشير جمعة داخل القصر الذي أصبح مزارا.