وثائقي

محاكمات النقابيين - سوسة 047: بتعليمات من السلطة العليا ألقى القبض على كافة الموجودين بمقر الاتحاد و عددهم 123 شخصا

 نواصل قراءة مرافعة ممثل النيابة العمومية لدى المحكمة التي نظرت في مثل هذا الوقت من سنة 1978 في قضية النقابيين المتهمين بالمسؤولية عن الاحداث التي حصلت يومها. يقول:
بعد السيطرة النهائية على حالة الامن بالمدينة عدا مقر الاتحاد الجهوي للشغل الذي بقي بحالة حصار مستمرة وتطبيقا لتعليمات من السلطة العليا القي القبض على كافة العناصر الموجودة بمقر الاتحاد وكان عددهم يجمع على مائة وثلاثة وعشرين شخصا وذلك حوالي الساعة 11 ليلا بعد مخاطبة المرابطين بالمكان بواسطة مضخم الصوت ومطالبتهم بالاستسلام وتجنب التصادم معهم فاستسلموا وكان من بينهم المتهم مخلوف ويدعى الحبيب بن عاشور وعلي المحضي والمتهمون المسؤولون معه بالمكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي للشغل بسوسة وتم حجز عدة ادوات وسلاسل وعصي موثوقة بسلاسل معدة كأسلحة وكمية من القوارير من ماء  فرق ومسدسات .


أعذارهم تعلة لغايات غامضة ومبيتة
واجريت الابحاث في الموضوع وان الدوافع السرية الدفينة هي التي ادت بهؤلاء المتهمين الى القاء البلاد في النار والدماء والى السير بها الى حافة الهاوية وان الاعذار التي حاولوا بدون جدوى التماسها ليست الا تعلة لغايات غامضة ومبيتة ذلك انه منذ يوم 15 سبتمبر 1977 تواصلت الاعمال  والمقررات التي انبثقت عن المؤتمرات الواقع عقدها طيلة الاشهر الواقعة بين يوم 15 سبتمبر 1977 ويوم 26 جانفي 1978 والواقع نشرها بجريدة الشعب لسان الاتحاد العام التونسي للشغل تلك اللوائح المنددة بسياسة الحكومة  في الميدانين الاقتصادي والاجتماعي وطالبت بوضع حد للنظام والامساك عن دفع الاداءات الدولية وخاصة البلدية وقد كان ذلك في الخطاب الذي القاه ممثل الاتحاد الجهوي للشغل بصفاقس اثناء انعقاد المجلس القومي للاتحاد العام التونسي للشغل ذلك الخطاب الذي قال فيه بالعبارة الواحدة (وبعد هذا العرض المجمل عن مظاهر تبعية الاقتصاد التونسي للغرب وللاستعمار بصفة عامة ومعاكسته لمطامح الجماهير نطالب:
ـ اولا:  بوضع حد للنظام الذي يكرس هذه السياسة،، ثم يقول ولذلك نقترح على المجلس القومي مقاطعة السلطة الحالية واعادة انتخاب سلطة تشريعية وعدم دفع الاداء الى غير ذلك من البيانات التي كانت تستهدف هذا النظام، وقد وقع تبني ذلك الخطاب باللائحة العامة بالمجلس القومي مما يوضح هدف المتهمين من ان اعمالهم اصبحت تستهدف النظام للغايات السالف الالماع اليها 


لوم للحبيب عاشور عن مقابلته لمحمد المصمودي
ولنذكر في هذا الشأن ما اجاب به المتهم على المحضي بالعبارة الواحدة (حضرت في 8 جانفي 1978 اعمال المجلس القومي للاتحاد العام التونسي للشغل نيابة عن نقابة التعليم الثانوي بسوسة وافتتح الاجتماع الامين العام الحبيب عاشور بكلمة ذكر فيها بأسباب الازمة التي جدت بين الاتحاد وبين الحزب والحكومة وانه سيستقيل من عضوية الديوان السياسي خاصة وان الحكومة وجهت لومها نحوه على المقابلة التي اجراها مع محمد المصمودي وبعد ان استعرض الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد الذي وصفه بالمتدهور واثناء المناقشات تدخل العديد من ممثلي الاتحادات والنقابات الجهوية كان من بينهم عبد الرزاق غربال الذي وصل به الامر الى المطالبة بوضع حد للنظام الغاشم بالبلاد وقد تجاوب معه العديد من النواب بشكل ظاهر وفي مقدمتهم اعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل الامر الدال على الخلط بين العمل النقابي والعمل السياسي
وفي مساء يوم 25 جانفي 1978 اشرف خير الد ين الصالحي رفقة زميله حسين قدور على اجتماع عام انعقد بمقر الاتحاد الجهوي بسوسة اكد فيه بان الاضراب العام تقرر ليوم 26 جانفي وفي الوقت الذي يتواصل فيه الاجتماع تكلف الحبيب بن  عاشور بتحرير بيان يدعو الى الاضراب العام شاركت في تحريره بمعية علي بن صالح والمنصف قمر وبوراوي عطية على ضوء ما جاء في لائحة الهيئة الادارية للاتحاد العام التونسي للشغل وابرز ما جاء في البيان الدعوة الى الاضراب العام نتيجة لتدهور الوضع المادي والاجتماعي للشغالين وردا على المناورات المفضوحة في دفع مرتزقة الحزب الارهابيين الى الهجوم على دور الاتحاد وانني لا انكر من كون لهجة البيان كانت شديدة حادة وانه تضمّن نعوتا واوصافا موجهة نحو المسؤولين في الدولة ونحو الاجهزة التابعة لها خاصة منها وسائل الاعلام.


الامر لم يكن يقتصر على التهديد والوعيد  
كما لاحظ المتهم ناجي الرمادي بقوله بانه اتصل هاتفيا بالأمين العام للمنظمة الشغيلة يوم 26 جانفي المذكور معلما اياه بحالة الاضراب بمدينة سوسة فأشار عليه الكاتب العام المذكور بانه ينبغي ان تخرج الاطارات والعمال الى وسط البلاد ويتصدوا للحافلات لجبرها على الوقوف والتجمهر وسط المدينة والاتصال بالمؤسسات مثلما وقع بتونس وجميع الولايات الاخرى فأعلمت بذلك الكاتب العام للاتحاد الجهوي بسوسة بفحوى المكالمة الهاتفية فوافق على ذلك ووقع ترديد الشعارات والاناشيد الحماسية وزغردة النسوة وتداول كل من علي بن صالح والمنصف قمر على استعمال مضخم الصوت وقد تسبب هذا التصرف في جمهرة عدد كبير من المارة..
وهكذا لقد كشفت الاحداث على ان الامر لم يكن يقتصر على التهديد والوعيد بل هناك خطة عمل كاملة وقع اعدادها منذ زمن ليس بالقصير.


إحالة بموجب فصل من القانون الجنائي يقضي بالقتل
وان المتهمين في هذه القضية كانوا على صنفين فالصنف الاول المتكون من تسعة وثلاثين متهما ولهم مسؤولية في الاتحاد تتكون ضدهم جريمة حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح واثارة الهرج بالتراب التونسي وفق احكام الفصل 72 من القانون الجنائي الذي يقول «يعاقب بالقتل مرتكب الاعتداء المقصود به تبديل هيئة الدولة او حمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضا بالسلاح او اثارة الهرج بالتراب التونسي اذ ان سلسلة الجرائم المرتكبة منذ يوم 9 نوفمبر 1977 الى يوم 26 جانفي 1978 كانت كلها هادفة لتلك الغاية وما الاحكام الصادرة على المتهمين الذين ائتمروا بتلك الاوامر الا شاهد على ذلك.


الادعاء العام يطلب عقوبات صارمة
كما تتكون ضدهم جرائم مسك مستودع من الاسلحة والذخيرة وتحيير الراحة العامة وفق احكام الفصلين 42 و43 من قانون الصحافة والقانون عدد 4 المؤرخ في 24 جانفي 1969 وان بقية المتهمين الذين قبلوا الانضمام الى تلك الجموع كان لغايات اعانة ونصرة تلك الجموع المتكونة من المتهمين التسعة والثلاثين المذكورين وقد قاموا بأعمال مادية من حراسة وزغردة وترديد شعارات يدخلهم تحت طائلة الفصل 75 من القانون الجنائي ومن  ذلك فقد بات  من المحقق ان المتهمين في هذه القضية كانت ادانتهم بالجرائم المنسوبة اليهم ثابتة بصورة لا ريب فيها وان رجوع البعض منهم في الاعترافات الواقع تسجيلها عليهم من طرف الباحث المنتدب لا ينفي عنهم تلك التهم ومهما بلغت فصاحة لسان الدفاع وقوة نضالهم لا تنقص من قيمة تلك الحجج القاطعة و،سوف تخاطبهم المحكمة بقولها (ولا تخاطبنّ في الذين ظلموا انهم مغرقون) لذلك فان الادعاء العام يطلب من المحكمة تسليط عقوبات صارمة على جملة المتهمين طبقا للنصوص الواردة  بالقانون.