وثائقي

عملية اغتيال الزعيم فرحات حشاد تقررت في فرنسا سبعة أشهر قبل وقوعها

 الشعب نيوز/ ويكيبيديا - مثل اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد في الوقت الذي كانت فيه اللجنة السياسية للأمم المتحدة تدرس القضية التونسية تجاوزا لكل معايير السلوك الدولي إضافة إلى ما يمثله من تصعيد سياسة التصلب والقمع وإطلاق العنان لاستبداد رجال الإقامة العامة وحلفائهم في المنظمة الإرهابية الفرنسية «اليد الحمراء». كما ان الاخ نورالدين الطبوبي اعاد نفس الطلب في الخطاب الذي القاه يوم السبت 3 ديسمبر 2022.

وخلال مؤتمرات الاتحاد طالب النقابيون في لوائح عديدة بإعادة فتح ملف اغتيال فرحات حشاد أحد أقرب الزعماء السياسيين إلى الرئيس الراحل حبيب بورقيبة وعضو مجلس الأربعين الذي كان يستشيره ملك تونس وأوصاه بعدم القبول بالإصلاحات الهزيلة التي أرادت فرنسا في إبانه فرضها على تونس لتضمن تأبيد وجودها في البلاد وسيطرتها عليها.كما ان الاخ نورالدين الطبوبي اعاد نفس الطلب في الخطاب الذي القاه يوم السبت 3 ديسمبر 2022.

علما وأن السيد نورالدين حشاد الذي سبق له ان شغل منصب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية ما انفك يطرح نفس الطلب.  

حصانة للقتلة

ومن الطبيعي ألا تتبع العملية أي محاولة فرنسية جدية لملاحقة الفاعلين باعتبارهم يتمتعون بحصانة من السلطات الاستعمارية آنذاك. غير أنه وبعد الاستقلال، قامت أصوات خافتة للمطالبة بمحاكمة المسؤولين عن قتل فرحات حشاد وليس أسوة بما تم مع المتهمين في قضية قتل الزعيم التونسي الكبير الآخرالهادي شاكر الذي اغتيل في 13 سبتمبر1953 أي بعد أقل من عام على مقتل فرحات حشاد. إلا أن كل ذلك جوبه بنوع من التجنب.

ارتفعت أصوات قليلة لتقول إن هذا السكوت هو عبارة عن صفقة سرية منذ استقلال تونس الداخلي في 1955 م الذي توج بعد أقل من عام بالاستقلال التام لعدم ملاحقة الفرنسيين المورطين في اغتيال فرحات حشاد وأضاف هؤلاء في إبانه أن الصفقة شملت كل الفرنسيين الذين تورطوا في اغتيال عدد من المجاهدين التونسيين والمعروفين أحيانا بالاسم والذين وبمناسبة استقلال البلاد غادروا في سرعة من أمرهم وأصبحوا خارج قدرة القضاء التونسي على ملاحقتهم.

وإذ عرفت قضية اغتيال الزعيم التونسي الهادي شاكرمحاكمة في سنة 1957 م انتهت باعدام اثنين من المتهمين واعتبرت محاكمة باطلة لا تستند إلى الشرعية القانونية بحكمها غير دستورية (محاكمة شعبية) تم فيها سماع شهود زور وتعذيب للمتهمين وأهملت التعرض للفرنسيين الذين ورد ذكرهم وبعضهم ممن كان يحوزمناصب عالية في الإدارة الفرنسية الحاكمة في تونس أو بعض رجال الامن. فيما إن أي ذكر لملاحقة قتلة فرحات حشاد وكلهم على ما يبدو من الفرنسيين لم يجر على أي لسان، وباتت قضية اغتياله نسيا منسيا.

مطلب نقابي وطني

غير أن المؤتمرات الأخيرة للتحاد العام التونسي للشغل، عادت إلى الموضوع وطالبت بكشف كل أسرار هذا الاغتيال لأول مسؤول نقابي في تونس أسس اتحاد النقابات سنة 1946 م وبذلك كان أول من أسس مركزية نقابية بالمعنى الكامل للكلمة في كل إفريقيا والعالم العربي.

ومما لاشك فيه أن الملاحقة الجزائية لم تعد ذات موضوع بالنسبة لقضية فرحات حشاد فقد سقطت الدعوى بالتقادم كما يقول القانونيون غير أن الزعماء النقابيين الحاليين يسعون للدفع لمعرفة من قتل فرحات حشاد ومن كان وراء ذلك الاغتيال وفي أي مستوى كان في تونس أو في باريس ومن أعطى الأوامر لذلك الاغتيال أو على الأقل الضوء الأخضر له.

ومن المؤكد أن أرشيف الخارجية الفرنسية التي كانت تتبعها تونس والمغرب بعكس الجزائر التي كانت تتبع وزارة الداخلية باعتبارها محافظة فرنسية يحتوي على أسرار ذلك ومن الناحية القانونية فإن هذا الأرشيف يمكن أن يماط عنه اللثام وتكشف أسراره، وتعطى أسماء من أمر ومن أعطى الضوء الأخضر، ومن خطط، ومن وفر الوسائل اللوجيستية ومن تولى التنفيذ لهذه العملية التي أنزلت السمعة الفرنسية إلى الحضيض في ذلك الوقت قبل 70 عاما.

ويكاد يكون مؤكدا أن السلطات الاستعمارية الفرنسية التي كانت خاضعة لحفنة من الفرنسيين المقيمين في تونس والمعروفين بتطرفهم وعدائهم لكل إصلاحات تؤدي إلى استقلال البلاد، والواثقة بأن تونس قد تم استيعابها وفرنستها في طريق تنصيرها إن لم تكن قد وقفت وراء عملية الاغتيال هذه وكذلك عملية اغتيال الهادي شاكر فإنها تكون قد تركت الحبل على الغارب وبعلم منها لهذه العمليات التي لم ترفع لا من شأن فرنسا ولا من مكانتها.

وقد جاء الوقت ولا شك لإلقاء ضوء الحقيقة وضبط المسؤوليات في هذا الاغتيال الذي استهجنته في إبانه كل الجهات الدولية بما فيها الأمريكية وحملت مسؤوليته للحكومة المركزية في باريس.

خيوط الاغتيال 

وأظهر فيلم وثائقي بثته قناة الجزيرة الوثائقية نهاية العام 2009 الفرنسي أنطوان ميليرو أحد مدبري اغتيال الزعيم التونسي وقد روى تفاصيل الإعداد لتلك العملية ووقائع تنفيذها كما صرح في نفس الفيلم أنه لو طلب منه إعادة تنفيذ العملية لكررها. وهو ما اعتبر لدى حقوقيين ومحامين اعترافا بارتكاب جريمة حرب وتباهيا بها.

وبادرالاتحاد العام التونسي للشغل وعائلة الضحية ومنظمات فرنسية في مارس 2010 إلى تقديم شكاوى لدى القضاء الفرنسي ضد ميليرو استنادا إلى وثيقة اعترافه التي تم بثها لكن صدر بعد ذلك حكم قضائي برفض جميعها.

وعند زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند إلى تونس في 5 جويلية 2013 سلم وثائق أرشيفية متأتية من وزارة الخارجية والدفاع الفرنسيتين، يتبين منها أن عملية الاغتيال تمت بواسطة مصلحة التوثيق الخارجي ومكافحة التجسس التابعة للمخابرات الفرنسية، وأن هناك فريق عمليات أرسل من باريس لمراقبة تحركات فرحات حشاد، وأن عملية الاغتيال قد تقررت قبل سبعة أشهر. وفي أفريل 2013 تم في باريس تدشين ساحة باسم فرحات حشاد في الدائرة 13.

انتهى 3/3

--------

الشعب نيوز/ ويكيبيديا - في صباح يوم 5 ديسمبر عام 1952 تم تنفيذ خطة القضاء على فرحات حشاد. تبعته سيارة في الطريق من ضاحية رادس التي كان يقطنها خارج العاصمة تونس وأطلق عليه ركابها النار وفرَّت السيارة هاربة ولكن حشاد أُصيب فقط في ذراعه وكتفه وتمكّن من الخروج من سيارته. بعدها بثوان ظهرت سيارة أخرى وأجهزت عليه بإطلاق النار على رأسه ثم إلقائه على جانب الطريق بعد التأكّد من موته.

وعندما أُعلن نبأ اغتياله على الراديو في الظهيرة اجتاحت المظاهرات مدن العالم من الدار البيضاء إلى القاهرة ودمشق وبيروت وكراتشي وجاكارتا وامتدت أيضاً إلى مدن أوروبية مثل ميلانو وبروكسل وستوكهولم وتحوّلت في الدار البيضاء إلى أعمال عنف راح ضحيتها ما يقرب من أربعين شخصاً.
الدفن والجثمان
تم نقل جثمان فرحات حشاد على مركب صغير إلى جزيرة قرقنة مسقط رأسه حيث قامت أسرته بدفنه هناك ولكن تم إنشاء مدفن رسمي آخر له في تونس العاصمة ونقل رفاته إليه عام 1955  ما زال التونسيون يحتفلون سنوياً بذكرى اغتياله كما أُنشئت باسمه الجامعات والكليات والمعاهد واطلق اسمه على أكبر مستشفى تعليمي في سوسة. وفي عام 2005 تم بناء مدرسة في مدينة جنين في فلسطين المحتلة على نفقة الاتحاد العام التونسي للشغل باسم ذكور الشهيد فرحات حشاد الثانوية، فضلا عن الشوارع والساحات. وألفت بشأنه عشرات الكتب وعدد من المسرحيات والاغاني والاهازيج والوثائقيات السينكائية والتلفزيونية 

عقب الاغتيال
 لم يكن هذا الاغتيال هيّنا على محبي فرحات حشاد وعلى من تربطه به علاقة النضال من أجل الحرية والاستقلال، فثارت المظاهرات الحاشدة التي سارت في جنازته التي لم يسبق لها نظير في تونس، وكان استشهاده شرارة لتفعيل المقاومة في تونس وتضامنت معه جماهير العالم الحر خصوصاً في المغرب الأقصى التي أظهرت ملامح الحب والإخاء لما تربطهم بفرحات من أواصر الصدق والوفاء في النضال المشترك واسترجاع حرية البلدان المغاربية من قبضة المستعمر.

(يتبع 2/3)