وثائقي

محاكمات النقابيين - سوسة 045: ممثل النيابة يتحدث عن كارثة كادت ان تقضي على الامة جمعاء

[نعود الى تفاصيل محاكمة نقابيي جهة سوسة في مثل هذا الصيف القائظ من سنة 1978 ونتعرض في الحلقات الموالية الى مرافعة ممثل النيابة العمومية وذلك بعد أن نشرنا على امتداد الـ 44 حلقة الماضية استنطاقات كافة المتهمين]
ان واقع هذه القضية مثلما اثبتته التحقيقات الواقع انجازها منذ بداية الاحداث التي اندلعت في ظروف اراها قاسية على مصير الدولة لعدة اعتبارات لا ارى من الفائدة التعمق في بحث جزئياتها اذ ان ملف القضية كان جاهزا بتلك البيانات وحسبي ان استعرض تلك الوقائع في عرض خاطف حتى لا اطيل على المحكمة في ذكر وقائع هي على غاية من الالمام بها وفي هذا الشأن اقول ان واقعة الحال والتي جرت احداثها يوم الخميس الاسود اي يوم الاضراب العام الذي دعا اليه الاتحاد العام التونسي للشغل يوم 26 جانفي سنة 1978 ذلك اليوم المشهود الذي اختلط فيه الحابل بالنابل وتعرضت فيه الامة جمعاء الى كارثة كادت ان تقضي عليها وكل من عاش ظروف تلك الواقعة قد عمته الحسرة والاسى لا لشيء سوى كون قيادة الاتحاد عنّ لها ان تدخل تلك المعركة والامل يحدوها في ان تحقق انتصارا سياسيا  يكسبها قيادة الامة لأغراض متسترة بدعوى الدفاع على حقوق الطبقة الشغيلة. 

نقاش حاد وتهديد بالقتل
والواقع ان تلك الاحداث التي جدت في ذلك اليوم ماهي الا امتداد للأحداث السابقة وحلقة من حلقاتها ذلك انه فى مساء يوم 26 اكتوبر سنة 1977 وبمقهى عتيق باحد النزل بسوسة جمعت جلسة بين المدعوين عبد الله المبروك وسعد البلومي دار الحديث اثناءها حول مواضيع سياسية مختلفة  وقد نسب فيها الى عبد الله المبروك المذكور عندما احتد النقاش ان شهر مسدسا على سعد البلّومي المذكور مهددا اياه بالقتل كما توعد بقتل الامين العام للمنظمة الحبيب عاشور فوجهت مصالح الامن بسوسة  نتائج تحرياتها الى النيابة العمومية التي عهدت بالبحث الى قلم التحقيق الذي قرر احالة عبد الله المبروك المذكور على محكمة ناحية سوسة لمحاكمته من اجل التهديد بسلاح طبق احكام الفصل 322 من ق ج فقضت عليه تلك المحكمة بالسجن مدة 4 أشهر ونصف ومع كون القضية كان متعهدا بها من طرف العدالة التي قالت كلمتها اخيرا فيها فان موجة من العنف والارهاب اجتاحت غالب مدن الجمهورية احتجاجا على ما سموه بالنيل من قيمة الاتحاد العام التونسي للشغل الذي اصبح يدعو الى تكثيف الاضرابات في قطاعات مختلفة بصورة متتالية تكاد تكون يومية فما الغاية من ذلك يا ترى هل هي الدفاع على حقوق الطبقة الشغيلة ام الغاية شل الحركة الاقتصادية وتعجيز القوة العامة عن السيطرة على الامن العمومي وحماية الاشخاص في ابدانها ومكاسبها متمسكين بحرية حق الاضراب. 

لا يناضلون من اجل تونس
نعم ان الفصل 8 من الدستور يضمن الحق النقابي وقانون الشغل والفصول 389 ـ 388 ـ 376 تنظم ذلك الحق وتضبط قواعده وفي مستوى الارادة السياسية فقد اكد رئيس الدولة والوزير الاول امكانية اللجوء الى ممارسة هذا الحق في الظروف التي ضبطها القانون لكن ليس في الامكان استغلال ذلك التفتح والتسامح لجعل البلاد في متاهات تكون عواقبها وخيمة على الامة جمعاء اذ ان الاضراب الذي تضمنته تلك الاختيارات هو الاضراب الشرعي والمنظم من طرف القانون لا الاضراب الذي يطغى فيه الشغب على العقول ويجر الى اقحام الامّة في حالات قد تمس بتلك الاختيارات مثلما وقع في قضية الحال اذ ان الذين تورطوا في الاضراب لا يمكن ان يكونوا من الذين يناضلون بدون هوادة من اجل تونس قابلة الحياة ويطيب العيش فيها بل كان لغايات ومرامي وقع التخطيط لها قصد النيل من وحدة الامة وتحطيم مثلها العليا اذ ان كل عمل موجه ضد سلطة الدولة هو موجه كذلك ضد قداسة مصالح الامة وان مّا جرى خلال تلك الايام من اضطرابات واعتداءات في غالب مدن الجمهورية لا يمكن التعرض الى جميعها الان وحسبنا ان نشير الى ما جد بمدينة سوسة بصورة خاصة.

 الاضراب في بعض المؤسسات وخاصة الصناعية منها
 فلنرجع سيدي الرئيس الى يوم 9 نوفمبر 1977 لنستخلص العبرة من تلك الاحداث المؤسفة والتي تعرض فيها عدد وافر من الاشخاص والمكاسب بصورة مهولة اذ انه في ذلك اليوم شمل الاضراب بعض المؤسسات وخاصة الصناعية منها وخرج المضربون في جموع غفيرة بإغراء من الكاتب العام للاتحاد الجهوي بسوسة مخلوف المدعو الحبيب بن عاشور واعضاء المكتب التنفيذي بسوسة وبعد ان استمعوا الى  خطب القيت فيهم من طرف اعضاء تلك المنظمة وتجمعوا بالطريق العام وساروا في مظاهرة عنيفة تعد نحو الخمسة الاف شخص تحمل الشعارات وتنادي بحياة الاتحاد وكاتبه العام الحبيب عاشور واتجهت الى عدة اماكن مختلفة من المدينة وهاجموا اعوان القوة العامة الذين تعرّضوا لهم وتعاصوا عليهم وأضرّوا البعض منهم وبعض المواطنين بالحجارة التي قذفوها عليهم وارضوا ببعض المحلات فاتلفوا بعض الاملاك ونهبوا البعض واحرقوا الاخر. 
 
فتح تحقيق من اجل تعمد التجمهر والتظاهر بالطريق العام دون استرخاص
هكذا انخرم الامن العام وتمكن المتظاهرون من مهاجمة بعض الاماكن العمومية والاعتداء عليها وكانوا يستعملون الحجارة وغيرها من الآلات التي تتخذ من المكان كالمناضد والادوات والكراسي وغيرها في اعمالهم التخريبية واستمر المتظاهرون في اعتداءاتهم على القوة العامة ورفض اوامرها بل ان احد اعوانها استعمل سلاحه في اخر مرحلة للدفاع عن حياته التي اصبحت في خطر من محاولة رميه في النار بنزل القصر ولم يعد الهدوء الى نصابه الا ليلا وتوالت برقيات اعلام الشرطة الى النيابة في وصف تطوّر ظروف الواقعة وايقافهم عددا من الاشخاص كان جلهم من العملة الشبان وبعض الاحداث واذنت وكالة الجمهورية بسوسة بفتح تحقيق ضدهم من اجل تعمد التجمهر والتظاهر بالطريق العام دون استرخاص كإضرام النار بمباني معدة للسكنى واماكن غير معدة اذاك والاضرار ملك الغير والسرقة اثناء الحريق والهيجان والعصيان والاعتداء على اعوان السلطة العامة واحيلت القضية على الدائرة الجنائية فقضت فيها بعقوبات مختلفة على البعض وتبرئة البعض بتاريخ 21 جوان 1978 وقد اسفرت تلك الاحداث عن اضرار الممتلكات والاشخاص (وسرد ممثل النيابة تفصيلا عنها).