كأس العالم لكرة القدم كفُرجة مسرحية
الشعب نيوز/ حسني عبدالرحيم - لم تعد المنافسات الرياضية مجرد تنافس بدني وإعداد رياضي، فمنذ دورة برلين 1936 صارت ملاعب الكرة واللعبات الاخرى هى فُرجة بألمعني المسرحي للفُرجة! طبعآ الحلبات الرياضية الرومانية كانت كذلك ايضآ ولكنها مناسبات كان يحضرها أعداد محدودة من المواطنين الأحرار ويتصارع في الحلبة العبيد!
لقد اصبح الإستاد الذي يضم بعضه أماكن للمشاهدة تضم أكثر من مائة الف شخص ويمكن نقل احداثه لمئات الملايين عبر الأقمار الصناعية في القارات الخمس وأصبح الملوك ورؤساء الجمهوريات يجلسون في المقصورات الرئيسية ويسلمون الكؤوس والميداليات! أصبحت التنافسات الرياضية مناسبات سياسية بإمتياز، ومئات المليارت تنفق على الأبنية والتنظيم وكذلك تُدفع كجوائز ومكافآت للاعبين و تعوضها ببساطة مئات المليارات التي تأتي من الإشهارات في الملاعب وعلى الملابس ومن خلال محطات التليڤزيون !
أضحت المسابقات الرياضية كذلك عمليات إقتصادية كبرى سواء في حجم الأموال المستثمرة فيها ومداخيلها والمؤسسات الصناعية العابرة للقارات والمنتجة للأدوات والملابس الرياضية والمالكة للعلامات المعروفة للكبير والصغير ك"أديداس" و"ريبوك"وغيرها! ومحطات التلڤزة المتخصصة لنقل المباريات طوال الليل والنهار والمراهنات التى تدور بها مليارات !نحن في الحقيقة أمام قطاع مهم من الإقتصاد الدولي يسمى الإقتصاد الرياضي! مايتعلق بألثقافة هو الأمر المسكوت عنه فى النمو الهائل للمسابقات الرياضية.
كرة القدم تلك اللعبة الجماعية التى لم تسثن بلدآ، صارت ملاعبها مسرحآ للتكوين الثقافي الحديث جدآ! فمن ناحية، صارت الإستادات الضخمة مجالآ للفن المعماري الحديث والمعاصر وال"مابعد -حداثي" فلم تعد المسارح والكاتدرائيات والمساجد هى الأهم في مجالات التصميم والتعبير الثقافي بل أستادات كرة القدم صارت المجال الأوضح للتعبيرات المعمارية المركبة !
على صعيد الموسيقى والغناء صارت الملاعب كما شاهدنا مبكرآ فى نهائي أولمبياد" لوس أنجلوس"(1984) الأغنية الشهيرة "نحن العالم" والتي كتبها كل من "مايكل چاكسون "و "ليونيل ريتشي" وتحولت لما يشبه نشيدا أمميا غطى على كل الأناشيد الوطنية !
كانت تلك بداية الموجة الكبرى التي تتحول بها الإفتتاحات والخواتيم للمسابقات الدولية وخاصة في كرة القدم ومجالآ واسعآ لإستعراض الثقافات الوطنية والمُهجنة والموجات الجديدة من الموسيقى والغناء ،ودخل جمهور المشجعين في الإستعراض الفنى بأغاني المشجعين في المدرجات والتى بدأها الألتراس بأغاني وشعارات التشجيع لاندية محلية لكن سرعان ماتم دمجها مع النزعات الوطنية والقومية المتطرفة المتصاعدة وكذلك المعارضات السياسية .
يأتي الإفتتاح الفخم لمسابقة كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022 لكى يتكثف واقع المنافسة الثقافية وكذلك التداخل والتهجين الثقافي ،فبلد كقطر يعيش به عد محدود من السكان الحاصلين على الجنسية الوطنية بينما القسم الأكبر من السكان والقوى العاملة هم من المغتربين واصحاب تصاريح الإقامات المحددة بعقود العمل التى قد تستمر لعشرات السنين دون الحصول على الجنسية والتمتع بحقوق المواطنة!
لكن دولة قطر تستحوذ على فوائض مالية هائلة من مداخيل النفط والغاز ، وببساطة تتعاقد مع شركات كبرى لتشييد الإستادات وشركات أخرى لتأمين الحدث وشركات أخرى لتقديم المحتوى الثقافي في الإفتتاح والختام ومابينهمان بينما يرتحل ملايين عبر خطوط الطيران و الخطوط القطرية في مقدمتهم لمشاهدة المباريات ويقومون بملأ الفنادق المجهزة على آخر طراز ويتبضعون من الاسواق الحرة المفتوحة على أحدث منتجات العالم الأول والثاني والثالث و يتعرفون على مشجعين من شعوب أخرى! ويغنون أناشيدهم وموسيقاهم ويرقصون رقصاتهم الوطنية ويتحلون بملابسهم التقليدية ويأكلون في مطاعم تقدم أطباق كل البلدان بينما يتغنون بشعارات منتخبات بلادهم!
في إفتتاح كآس العالم للكرة هذا الأسبوع كان العرض الموسيقي المُبهر والذي قدمه "جونجكوك" نجم فريق BTS(كوريا الجنوبية) استعراض لأغنية "حالمون" بمشاركة المطرب القطري "فهد الكبيسي"في إستعراض على المسرح الذي تم إستخدام المؤثرات الضوئية الأحدث فيه ومن حوله.
والذي كان في مركزة الإداء البارز هو واحد من أشهر الممثلين في تاريخ السينما ذو البشرة السمراء الأمريكي الفائز بأوسكار التمثيل والمرشح له ست مرات- "مورقان فريمان"(85 عام) مع آخر عربي بملابس تقليدية خليجية، بنصف بدن، والإداء الموسيقي الذي تخلله من مغني ذي ملامح أسيوية ومؤدي عربي بألملابس التقليدية-" وخلال ذلك وإستعراض الخيول والإبل والرقص العربي الخليجي بألسيوف في تهجين ثقافي وفرجة مسرحية عن عالم يبدو أنه متصالح وعلى وفاق بينما الحقيقة حولنا أن الحروب والمجاعات في كل مكان !ليس على العرض المسرحي أن ينقل بؤس العالم وحروبه ونزاعاته في حفلاته .. لكنه لايمحوهم!
فُرجة جميلة إبتدأ بها الكأس كان نجومها مؤديين في مسرحية متعددة الثقافات وكان في الخلفية رؤساء وملوك مبتسمين ومتحفزين و متصارعين!هل يصنع الفن والرياضة وفاقا عالميا جديدا ؟ ربما يساهم في ذلك على الأرجح…عندما تشاهد اللاعبين من مختلف الأجناس والألوان يمثلون أمم أوربية وأمريكية وعربية مهجنة وليست كما كانت في أول القرن العشرين.
مصالحات وتنسيج ثقافي فرجوي على أرض الأستاد وتهجين فرق كروية في المباريات ! إنه عالم جديد لاتعرف شماله من جنوبه -بمجرد النظر- وهو مدى جديد للنقد الثقافي وليس فقط الرياضي.