دولة بلا عقل و سلطة لا تستوعب معنى السلطة
الشعب نيوز/ فوزي النوري: أظهرت الثورة المفتعلة حدود المجتمع السياسي في تونس سلطة ومعارضة وأنتجت التعدّدية السياسيّة تعدّدية سطحية مبتذلة تأسّست حول العصبيّة التنظيمية وثقافة الزعيم وانطلقت رحلة شعب المقهوين مع تنظيمات بالكاد تخطّت مرحلة الأميّة السياسية لتقود وطنا في عاصفة من التحوّلات الجيو السياسية ولم يكن الاخوان إخوانا إلاّ لإخوة خارج هذه الأرض ولم يلبّ النداء نداء الوطن وتوّجت المرحلة بالسلطة الحالية لندخل مرحلة من العبث حيث لا أثر للعقل في سلوك السّلطة.
أحزاب عقائدية تمطتي جواد العقيدة لتقتحم هذه البنى الذهنية الهشّة وحركات دستوريّة تتخفّى وراء رفاة زعيم لا يشبهونه في شيئ وتنظيمات إيديولوجية هرولت من معاقلها تقودها الارادوية والجهادية لكسب معارك انتخابية محسومة سلفا لغيرها بقدرة المال السياسي وتوافقات خارج السياقات المعلومة لينتهي الجميع إلى ما قال درويش " لا الشرق شرقا تماما و لا الغرب..."
منذ 2011 لم نر مشروعا سياسيّا يجيب عن إحراجات الواقع الموضوعي والتحدّيات واتّجه الجميع نحو الحلول الترقيعية وتتالت "حكومات المطافئ" للمطلبيّة المتزايدة وبدأ التداين لتعديل الموازنات العامّة وتسديد نفقات الدولة. جاءت هذه السلطة لتوقف كلّ المسارات وتنسف المنجز الديمقراطي دون الخروج من منطق التعويل على الاستدانة بل وبدأ تتّجه نحو ضرب دولة اجتماعية قائمة بطبيعة النسيج الاجتماعي الهشّ الذي اتّسع ليضمّ الطبقات التي كانت وسطى ورغم كلّ ما يحصل في حقّ هذا الشعب لا زالوا يعذّبونه بخطابات الاستغفال والتضليل.
المرحلة السياسية الحالية يتمّ فيها اغتيال العقل السياسي للدّولة "ولا علامة تدلّ على وطن من الأوطان " على حدّ تعبير محفوظ أمّا عن خطابات التخوين والادانة والاتهامات فهذا خطاب الشعب الذي أراد و لم يعد يريد أمّا السلطة فهي سلطة لأنّها تخطّط تأمر وتنفّذ ولكنّها تتخفّى وراء هذا الخطاب لتخفي عجزها عن مواجهة المعضلات الاقتصادية والاجتماعيّة المتزايدة، اختارت هذه السلطة سياسة الهروب إلى الأمام وهي لا تعلم أنّ هذه السياسة تصحّ كتكتيكات ظرفية ولا يمكن أن تبنى عليها استراتيجيات دول ولكنّ إصرارها على ذلك أدخلنا في مرحلة من العبث لم تشهدها البلاد من قبل فالسلطة تهرب إلى الأمام و الواقع يتقهقر بسرعة فائقة إلى الوراء فتحوّلت تونس إلى " غرفة انتظار للآخرة "على حدّ تعبير سمير أمين وبرلمان الأفراد في دولة اللاعقل الفريدة المتفرّدة ينتطر التنصيب لتكتمل عناصر المأساة لشعب المقهورين.
في غياب الفكر السياسي والمشاريع العلميّة و الجدّية في العمل السياسي تسلّم السلطة لعابري السبيل ولا معنى لعقارب الساعة ولا للتغريد خارج السّرب والحقيقة أنّ هذه السلطة لا تعلم ما وصل إليه الفكر السياسي الما بعد الحداثي في أنّ اختزال السلطة في النفوذ ولو كان نفوذ الأجهزة يجعلها سلطة لا تفهم معنى السلطة بل هيّ سلطة "تحمل جرثومة سقوطها في ذاتها " وأنّ خطابها الذي هجر الواقع واتّسعت الهوّة بينه وبينه وأصبح لحنا رتيبا مقرفا وأنّ الحكم دون فكر ومشروع والتلاعب بالمزاج العام هي تجربة تكرّرت مرّات بعد 2011 بحيث أصبح استنساخها استجابة واضحة لتعريف الغباء عن أنشتاين وهو القيام بنفس الأفعال في نفس الظروف وانتظار نتائج مختلفة.
11-2-2023