ثقافي

الهوية في تونس : ويبقى السؤال بدون إجابة

بقلم : رياض البوسليمي / كاتب وناشط ثقافي/ تونس

لم تغب مسألة الهوية عن أي نقاش يتعلق بمآلات التغيير أو بمسائل أخرى كالأصالة والتحديث والتراث والمعاصرة في تونس وفي كل جهة من جهاتها منذ فجر الثورة وخلال السنوات التي تلتها..ولا يخفى عن ذي النباهة ما جد من صراعات ومشاحنات وترهات في بعض الأحيان بخطابات سياسيوية متشنجة لم تطرح المسألة من زاوية التعقل والرؤية الموضوعية المبنية على قراءة تاريخية لنشأة الدولة التونسية أو "كيف صار التونسيون تونسيين " على حد عبارة الأستاذ الهادي التيمومي ، بل في طرحها في إطار المعارك السياسية وشرعية الوجود والإقصاء لهذا الطرف أو ذاك..
وقد نجح المحافظون إلى حد كبير عند إثارتهم لهذه المسألة في تخويف جزء هام من الشعب إن لم يكن جله، من مآلات الهوية إزاء مسار ديمقراطي ثوري يطالب بالمدنية والتعددية والحريات بكل أنواعها كإستحقاق ثوري ...
غير أنّني لن أسعى من خلال هذا المقال إلى طرح المسألة من زاوية النزاعات التي نشبت وطفت على الساحة السياسية والثقافية وشغلت عموم الشعب وخاصته لسنوات وجعلته في حيرة من أمره..وإنّما حسبي تناول المسألة من باب شرعية السؤال المثار حول الهويّة في سياق الثورة ..
ليس من الممكن اليوم في خضم هذا المسار الديمقراطي المتعثّر وأولويات المرحلة، التنبأ بفترة زمنية معيّنة لتزول بعدها هذه النزاعات..ويتقبل كل شق الآخر في إطار هويّة جماعية تعكس الإنتماء الإختياري والواعي للثقافة التونسية والتي تعتمد على تأويلات معيّنة للتاريخ على حد تعريف الأستاذ الهادي التيمومي للهويّة أو على الأقل في إطار تعدديّة ثقافية وفكرية يسودها الإحترام المتبادل وعلوية قيم الديقراطية..
وبين الموجود والمفقود سيستمر مسلسل إثارة الهوية أو الإختلافات في الرؤى حولها بين النخب وبينها وبين عامّة الشعب لا سيّما جمهور المتعلمين الذين لهم القدرة على النفاذ إلى المسائل المطروحة ومحاولة فهمها وآستيعابها بناء على ما هو سائد ومتاح إعلاميا..
وسيبقى السؤال قائما ومتواصلا : من نحن حقيقة ؟ وهل يوجد فعلا في وعينا الجمعي دولة ننتمي إليها إسمها تونس ؟ ونستبطن لها الولاء الدائم ..أو أن هذه المسألة لا ترتقي إلى مسنوى السؤال المحيّر وإنّما هي من قبيل اللعبة السياسيّة بمرامي إيديولوجيّة تثيرها أطراف سياسية أحيانا وتغفل عنها في أحيان أخرى وفق بارومتر سياسي ..، فهذا الشعب له إمتداد تاريخي يعود إلى آلاف السنوات ويعيش في إنسجام وتواصل مع تراثه وتاريخه وينظر إلى الشعوب الأخرى برؤى تقدمية مفتوحة وكذلك إلى مستقبله منذ نشأة الدولة الوطنية عقب فترة الإستعمار..
صحيح أن مسألة التغيير والتحديث والتقدم ليست من مشمولات عامّة الشعب ولا جمهور المتعلمين وإنّما مرتبطة عضويا بالنخبة المسؤولة عن مآلات التغيير الاجتماعي والثقافي منذ موجة رواد الإصلاح أو عصر النهضة في العالم العربي الإسلامي ..وإذا كان هدف هذه النخبة هو إحداث الإصلاح والتغيير الإجتماعي فهي إذا في علاقة جدليّة ومباشرة مع هذا الشعب، لذا فهي مطالبة من باب المسؤولية بحسم المسألة والتوافق حول هوية عامة لا تلغي التفرعات والتعددية ...
وإذا نظرنا إلى ما يشغل بال السواد الاعظم من الشعب اليوم وأولوياته الحياتية فلن تكون الهوية في مقدمتها وهنا نخلص إلى مدى شرعية طرح المسألة لتبقى مسألة نخبوية بإمتياز...
كما هي مسألة غير محسومة ونائمة يمكن أن تثار في أي لحظة في خضم الجدل السياسي والحريات الفردية والتعددية الثقافية والفكرية ...وما أفرزته العولمة من نمطية ثقافية تعكس هيمنة الدول القوية على الشعوب المهزومة والضعيفة ...وما رافقها من تهميش لهويات وثقافات هاته الشعوب...

ملاحظة : الصورتان المرافقتان لرسمين من اعمال التشكيلي التونسي عادل مقديش.