ثقافي

كتاب الاندماج الإعلامي في العصر الرقمي للباحث سفيان العبيدي : مستقبل صناعة الصحافة والإعلام في عصر الأتمتة والخواريزميات والذكاء الاصطناعي

الشعب نيوز/ أمّ إيّاد: صدر حديثًا عن دار الآفاق للنشر والتوزيع بدولة الإمارات العربية المتحدة، كتاب "الاندماج الإعلامي في العصر الرقمي" من إعداد الباحث والأستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار سفيان العبيدي. يخوض الكاتب في التطور الحاصل على الصناعة الصحفية والإعلامية ويستشرف مستقبلها في ظل الاندماج بين عمالقة التقنية والذكاء الاصطناعي والإعلام التقليدي وصناع الميديا الجديدة.

يقدم الكتاب قراءة معمقة للمفاهيم والمقاربات والسياقات التاريخية للاندماج الإعلامي بدءا من أربعينات القرن الماضي مع بدايات التفكير في آلة ما تعوض الإنسان في عدد من مهامه (الحاسوب) وصولا إلى عصرنا الحديث. ويتناول اتجاهات تطور صناعة الاتصالات والحواسيب والهواتف المحمولة وتأثيرها في تطور الصحافة والراديو والتلفزيون.

كما فصَل الكاتب مجالات توسع السوق الإعلامية نحو آفاق استثمارية عملاقة ونشوء ميديات رقمية جديدة بأشكال صحفية غير مسبوقة، صارت قوى تنافسية للإعلام التقليدي ودفعته إلى مراجعات في سياساتها التحريرية في الشكل والمضمون والوسائط.   

ومن النقاط المثيرة التي أفرد لها الكاتب محورا منفصلا هي دور الذكاء الاصطناعي في تطور مهن الصحافة والإعلام في الأدوار والإنتاج والوسائل والوسائط والأشكال، وتأثيرها في التغير العميق لاستهلاك الأفراد للمعلومات والاخبار.

السوق الإعلامية الجديدة وتطور الصناعة للحاق بالجماهير في بيئتها الرقمية

يبسط الكاتب كيف تطورت سوق الصحافة والإعلام خارج فضاءاتها الجماهيرية التقليدية من خلال التحاق الجمهور بالفضاء الشبكي الرقمي على مواقع الأنترنيت وخاصة في منصات التواصل الاجتماعي. وسعى إلى إبراز مجموعة من الأمثلة التي تفاعلت فيها التقنية بالصحافة، وازدهار بيئة الوسائط المتعددة والبرمجيات والتطبيقات الصحفية في هذا الكون الرقمي. ما دفع شركات التكنولوجيا الكبرى لا إلى تقديم خدماتها لتطوير الصحافة والإعلام فحسب بل وخوض غمار الاستثمار فيه عبر الإندماج الاقتصادي مع عمالقة الإعلام التقليدي سواء عبر الشراء والدمج وكذلك مع مؤسسات ناشئة في الميديا الجديدة. ويسوق الكاتب أمثلة عديدة مثل استحواذ شركة أمازون للتجارة الإلكترونية على شركة الأفلام والتلفزيون الأمريكية العريقة MGM مقابل 8.45 مليارات دولار والتي في رصيدها حوالي 4000 فيلم و17000 ساعة من التلفزيون. كما يتحدث الكتاب عن التلفزيون التفاعلي وعن المنصات الإعلامية المدفوعة والحصرية على مواقع الأنترنيت كنتلفيكس.

يرى الكاتب أننا إزاء عصر جديد يشترط لاستدامة تنافسية المؤسسات الإعلامية التقليدية أو الرقمية الناشئة اندماج القديم بالجديد والجديد بالقديم، في الأشكال والوسائط والمضامين والسرد والإنتاج والنشر، فضلا عن الاندماج المؤسسي لضمان استمرارها في الحفاظ على أسواقها بل واتساعها وتكييفها مع الجمهور الافتراضي الذي أوجدت له التكنولوجيا الجديدة ومنصاتها بدائل عن العلاقة الأحادية في البث والتلقي مع وسائل الإعلام التقليدية. وشرعت أمام الأفراد أبواب التفاعل مع المحتويات والمعلومات والأخبار ومنحته فرصة الإنتاج والنشر. ولم تعد صناعة الأخبار تقتصر على القطاعات الاقتصادية التقليدية للصحافة والإعلام بل انخرط في هذا النظام الإعلامي الجديد المواطنون بصفات عديدة، من المدون إلى المواطن الصحفي إلى صناع المحتوى والمؤثرين وغيرها من التعبيرات الجديدة للفعل الصحفي بين ثلاثية الاحتراف والهواية والمواطنة.

الذكاء الاصطناعي يقود الآفاق الجديدة لمستقبل الصحافة والإعلام

في الفصل الثالث من الكتاب ركز الكاتب على الدور الذي يلعبه الذكاء الاصطناعي عبر الأتمتة (البرمجة) والخوارزميات في إنتاج الأخبار وبثها ودراسة بيانات الجمهور بدقة متناهية، فضلا عن اعتمادها في التحقق من المعلومات.  كما وُظف الذكاء الاصطناعي من أجل إعداد تقارير والبحث هن كقصص إخبارية تصلح للأعمال الاستقصائية. كما يرى أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي والخوارزميات مثل حلا اقتصاديا لوسائل الإعلام نظرا للتكلفة الباهظة التي تفرضها غرفة الأخبار، الأمر الذي يسرعُ أتمتة جميع مراحل عملية إنتاج الأخبار. كما يستعرض الكاتب استخدامات الخوارزميات في تحويل البيانات إلى نصوص سردية ذات طابع إخباري بتدخل بشري محدود. حيث أصبحت كتابة البيانات الصحفية والأخبار العاجلة مؤتمتة فظهر من خلالها مفهوم "الصحافة المؤتمتة" (Automated Journalism).

صحافة الموبايل، الترونسميديا، صحافة البيانات، صحافة الوسائط المتعددة، صحافة المواطن: أشكال صحفية ناشئة من رحم الاندماج الإعلامي

يشير الكاتب كان إلى التأثير الكبير للاندماج والتقارب بين مختلف الوسائل الإعلامية والتقنيات التي تستخدم في كل منها لصياغة وتبليغ الرسائل الإعلامية والصحفية للجمهور، على الأنماط التحريرية الجديدة التي ظهرت مؤخرا هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان لزاما عليها أن تعيد النظر في إعادة هيكلة شكلها وصناعتها للأخبار ما تطلب بدوره إعادة النظر في المهارات التقنية والمهنية للصحفي الذي أصبح مطالبا بأن يكون أيضا متعدد المهام والمهارات. كما كان لهذا الاندماج أثر أيضا في بروز اتجاهات وممارسات جديدة في العمل الصحفي على الخط.

التحولات الاقتصادية الكبرى على صناعة الاعلام

يشير الكاتب إلى تحولات عميقة تشكلت في العقدين الأخيرين على الصناعة الإعلامية والصحفية حيث دخلت وجوه جديدة تصنع محتوى مغايرا عن الصناعة الإعلامية التقليدية، وذات قدرات متطورة في ابتكار المحتوى الإعلامي الجديد ونشره وتوزيعه عبر منصات الإنترنت، وهي تصف نفسها بأنها تعمل على صياغة مستقبل الصحافة والترفيه. ولم تقف نجاحات هاته الشركات الناشئة عند توسعها وتطور علامتها خلال السنوات الماضية بل تمكنت عديد شركات الإعلام الرقمي في الاستئثار بشركات عملاقة عريقة في الإنتاج السمعي البصري بأشكاله التقليدية عبر شراءها ودمجها في سياساتها لتحريرية الرقمية الحديثة تقنيا وشكلا ومضمونا. 

حيث أدت المنافسة الحادة المتصاعدة في مجال الأخبار والمعلومات والقفزة العملاقة في العالم المعرفي التكنولوجي وتغلغلها السريع بين مجالات الاقتصاد المختلفة من التجارة والتسويق إلى الإعلام والصحافة والإعلانات إلى اندماج شركات مختلفة الإمكانيات والقوة والقدرة التنافسية تحاشيا لمزيد الانحدار والإفلاس أو تعزيزا لقدراتها التنافسية واسترداد سوق الإعلانات الذي احتكره بشكل كبير الفضاء الافتراضي.  وجدت عديد وسائل الإعلام التقليدية سواء تلك العريقة في السوق أو أقلها شيوعا وجماهيرية، وكذلك منصات الإعلام الرقمي الناشئة أمام حتمية الاندماج كضرورة اقتصادية وشرطا للبقاء وعدم الاندثار. حيث يمكن الاندماج مع إنشاء تكتلات إعلامية قادرة على توسيع نشاطها الإنتاجي المكتوب والسمعي والسعمي البصري عبر مختلف الوسائط، والتغلغل في مختلف الشرائح الاجتماعية وهذا يخفض من تكاليف إنتاجها الذي يفسر جزئيا تراجع أسعارها في السوق.  فالتحالفات الاقتصادية بين المؤسسات الإعلامية، والشركات العاملة في قطاع الاتصالات والمعلوماتية تعززت أكثر بفضل نظام الاندماج.

ويختم الكاتب مؤلفه بالاستنتاج أن الحديث عن آفاق صناعة الصحافة والإعلام سترافقه طويلا مسلمة مفادها أنه لن يسير مستقبلا بدون الاندماج الإعلامي بتعدد معانيه ومقارباته وممارساته وتطوراته. حيث تتوارى الصحافة التقليدية يومًا بعد يوم، إما لتجدد نفسها وفق مقتضيات الاندماج الوسائطي والمؤسسي أو تجد نفسها خارج متطلبات السوق الجديدة.

ففي ظل التحول الجماعي لجل سكان الأرض نحو تلقي المعلومات والأخبار والقصص وتداولها عبر الشاشات الرقمية في محتويات تمزج بين أشكال السرد وتُنوع في وسائط الإنتاج والبث وتذهب بالمتلقي إلى أقصى درجات الخصوصية وأقصى درجات الفاعلية، تُنبؤ جل فرضيات مستقبل الصحافة والإعلام أنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بشتى أشكال الاندماج.

وأمام ما ترصده الإنترنيت والهواتف المحمولة وتطبيقات الإنتاج والبث من خدمات غير مسبوقة للصحافة والإعلام، وأمام ما يبشر به الذكاء الاصطناعي فإن صحافي الغد مطالب بأن لا ينحبس ضمن جدران المعرفة التقليدية للمهنة والتي لا بد من مراجعة كثير من مسلماتها، بل صار ملزما أن ينفذ كذلك إلى المعرفة الرقمية المتاحة عبر الوسائط والشبكات وكذلك إلى إنترنت الأشياء والروبوتات والخوارزميات والبيانات الرقمية وإلى اكتساب مهارات صحافة الموبايل والوسائل الحديثة وتعهدها بالتحيين لمواكبة التطورات السريعة والمتلاحقة.

ام اياد