وطني

آثار رفع الدعم عن المواد الغذائية على مستوى عيش العائلات ونسب الفقر

الشعب نيوز/ كتب عبد الرحمان اللاحقة،  الأستاذ المحاضر بالمعهد العالي للتصرف بتونس : أعلنت الحكومة التونسية في بداية سنة 2023 عن البدء في رفع الدعم عن المواد الأساسية والمحروقات والكهرباء ضمن برنامج يمتد على أربع سنوات. وإن كان هناك توافق واسع على ضرورة إصلاح منظومة الدعم دون الرفع المتسرع وغير المدروس تبقى نقطة الاختلاف الجوهرية في كيفية إصلاح المنظومة وحماية التونسيات والتونسيين من الآثار السلبية لرفع الأسعار على قدرتهم الشرائية وتوازناتهم المالية والاجتماعية.

وبيّنت التجارب الدولية أن إنجاح أي برنامج إصلاحي يجب أن ينبني على عدة مبادئ أساسية وهي الحوار للتوافق على أهداف الإصلاح وكيفية تطبيقه وسياسة اتصالية ناجعة لضمان تبني أوسع شريحة من الشعب للإصلاح، وحماية رفاه المواطن عبر تنفيذ إصلاحات موازية مثل سياسات التأجير والجباية والحماية الاجتماعية إذ أن الهدف الأخير لكل إصلاح يبقى تحسين الوضعية الاقتصادية للمواطن وليس تعميق الفقر والفوارق الاجتماعية.

ومن جانب آخر، يجب أن تنبني عملية الإصلاح على معطيات علمية دقيقة وتحليل موضوعي لآثار الإصلاح على المواطن. من المؤسف أن نلاحظ أن جميع المبادئ الآنف ذكرها تمّ تجاهلها من قِبَلِ السلطة الحالية في ظل غياب الحوار الجدي والمسؤول مع الاتحاد العام التونسي للشغل حول هذا الملف المهمّ وغياب أي تواصل ناجع مع المواطن في ظلّ تضارب التصريحات وضبابية التدخلات الإعلامية للعديد من أعضاء الحكومة حول أهداف وكيفية الإصلاح كما نسجل غياب أي تقييم علمي لمدى نجاعة المنظومة الحالية وأثر رفع الدعم على العائلات.

لا يهدف هذا المقال إلى التطرق إلى جميع جوانب الإصلاح وكيفية تنزيله على أرض الواقع في ظل وجود عديد الاستراتيجيات العقلانية التي يمكن التوافق حولها بقدر كبير من التروي وفي إطار حوار مسؤول. ولكن في المقابل، نحاول أن نقدم قراءة محايدة وموضوعية للآثار المرتقبة لرفع الدعم على التونسيات والتونسيين دون إطلاق أي أحكام شخصية.

ويهتمّ هذا الجزء الأول من المقال بتقدير #آثار_رفع_الدعم عن المواد الغذائية الأساسية بالاعتماد عن البيانات المنشورة من قِبَلِ المعهد الوطني للإحصاء للمسح الوطني حول استهلاك ومستوى عيش الأُسَر لسنة 2021-2022. وسنوافي القارئ بتحليل آثار رفع الدعم المحروقات حالما تتوفر البيانات المفصلة حول استهلاك هذه المواد.

ولفهم الخصائص الاستهلاكية للعائلات التونسية يقدم الجدول 1 معدل الاستهلاك الشهري العائلي العادي لمختلف شرائح المجتمع والذي يتراوح من 806 دنانير للشريحة الأولى (أي 20 % الأكثر فقرا من الشعب) إلى 2787 دينارا للشريحة العليا. ويبلغ استهلاك الشريحة الوسطى معدل 1395 دينارا وهو ما يقابل عائلة من 4 أشخاص لمعلم مدارس ابتدائية. ويتراوح وزن المواد الغذائية المدعمة من 7,2 % (58 دينارا) للشريحة الفقيرة إلى 2,5 % (70 دينارا) للشريحة العليا. وبمعدل عام في حدود 3,8 %.

ويقدم الجدول 2 معدل الكميات المستهلكة شهريا ويبين في الوقت نفسه أن كميات الاستهلاك تتشابه كثيرا بين العائلات بالنسبة إلى عدة مواد كالسكر والزيت والكسكسي لكن هذا لا يجب أن يحجب أن الكميات الفردية تقلّ كثيرا للعائلات الفقيرة بالنظر إلى أن عدد افرادها أكبر بكثير من العائلات الميسورة (4,9 أفراد للشريحة الأولى مقابل 2,9 للشريحة الخامسة). وتميل العائلات الأقل دخلا إلى استهلاك كميات أكبر من السميد والعجين الغذائي مقابل كميات ضعيفة للحليب. وكما كان منتظرا فإن خصائص استهلاك الخبز تختلف كثيرا بين الفئات الفقيرة التي تحبذ الخبز الكبير مقابل استهلاك أعلى للبقات للفئات الميسورة.

ويقدم الجدول3 الارتفاع المبرمج لأسعار المواد الغذائية المدعمة على ضوء الأسعار العالمية لسنة 2022. وكما يمكن ملاحظته فإن غالبية المواد ستشهد ارتفاعا بنسب عالية تتراوح بين 280 % إلى 533 % دون اعتبار السكر الذي سيعرف ارتفاعا طفيف بـ-3,5 %

يقدم الجدول 4  الأثر المرتقب لرفع الدعم على ميزانية مختلف الشرائح والذي يتراوح بين 110 دنانير شهريا إلى 99 دينارا مع معدل عام بـ104 دنانير. وتمثل الخسارة المنتظرة نسبة 13,6 بالنسبة إلى الشريحة الأضعف.

يقدم الجدول 5 الأثار المرتقبة لرفع الدعم على نسب الفقر الذي من المنتظر أن يرتفع بـ5,6 نقاط مئوية ليصل إلى مستوى 22,2 % مقابل 16,6 % حاليا أو ما يقابل 2,6 مليون فقير مقابل 1,9 مليون فقير في سنة 2022. ويتأتى التأثير الأكبر من رفع الدعم عن السميد والخبز بجميع أنواعه.