نقابي

كلمة الأخ نورالدين الطبوبي الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل في أشغال الندوة الثلاثية رفيعة المستوى

الشعب نيوز / أبو خليل . " تونس، في 24 نوفمبر 2022

السّيدة نجلاء بودن رمضان رئيسة الحكومة،

السّيد مالك الزّاهي وزير الشّؤون الاجتماعية،

السّيد سمير ماجول رئيس الاتّحاد التّونسي للصّناعة والتّجارة والصّناعات التّقليدية،

السّيدة رانيا بيخازي مديرة مكتب منظّمة العمل الدّولية بالجزائر،

السّيد ممثّل حكومة دولة النورويج

السّيدات والسّادة، الأخوات والإخوة ممثّلات وممثّلي المنظّمات الوطنية والدّولية،

السّيدات والسّادة الإطارات السّامية والخبراء الأجلّاء،

 

كما أرحّب بضيوف تونس من الخبراء الدّوليين السّيدان Eystein Gjelsvik وAndré Berka من النّرويج والسّيدتان Paula Fernandes وHelena Romao من البرتغال والسّيدة Droua Abdelali من الجزائر الشّقيقة،

وترحاب خاصّ بالسّيد يوسف غلّاب رئيس وحدة الحوار الاجتماعي بمنظّمة العمل الدّولية - جينيف والذّي رافقنا منذ سنة 2012 في إعداد العقد الاجتماعي،

اسمحوا لي نيابة عن نفسي وعن الإخوة أعضاء المكتب الوطني التّنفيذي وكافّة مناضلي ومناضلات الاتّحاد العام التّونسي للشّغل أن أتوجّه بخالص عبارات الشّكر والتّقدير لكلّ من عمل على تنظيم هذه النّدوة رفيعة المستوى والتّي تتنزّل في إطار العمل على دفع الحوار الاجتماعي بين مختلف الشّركاء في هذا الظّرف الدّقيق للمساهمة في تعزيز فرص الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي فيما بعد جائحة كوفيد-19،

لقد مثّلت جائحة كوفيد-19 أزمة إنسانية مأساوية غير مسبوقة حصدت ملايين الأرواح البشرية في العالم أجمع، وكانت لها آثار مدمّرة على الشّغل والشّعوب وكلّ الاقتصاديات وكشفت شحّ التّضامن الدّولي وهشاشة واقع العلاقات المهنية خاصّة في البعدين المتعلّقين بالحقّ في العمل والصّحة والسّلامة المهنية. وكسائر بلدان العالم كان للجائحة شديد الأثر على الأوضاع في تونس بمزيد تشعيب وتعقيد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا وتجلّى ذلك أساسا في فقدان مواطن الشّغل وتراجع المداخيل وصعوبات مالية جمّة تكبّدتها المؤسّسات الاقتصادية الوطنية لاسيما المتوسّطة والصّغرى منها وبوجه خاصّ المؤسّسات الصّغرى جدّا مع تفاقم البطالة وتصاعد التّوتّرات الاجتماعية وتسارع الضّغوط التّضخمية وتراجع نسبة النّمو إلى مستويات سلبية عكست هول الانتكاسة الاقتصادية التّي لم تعهدها بلادنا على مرّ التّاريخ.

وعلى الرّغم من أنّ الجائحة قد أعادت إلى الأذهان الوعي بالأهميّة القصوى للبعد الاجتماعي وضرورة ترسيخ علويّة الإنسان وأعلنت إقدام كلّ الشّعوب على جملة من التّغييرات الهيكلية الكبرى المتسارعة وعلى رأسها الانتقال الرّقمي والطّاقي والبيئي إضافة إلى نقل سلاسل التّموين العالمية وجملة من التّحوّلات الجذرية في المفاهيم والمصطلحات والأنماط الثّقافية والمجتمعية ومناهج التّفكير والتّقييم والتّخطيط، وهو ما أقرّته منظّمة العمل الدّولية بوضع برنامجها للتّعافي في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 كأولوية مطلقة بالاعتماد على مقاربة مندمجة ومستدامة قادرة على الصّمود وتتمحور قبل كلّ شيء على الإنسان. وحيث كان العمّال في الصّفوف الأمامية لمواجهة الأزمة بما مكّن من المحافظة على صمود نسيجنا الاقتصادي والمجتمعي، ورغم تضحياتهم الجسيمة طيلة الجائحة، فقد عانى العمّال في تونس الأمرّين بسبب بعض الخروقات التّي مسّت حقوقهم الأساسية، حيث تعدّدت في تونس الانتهاكات الممنهجة لحقوق العمّال المكفولة بحقوق الإنسان الدّولية ضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في 10 ديسمبر 1948 ، وإعلان منظّمة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل وآليات المتابعة في 18 جوان 1998 ولاحقا ضمن مراجعتها في 15 جوان 2010 ، وإعلان ريو دي جانيرو بشأن البيئة والتّنمية في 1992 ، والاتّفاقيتين الدّوليتين عدد 87 و98 لمنظّمة العمل الدّولية، وهو ما يقتضي الآن الالتزام بضمان حقوق العمّال وحماية مواطن الشّغل بما يكفل الحفاظ على النّسيج الاقتصادي.

إنّ التّعافي في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 من شأنه أن يقدّم نموذجًا جديدًا لاقتصاد بلادنا، والتزامًا جديدًا بحقوق العمّال واحترام القانون بشكل عام، وعليه فقد بات اليوم تفعيل العقد الاجتماعي وتحيينه بالاعتماد على الحوار الاجتماعي الجدّي – الشّفّاف والمسؤول طبقا للمعايير الدّولية وعلى قاعدة التّشاركية الفعلية ضرورة وحاجة ملّحتين بهدف التّأسيس لصمود اقتصادنا وتطويره وبما يضمن التّشغيل والعمل اللّائق والحقوق والحماية الاجتماعية والمساواة والإدماج والنّهوض بمؤسّساتنا في القطاع العام والخاصّ وبما يسهّل استعادة الثقة لدى المجموعة الوطنية وبين مختلف الفاعلين والشّركاء الاجتماعيين وبالتّالي وضع اللّبنات الأساسية للسّير على نهج الإصلاح والاستدامة والرّقي والرّفاه.

إنّ تشريك الشركاء الاجتماعيين في صياغة وتنفيذ ومتابعة السّياسات العامة هي المقاربة الأنجع لتبنّي ووضع الاستراتيجيات التّنموية في كنف الشّفافية والحوكمة الرّشيدة: وهو ما تمّ التّنصيص عليه بكلّ وضوح في القرار عدد 70/1 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتّحدة في 25 سبتمبر 2015: "تحويل عالمنا: برنامج الأمم المتّحدة للتّنمية المستدامة في أفق 2030" بالتّشديد أنّ التّشاركية هي ركيزة أساسية من الرّكائز الخمس للتّنمية الشّاملة والمستدامة وهو ما تمّ تأكيده لاحقا على سبيل الذّكر لا الحصر: في كلّ من المذكّرة التّوجيهية للفرق القطرية للأمم المتّحدة في فيفري 2016 من قبل مجموعة الأمم المتّحدة للتّنمية وأيضا دليل الإجراءات لسنة 2022 لقسم الشّؤون الاقتصادية والاجتماعية للأمم المتّحدة والمتعلّق بإعداد المراجعات الوطنية الطّوعية في إطار المنتدى السّياسي رفيع المستوى حول التّنمية المستدامة. واعتبارا لما تقدّم فإنّ الحكمة والعقلانية تقتضيان لا محالة ضرورة تفعيل مؤسسة المجلس الوطني للحوار الاجتماعي الذّي يشكّل الفضاء الأمثل والأنجع عبر لجانه السّتّ للحوار الفعّال والتّباحث في كلّ القضايا ورسم السّياسات التّنموية، حيث نعتقد جازما أنّه كان من الأحرى تدارس معضلة فقدان المواد الأساسية وغلاء المعيشة والارتفاع المشطّ للأسعار في اللّجنة القارّة للمقدرة الشّرائية والإنتاجية والتّحاليل الاقتصادية والاجتماعية، كما كان من الأجدر بلورة مخطّط التّنمية 2023-2025 بصورة تشاركية فعلية عبر الحوار والتّشاور على الأقلّ في اللّجنة القارّة للتّنمية الجهوية والنّموّ الاقتصادي والموارد الطّبيعية والقطاعات الاستراتيجية كالاقتصاد الرّقمي والفلاحة والطّاقة والصّناعات الغذائية والمعملية مع ضرورة سحب نفس المقاربة على ملفّ المفاوضات بخصوص الاتّفاق مع صندوق النّقد الدّولي أو قانون المالية التّكميلي لسنة 2022 أو قانون المالية لسنة 2023، هذا وبغاية التّقيّد بأبعاد الشّمولية والاستدامة والاستشراف فإنّ لنا قناعة تامّة بوجود العديد من التّقاطعات وهو ما يقتضي بديهيا ضرورة تدارس الملفّات المذكورة وغيرها من الإشكاليات المتعدّدة لا فقط باللّجنتين المذكورتين سلفا بل ببقيّة اللّجان القارّة بالمجلس الوطني للحوار الاجتماعي التّي تضطلع بأهمية مفصلية في الملفّات التّنموية والاقتصادية والاجتماعية ببلادنا وهي: اللّجنة القارّة للتّكوين المهني والتّشغيل وتطوير الموارد البشرية – واللّجنة القارّة للحماية الاجتماعية -  واللّجنة القارّة للانتقال من الاقتصاد غير المنظّم للاقتصاد المنظّم – والّجنة القارّة للعلاقات المهنية والعمل اللّائق.   

السّيدات والسّادة، الأخوات والإخوة،

إنّ للحوار الاجتماعي ميزات وآليات فريدة من نوعها أثبتت نجاعتها القصوى في مسار تحقيق الأهداف الرئيسية لبرنامج التّنمية المستدامة في أفق 2030 ومن ذلك على سبيل المثال الجهود الرّامية إلى الحدّ من الفقر وضمان العمل اللائق وتكريس المساواة والحقّ في الصّحة والتّعليم وصلابة واستدامة المؤسّسات وتعزيز التّماسك الاجتماعي، وعليه فإنّه من البديهي أن يكون الحوار الاجتماعي حصرا الرّافعة الأمثل للتّعافي وخلق فرص للانتعاش الاقتصادي والاجتماعي لا فقط في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد-19 بل إزاء التّعاطي مع كلّ الأزمات والمخاطر والتّحوّلات العميقة ومن بينها على سبيل الذّكر لا الحصر : الحرب الرّوسية/الأوكرانية ودقّة الوضعين الدّولي والإقليمي وتواتر الخلافات وندرة المياه والانحباس الحراري والتّغيير المناخي ومستقبل العمل وبروز بوادر لخارطة جيوسياسية جديدة للنّظام العالمي. 

إنّ إنجاح التّعافي بعد جائحة كوفيد-19 يقتضي رؤية جديدة لعالم العمل الذّي يشهد حاليًا تحوّلات عميقة في ظلّ التّأثير المباشر والمشترك لــ4 عناصر أساسية أقرّتها منظّمة العمل الدّولية وهي التّطوّر التكنولوجي - التّغيير المناخي - النّمو  الديموغرافي - وتسارع وتيرة العولمة، وهنا تكمن الأهمية الاستراتيجية للحوار الاجتماعي الذّي يقع في صميم مبادرة مستقبل العمل ويعتبر عاملاً أساسيا للفاعلية الاقتصادية والتّقدّم الاجتماعي والمشاركة الدّيموقراطية من خلال قدرة هذه المقاربة في العديد من المرّات سواء على المستويين الوطني أو الدّولي على إيجاد حلول توافقية ناجعة كونها أداة لا غنى عنها لمساعدة الفاعلين الثّلاث في عالم العمل على صياغة سياسات وطنية تتناغم مع السّياق والأولويات الوطنية وتعزّز التّماسك الاجتماعي. وممّا لا شكّ فيه أنّ الحوار الاجتماعي بين الفاعلين الثّلاث ضمانة لحوكمة رشيدة للعمل، ولوضع سياسات متوازنة قادرة على التّعاطي السّلس والنّاجع مع المتغيّرات الأربع لعالم العمل وتحقيق النّموّ الاقتصادي بشكل مستدام وتأمين العدالة الاجتماعية.

واليوم، وبلادنا إزاء دقّة الأوضاع وطنيا وإقليميا ودوليا و واقع ديناميكي يتّسم بتسارع التّحوّلات العميقة وتنامي المخاطر، فإنّه لا بديل عن حوار جدّي – شفّاف – مسؤول – فعّال – ودائم لرفع الاستحقاقات التّنموية وتوفير كلّ السّبل الكفيلة للانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في ما بعد جائحة كوفيد-19، حيث يضطلع الحوار الاجتماعي بأهميّة بالغة من حيث قدرته على تحقيق المبادئ الأساسية لخطّة فعالية المساعدة من أجل التّنمية المنبثقة عن إعلان باريس في 2 مارس 2005 عن طريق ثلاث عناصر وهي : الإدماج – التّبنّي الدّيموقراطي – والمسؤولية وصولا خاصّة إلى الدّور المحوري للحوار الاجتماعي في خطّة العمل اللّائق وبرنامج التنمية المستدامة في أفق 2030 وذلك كما يعكسه الاعتراف الدّولي الواسع بالنّجاعة القصوى للحوار الاجتماعي اعتبارا وأنّه أداة حوكمة رشيدة وذات مزايا فريدة من نوعها أبرزها الاندماج والتّفاعل الدّيناميكي والشّمولية في مسار تحقيق كلّ برنامج التنمية المستدامة وأهدافها الــ 17 وذلك بتأثيره المباشر في الأبعاد الخمسة التّالية: ظروف العمل وحقوق العمّال والمساواة في العمل / النّفاذ إلى المرافق والخدمات العامّة وسياسات إعادة التّوزيع / النّموّ والابتكار / البيئة والمناخ / الحوكمة والتّشاركية على أن يتمّ تنزيل أهداف التّنمية المستدامة وملائمتها مع السّياق التّونسي والاستحقاقات والأولويات الجيواستراتيجية الوطنية ضمن محيطنا المتوسّطي – المغاربي – العربي – الإفريقي بوجه خاصّ والإقليمي والدّولي بوجه عامّ.

ولكن وفي الآن نفسه لا يمكن الحديث عن حوار اجتماعي حقيقي من دون دمقرطة فعلية للحياة السّياسية و غياب سياسة اتّصالية شفّافة وواضحة أو من دون تبادل المعلومات بين الأطراف الاجتماعية  في ظلّ الانتهاك الممنهج لحقوق العمّال كما يؤكّده مؤشّر الحقوق للاتّحاد الدولي لنقابات العمّال CSI في سنتي 2020 و  2021 وتواصل ضرب الحقّ النّقابي من خلال الاستهداف والتّضييق والالتفاف على حقّ الإضراب وحقّ المفاوضة الجماعية والحقّ في نفاذ العمّال إلى العدالة وإنصافهم والحقّ في النّشاط النّقابي داخل المؤسّسات  والمسّ بحقّهم في حريّة  وبالتّراجع عن الاتّفاقيات الممضاة وتكريس العمل الهشّ بالنّظر لما يحدث حاليا في وزارة التّربية أو بمزيد من التّعنّت والدّفع نحو الأزمات كما هو الحال اليوم، أو كما لوحظ في القطاع الخاصّ من استهداف للنّقابيين ومنع تكوين نقابات والانخراط فيها  ورفض إنجاز اتّفاقيات إطارية جديدة تتعلّق بقطاعات اقتصادية نوعية وجديدة. وعليه، وحيث شكّلت جائحة كوفيد-19 فرصة للقطع مع النّماذج السّابقة الفاشلة، ولكي يكون للحوار الاجتماعي تأثير إيجابي في التّطوّر الاقتصادي والنّهوض الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة، من الضّروري توفّر الإرادة الفعلية ومناخ من المصداقية والمسؤولية يكرّس الثّقة المتبادلة على أن تلعب الدولة دورها التّام في الدّعم الفعلي لهذا المسار، وفي هذا الإطار نجدّد تمسّكنا بالإصلاح الحقيقي البنّاء والعادل لا المضيّ في نهج الحلول التّرقيعية والظّرفية أو اختزال الأزمة في كتلة الأجور أو تحميل الطّبقة الشّغيلة والفئات الشّعبية والضّعيفة تبعات سوء الإدارة والتّخطيط والخيارات والتّوجّهات  وعبر المضيّ في استراتيجية علمية لمكافحة الفساد ونعلن رفضنا لكلّ المحاولات  لرفع الدّفع عن الأجراء بكافّة أصنافهم وكلّ الشّرائح الاجتماعية الضّعيفة والهشّة والمهمّشة  وما سينجرّ عن ذلك من مزيد تفقير التّونسيات والتّونسيين وضرب مقدرتهم الشّرائية نهائيا في مقتل، حيث كان حريا بمن سوّق عشوائيا لمقاربة توجيه الدّعم لمستحقّيه أن يضبط بادئ ذي بدء بطرق علمية وبكلّ دقّة من هم المستهدفون في غياب المعرّف الاجتماعي الوحيد رغم دعواتنا المتكرّرة إلى ضرورة وضع هذا المعرّف وإطلاق حوار مجتمعي شامل قبل مجرّد التّفكير في هذا التّوجّه الخطير جدّا والتّلويح بالشّروع في رفع الدّعم باعتماد أساليب ارتجالية تفتقد لأدنى أسس العقلانية  والموضوعية والدّقّة والآليات العلمية النّاجعة، كما نشدّد على ضرورة المحافظة على الطّابع العمومي للمؤسّسات العمومية وعدم التّفريط فيها وإصلاحها حالة بحالة وعلى قاعدة تقاسم الأعباء بين الأطراف المتداخلة وإصلاح حوكمتها داخليا وخارجيا، كما نشدّد على ضرورة إطلاق إصلاح جبائي شامل ومعمّق واعتماد الفوترة الالكترونية عن طريق الحوار مع الأطراف المعنية والقطع نهائيا مع حالة التّلكؤ المستمرّة عند التّطرّق إلى ملفّ الإصلاح الجبائي علما وأنّ العدالة الجبائية هي أساس التّماسك والعدالة الاجتماعيين والعنوان الأساسي والأبرز لمقاومة جديّة للفساد وخاصّة لإرساء دولة تكرّس ثقافة القانون وعلويّة المؤسّسات وروح المواطنة.

 هذا ونؤكّد أنّ الحوار الاجتماعي الذّي نصبو إليه لا يتعلّق فقط بالتّرفيع في الأجور بل بكلّ المواضيع التّي تهمّ المؤسّسة والعاملين فيها ونخصّ بالذّكر الإنتاج والإنتاجية والتّنافسية وتحسين ظروف العمل والتّكوين المستمرّ و الصّحة والسّلامة المهنية والحماية الاجتماعية، كما نجدّد التّذكير أنّنا في الاتّحاد العام التّونسي للشّغل مع المؤسّسة ونطمح لمؤسّسات وطنية ناجحة ومستدامة لها القدرة التّنافسية التّي تمكّنها من الإشعاع والتّطوّر وتتحمّل المسؤولية المجتمعية المناطة بعهدتها وخاصّة في ما يتعلّق بعمّالها والمتعاملين معها ومحيطها، ونساند كلّ الجهود الرّامية إلى دفع الاستثمار العمومي والخاصّ – الدّاخلي والخارجي والرّفع في نسبة النّموّ على نحو مستدام وعادل والحدّ من الفقر والفقر المدقع والفوارق الاجتماعية والتّباينات الجهوية وإلى تطوير المداخيل الاقتصادية والدّفع نحو التّجديد والابتكار وحفز المبادرة الخاصّة و ريادة الأعمال للجميع وخاصّة لدى الفئات الشّبابية والنّساء، ولنا في التّجارب الدّولية المقارنة والممارسات الجيّدة العديد من النّماذج الرّائدة لجدوى ونجاعة الحوار الاجتماعي في شتّى المجالات.

السّيدات والسّادة، الأخوات والإخوة،

لا يخفى على أحد ما يمكن أن يقدّمه الحوار الاجتماعي من حلول نموذجية في هيكلة وانتقال الاقتصاد غير المنظّم كما أقرّته التّوصية عدد 204 لمنظّمة العمل الدّولية في إطار المؤتمر الدّولي للعمل في 2015 نحو الاقتصاد المنظّم، وهي معضلة ستبقى من التحديات الرئيسية في ضمان العمل اللائق للجميع والغلق النّهائي لملفّ التّشغيل الهشّ وهو ما يدعونا كذلك إلى وضع سياسات جديدة للتّشغيل (خاصّة بعد عدم الموافقة على الاستراتيجية الوطنية للتّشغيل من قبل بقيّة الأطراف الاجتماعية) ناهيك عن ضرورة اعتماد منظومة التّأمين على فقدان مواطن الشّغل وبالتّالي الدّفع نحو نسيج اجتماعي أكثر اندماجا واستدامة، هذا ومن شأن الحوار الاجتماعي أن يوفّر أدوات نوعيّة لمحاربة التّباينات المجتمعيّة من خلال تحسين نفاذ المرأة إلى الخدمات والمرافق العامّة (كالتّعليم) والتّرفيع في فرص مشاركتها في سوق الشّغل انتهاء إلى تكريس مساواة فعلية بين الجنسين سواء على المستوى الوطني أو على مستوى المؤسّسة وهي لمناسبة متجدّدة ندعو فيها كافّة الأطراف الاجتماعية إلى المصادقة على الاتّفاقية الدّولية عدد 190 لسنة 2019 المتعلّقة بالقضاء على العنف والتّحرّش في عالم العمل.

وعلى صعيد آخر، وإيمانا من المنظّمة بأنّ التّغيير المناخي هو أكبر خطر يتهدّد الكوكب والإنسانية جمعاء في ما بات يعرف بالتّحدّي قبل الأخير للمجموعة الدّولية، وقناعة تامّة منّا بأنّ النّمو والتّنمية المستدامة مرتبطان أكثر من أي وقت مضى بالتّخفيف من انعكاسات التّغيير المناخي والانحباس الحراري والانبعاثات الغازية والعمل على حماية البيئة والتّوازنات البيئية ومواردنا الطّبيعية والتّنوّع البيولوجي ومعالجة أزمة ندرة المياه والتّصدّي للتّصحّر وارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل المساحات الغابية والتّطرّف المناخي والعمل على استباق ظاهرة الهجرة المناخية، وهو ما يتطلّب سياسات متكاملة ومندمجة تعتمد أساسا على الحوار الاجتماعي وخيارات تمويل مناسبة وخطّة عمل مناخية تشاركية والتّعاون النّاجع واسترايجية لإدارة وتبادل الخبرات والمعارف. ومن هذا المنظور ، ووفقًا لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في أفق 2030، يتّجه العمل على تكريس "الانتقال العادل" بخلق مواطن شغل مستدامة، وعليه فإن المشاركة الفعلية للعمّال في هذا المسار  ضرورة ملحّة كما تمّ التّنصيص على ذلك في توطئة اتفاق باريس للتّغيير المناخي وضمن المبادئ التوجيهية لمنظمة العمل الدولية "للانتقال العادل نحو اقتصاديات ومجتمعات مستدامة بيئيًا للجميع" من خلال الحوار الاجتماعي الفعلي والتّشاور المتواصل مع العمّال والهياكل النّقابية وإشراكهم في كافّة مراحل تطوير وتنفيذ سياسات منخفضة الكربون على "جميع المستويات وفي جميع المراحل".

وفي الأخير، نتمنّى النّجاح لهذه النّدوة رفيعة المستوى، على أن تكون مخرجاتها منسجمة مع التّحديات الكبرى التّي تعيشها بلادنا."