أطروحة دكتوراه في السوربون تبحث تأثير الجوائز الادبية المخصصة للرواية العربية على الحقل الادبي العربي وعلى العاملين فيه
الشعب نيوز/ النهار اللبنانية - ناقشت الروائية والباحثة كاتيا الطويل أطروحة دكتوراه في جامعة السوربون الفرنسيّة حول الجوائز الأدبيّة العربيّة المخصّصة للرواية العربيّة وآثار هذه الجوائز على الحقل الأدبيّ العربيّ وعلى العاملين فيه. فتطرّقت إلى الكتّاب والناشرين والمترجمين كما إلى لجان التحكيم في الجوائز وإلى الصحافيّين والقرّاء وعلاقاتهم بهذه الجوائز وتأثير هذه الأخيرة على الرواية العربيّة اليوم كتابة ونشرًا وقراءة وترجمة.
دار النقاش حول الجوائز الأدبيّة لكنّه تركّز حول مسألة واقعيّة وجود حقل أدبيّ عربيّ واحد والقدرة على استعمال عبارة "أدب عربيّ" واحد وشامل يجمع أدب الدول العربيّة من المحيط إلى الخليج.
أين مركز الثقل ؟
كما تمّ التداول في مسألة المركزيّة الثقافيّة والفكريّة في العالم العربيّ وهل ما زالت السيطرة والهيمنة بيد المصريّين والمشرقيّين وحدهم أم أنّ الثقل الثقافيّ انتقل إلى أماكن أخرى من العالم العربيّ وتحديدًا إلى الخليج نظرًا لما يقوم به من نشاطات ثقافيّة ومعارض كتب وجوائز أدبيّة سخيّة.
هذه الأطروحة هي الأولى من نوعها لكونها تعالج موضوعًا معاصرًا تحتدم حوله النقاشات وهو الجوائز الأدبيّة العربيّة المخصّصة للرواية وشرعيّة هذه الجوائز وصدقيّتها وشفافيّتها. فهل يثق الفاعلون في الحقل الأدبيّ العربيّ بهذه الجوائز؟ هل يثق القرّاء بها؟ كيف تتعامل الصحافة الثقافيّة العربيّة مع الفائزين بهذه الجوائز؟ وما أثرها على الترجمة، بمعنى آخر، إلى أي مدى يُفسح نيل جائزة بالفرصة أمام الكاتب الفائز بأن تتمّ ترجمة أعماله؟
عناصر الحقل الأدبيّ
وقد تمّ العمل في هذه الأطروحة بحسب منهج عالم الاجتماع والناقد والمفكّر الفرنسيّ بيار بورديو (1930- 2002) الذي تناول في دراساته عناصر الحقل الأدبيّ وخصائصه والفاعلين فيه (les agents du champ littéraire)كما تناول العلاقات التي تربطهم وتشكّل هيئة الحقل ووحدته واستقلاليّته وقوانينه. ولدى المقارنة بين خصائص الحقل الأدبيّ لدى بورديو والأدب العربيّ، يكتشف المرء أنّ الأدب العربيّ يمكن أن يشكّل حقلاً أدبيًّا متماسكًا منصهرًا منسجمًا لكون المؤسّسات الأدبيّة متشابهة في مختلف الدول العربيّة وكذلك مشاكلها وأزماتها والتحدّيات التي تواجهها بالإضافة إلى أنّ الفاعلين في الكتابة والنشر والصحافة هم أفراد ينتمون إلى مختلف الدول العربيّة ويشاركون معًا في بناء قاعدة هذا الحقل الواحد بلغته وتقنيّاته الفنّيّة والقضايا الاجتماعيّة التي يعالجها والذائقة الأدبيّة التي يميل إليها.
تكمن أهمّيّة هذه الدراسة في كونها تشير إلى مآزق النشر العربيّ اليوم وتحدّيات الكاتب بالإضافة إلى تأخّر النقد العربيّ وبؤس حال الصحافة الثقافيّة وعدم اهتمام الترجمة العالميّة بالأدب العربيّ وظروف القراءة والقرّاء العرب. فكيف أثّرت هذه الجوائز على هذه الجوانب من عالم الكتاب وهل هي آثار إيجابيّة أم سلبيّة؟
الجزائز ايجابية ولكن...
تبيّن الدراسة أنّ هذه الجوائز إيجابيّة إنّما ليس بشكل مطلق وليس جميعها، فمن هذه الجوائز ما هو محدود الأثر على القرّاء وعلى الترجمة وعلى حركة المبيع. أمّا الجائزة المطلقة التي تشكّل أكبر جاذب للقرّاء فهي الجائزة العالميّة للرواية العربيّة أو جائزة البوكر العربيّة بما فيها من تشويق وترويج وخلق لحركة منافسة بين الكتّاب والناشرين. تليها مباشرة جائزة نجيب محفوظ الذي تقدّمها الجامعة الأميركيّة في القاهرة كلّ عام لذكرى وفاة الأديب والروائيّ نجيب محفوظ.
وتبيّن أنّ الجوائز الأدبيّة تخلق أدب الوسط أو ما يُعرف بالـ middlebrow وهو يقع بين الأدب الرفيع المرهف الخالد وبين الأدب الشعبيّ الشائع الذي ينجح بسرعة ويعود ليضمحلّ بعد مدّة. أدب الوسط هو الأدب الذي يفوز بالجوائز، ليس أدبًا سيّئًا وليس سطحيًّا وليس ضعيفًا لكنّه في الوقت نفسه لا يستفزّ ولا يتحدّى ولا يتوهّج. طبعًا قد لا ينطبق هذا الأمر على الفائزين بدورات الجوائز الأدبيّة العربيّة كلّها لكنّه نوع من نقطة التقاء لهذه الجوائز.
وجود كثيف وقوي
تجدر الإشارة إلى أنّ أحد أبرز الموضوعات المعالجة في هذه الأطروحة هو وجود الخليج الطارئ والمتصاعد في الحقل الأدبيّ العربيّ. فبعد غياب شبه تامّ دام تقريًبا حتّى آخر سبعينات القرن العشرين يقع الدارس اليوم على وجود كثيف وقويّ لدول شبه الجزيرة العربيّة في الصحافة والنشر والقراءة والكتابة. وتأتي هذه الجوائز لتتوّج وجود الخليج وتعزّزه في حقل أدبيّ عربيّ كان خاضعًا لعقود طويلة هيمنة دول المشرق ومصر. فيتوسّع مفهوم الصراع على الصدارة الذي يتحدّث عنه بورديو في نصوصه وهو الصراع بين الفاعلين في الحقل الأدبيّ ليتحوّل إلى صراع بين الدول.
تسابق على الزعامة
ها نحن في بداية هذه الألفيّة إزاء صراع محتدم وفي أوجه بين الدول العربيّة على المركزيّة الثقافيّة، فأين يقبع اليوم مركز الثقل الثقافيّ العربيّ؟ هل ما زال موزّعًا بين مصر ولبنان ودول المشرق أم أنّه انتقل إلى الخليج؟ إلى أي مدى تساهم الجوائز الأدبيّة في نقل دور الصدارة والريادة إلى دول الخليج مع العلم أنّ معظم أعضاء لجان التحكيم ومعظم الفائزين هم من المشرق العربيّ ومن مصر وليس من دول خليجيّة؟