محمد علي الحامي مؤسس أول تنظيم نقابي تونسي وعربي
الشعب نيوز / كعب . محمد علي الحامي من رواد الحركة النقابية بتونس، ومؤسس "جامعة عموم العملة التونسيين" سنة 1924، التي تعتبر أول تنظيم نقابي محلي وعربي يعنى بالطبقة العاملة في البلاد، ويدافع عن حقوق العمال.
استطاع في فترة مبكرة من تاريخ تونس أن يجمع شتات العمال التونسيين في مختلف المجالات تحت رعاية النقابات الفرنسية، لكنه سرعان ما أدرك مع ثلة من المثقفين والوطنيين ضرورة تشكيل هيكل نقابي مستقل، للاهتمام بالمشاكل الجوهرية الخاصة بالعمال التونسيين.
- المولد والنشأة
ولد محمد علي بن علي بن مختار الغفاري شهر الحامي يوم 15 أكتوبر 1890، في معتمدية "القصر" من حامة قابس .
تأخر انتسابه إلى المدرسة حتى سن الثامنة لفقر عائلته، لكن الحظ لم يسعفه وانقطع عن التعليم بعد 4 سنوات إثر وفاة والدته وهو في سن 12.
انتقل صحبة والده إلى العاصمة تونس ليقيم عند أخته، حيث بدأ ارتياد الكتّاب ومثل غالبية النازحين المعدمين والأميين تلك الفترة، رابط الطفل الحامي في سوق الخضار والغلال بالحي الأوروبي للعمل حمالا، يقوم بتوصيل مشتريات مرتادي السوق إلى منازلهم.
سرعة بديهة الحامي والظروف الاجتماعية القاسية، التي دفعته للعمل في السوق، مكنته أيضا من تعلم الفرنسية ليتميز عن بقية الحمالين بالتواصل مع الزبائن وجذب انتباههم له.
استطاع لفت انتباه القنصل النمساوي أثناء وجوده بالسوق لنشاطه وذكائه رغم صغر سنه، فانتدبه للعمل ساعيا وخادما لإدارة شؤون منزله، وهناك تعلم الألمانية، وحصل على شهادة بميكانيك السيارات.
عام 1910 غادر القنصل النمساوي البلاد فتوجه الحامي للعمل عند أحد وجهاء العاصمة تلك الفترة مستغلا خبرته في قيادة وإصلاح السيارات، مما أتاح له الاحتكاك بالتجار والمترفين وخوض تجربة أثرت فيما بعد على مسار حياته.
أثناء الحرب في طرابلس الغرب بين القوات الإيطالية والجيش العثماني، في أكتوبر 1911، اختاره بعض التجار والأعيان سائقا لإيصال المساعدات الطبية والتمويلات اللازمة لدعم القوات العثمانية.
تعرف خلال مشاركته في حرب طرابلس على أنور باشا وزير الحربية العثماني آنذاك، ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914 عينه مترجما للألمانية والتركية إلى نهاية الحرب.
- الدراسة والتكوين العلمي
ينقسم المسار التعليمي للحامي إلى مرحلتين: الأولى في مسقط رأسه حيث لم يكمل تعليمه الابتدائي، ثم في العاصمة حيث التحق بالكتّاب وتعلم اللغات الفرنسية والألمانية والتركية بحكم المهن التي زاولها منذ الصغر.
والثانية بدأت مع نهاية الحرب الكونية الأولى وانتهاء مهمته مترجما مع الجيش العثماني بألمانيا، ليستغل إقامته هناك ويلتحق بقسم الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة برلين حاصلا على شهادة الدكتوراه بالاقتصاد السياسي في فيفري 1924.
كان لإقامته في برلين أثر كبير في تشكيل وعيه السياسي الذي انعكس لاحقا على مسيرته النضالية والاجتماعية، فإضافة إلى استيعاب المفاهيم الاقتصادية والاجتماعية عايش الحامي تصاعد التيار الاشتراكي والحركة السبارتكية، مما عمق وعيه الوطني وإحساسه بضرورة الانخراط في النضال الاجتماعي.
وتأثر بأفكار اليسار التي كانت تتمدد بشكل واسع في الأوساط الطلابية والثقافية الأوروبية آنذاك، بالتزامن مع انتصار الثورة البلشفية في روسيا وصعود التيار الفكري الاشتراكي في العديد من الدول الأوروبية.
- التجربة السياسية والعملية
في مارس 1924 عاد الحامي إلى تونس يحذوه طموح كبير للعمل في الشأن الوطني العام لبلد تحت وطأة المستعمر الفرنسي، لذلك عمل على إنشاء خطاب وطني جديد، يقوم على الاتصال بالجماهير الكادحة، بعد أن كان الخطاب السياسي موجها للنخبة المثقفة.
وكانت تونس تعيش حالة غليان اجتماعي أججتها الأزمة الاقتصادية لسنة 1923، وساهمت في تأطيرها الثقافة التي أفرزتها فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، حيث كان للصحافة والمسرح والجمعيات الثقافية دور هام في تطوير الوعي الشعبي السياسي، الذي مثل الأرضية الملائمة لتحركات الحامي وخطابه "الثوري التجديدي".
لكن هيمنة رأس المال الأجنبي على الدواليب الاقتصادية، وقلة وعي المجتمع، وجهته في 29 جوان 1924 إلى بعث جمعية التعاون الاقتصادي في المجال التجاري فقط، والتركيز على ضعف المقدرة الشرائية للعمال الوطنيين مقارنة بالفرنسيين والأوروبيين.
وفي أوت 1924، دعم الحامي قرار عمال ميناء تونس الدخول في إضراب عن العمل، للمطالبة برفع أجورهم ومساواتها بنظرائهم من الفرنسيين، مما أثار السلطات الاستعمارية التي لم تعتد مثل هذه التحركات من العمال التونسيين المنضوين ضمن النقابات العمالية الفرنسية، والتي كانت تسوف مطالبهم ولا تولي أوضاعهم اهتماما.
أمام الميز العنصري وغلاء المعيشة، طلب العمال المضربون من الحامي الذي ذاع صيته في الأوساط الشعبية الإشراف على الإضرابات، ونتج عن هذا التفويض تكوين لجنة عمل ولجنة إضراب للمتابعة والتوجيه.
شرع الحامي في تشكيل هيئات نقابية تونسية منتخبة، وحصل على مساندة من بعض الدستوريين مثل أحمد توفيق المدني، رغم أنه سعى إلى أن تكون النقابة مستقلة عن الأحزاب السياسية.
عارض اتحاد النقابات الفرنسي وخاصة كاتبها العام "جواشيم دورال" فكرة إنشاء حركة عمالية تونسية مستقلة، وأوفد رئيس الحكومة الفرنسية آنذاك "إدوارد هريو" الكاتب العام للكونفدرالية العامة للشغل "ليون جوهو" إلى تونس لدراسة الملف العمالي، ولكنه لم ينجح في ثني الحامي والقادة النقابيين عن تأسيس تنظيم نقابي تونسي.
ومع تفشي الإضرابات في كامل الموانئ التونسية، أدرك الحامي أن البلاد تعيش نقطة تحول هامة يجب عدم التفريط فيها، فقرر في نوفمبر 1924 تأسيس منظمة نقابية سماها "جامعة عموم العملة التونسيين" التي جمعت كل الأطياف الفكرية والتوجهات السياسية والفئات الاجتماعية.
في 03 ديسمبر 1924 تم التصويت لاختيار أعضاء اللجنة التنفيذية المؤقتة لـ "جامعة عموم العملة التونسيين" في قاعة الشغل بنهج الجزيرة، وانتخب الحامي كاتبا عاما لها.
أظهر الحزب الشيوعي مساندة فعلية للجامعة، نظرا لأيديولوجيته المنادية بدعم حركة التحرر الأهلية في المستعمرات، واعتبر ذلك إسهاما مهما في إضعاف الإمبريالية العالمية.
وتبعا لذلك جند الشيوعيون كل إمكاناتهم لدعم حركة الحامي، خاصة أن منظمتهم النقابيّة الكونفدرالية العامة للشغل الموحد "سي جي تي يو" (C GTU) (وهي نقابة فرنسية) لم تفلح في إزاحة اتحاد النقابات سنة 1922.
وجدت هذه الجامعة في بدايتها مساندة من الحزبيْن الحر الدستوري والشيوعي التونسييْن، فسعت النقابة التونسية الوليدة إلى استقطاب العمال التونسيين، وذلك لإضعاف نقابة "الكونفدرالية العامة للشغل" الفرنسية التي كان يهيمن عليها فرع الحزب الاشتراكي الفرنسي بتونس.
استغل "لوسيان سان" المقيم العام الفرنسي بتونس آنذاك الفرصة لتقديم الحامي في صورة العدوّ اللدود للسلطات الفرنسية، مستدلا على ذلك بمساندته لتركيا وألمانيا أثناء الحرب العالمية الأولى، ومصورا "جامعة عموم العملة التونسيين" على أنها منظمة متواطئة مع الشيوعية العالمية.
لم يجد الضغط الفرنسي تفاعلا من الجانب النقابي التونسي، بل على عكس توقعاته ارتفعت وتيرة الإضرابات العمالية لتشمل العديد من المدن والقطاعات الحيوية، والتي يرتكز عليها الاقتصاد الاستعماري، مثل قطاع صناعة الإسمنت والآجر وقطاع النقل وقطاع الموانئ.
مطلع عام 1925، تحالف الاشتراكيون والدستوريون والإصلاحيون ضد الجامعة، الأمر الذي جعلها تواجه منفردة التبعات القضائية التي فرضها المستعمر، والتي انتهت بإحالة الحامي وقيادات الجامعة إلى المحاكمة وإصدار حكم بالنفي.
في 5 فيفري 1925، اعتقلت السلطات الفرنسية الحامي ورفاقه وقدمتهم للمحاكمة بتهمة التآمر على أمن الدولة، وبعد إيقافهم لأكثر من 9 أشهر، حكمت المحكمة الفرنسية في 17 نوفمبر 1925 بنفي الحامي خارج تونس 10 سنوات.
غادر الحامي تونس في 28 نوفمبر 1925 نحو إيطاليا، ثم تركيا فمصر فطنجة بالمغرب ، قبل أن يستقر في الحجاز ويعمل في الترجمة وتدريس الفرنسية بمدرسة "الفلاح" قبل تأسيسه شركة لنقل المسافرين بالسيارات.
- وفاته
اختلفت الروايات حول تاريخ ومكان وفاة الحامي، والرواية الأشهر أن أجله جاء في 10 ماي 1928 إثر حادث اصطدام بوادي المصيلة في السعودية.
تنفيذ / كعب .